تونس: حكومة الجبالي تواجه خطر «تواتر الاستقالات»

تونسيون يتظاهرون احتجاجا على خطط تعويضات لإسلاميين

TT

تواجه حكومة حمادي الجبالي تحديات متتالية باستمرار إدارتها للشأن العام التونسي، بعد تداعيات استقالة بعض أعضائها خلال الفترة الماضية، آخرها استقالة حسين الديماسي، وزير المالية. ولكن مسلسل الاستقالات قد يطال أسماء أخرى تبقى مرشحة لمغادرة المشهد السياسي لأسباب كثيرة، من بينها «ضعف النتائج المحققة»، كما عبرت عن ذلك مصادر مقربة من الحكومة.

وتفرك الأقلية المعارضة أيديها، وهي ترى بمرور الوقت حجرات «الدومينو» تقع الواحدة وراء الأخرى، كما عبر عن ذلك أحد المحللين السياسيين، واستغلت الوضع السياسي الضبابي للمطالبة بحكومة تكنوقراط بدلا من حكومة تتكون من 45 وزير وكاتب دولة. واعتبرت القيادات المعارضة في تصريحاتها أن الوقت قد حان لإجراء تحوير أو تعديل وزاري عميق يمس التركيبة الحكومية التي قالت عنها إنها «عاجزة عن إدارة البلاد»، وهو شعار رفعته المعارضة بعد مدة قليلة من تولي حركة النهضة قيادة البلاد، بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وتدافع حركة النهضة من ناحيتها عن خياراتها السياسية والاجتماعية وهي تعاني من ضغط الشارع التونسي المطالب بالتنمية والتشغيل والقطع مع أساليب الإدارة السابقة، وكذلك من ضغط القيادات السياسية التي تطالب بمعالجة جدية لملفات الفساد والقطع مع منظومة العهد السابق. وتتهم حركة النهضة بالتلكؤ في معالجة بعض الملفات، من بينها الحسم في موضوع المنتسبين للتجمع الدستوري الديمقراطي، والمحاسبة الحاسمة لرموز الفساد.

وأتت استقالة محمد عبو (الأمين العام الحالي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) والوزير المكلف بالإصلاح الإداري لتفتح ثغرة أولى في حكومة حمادي الجبالي، وانتقد عبو أداء الحكومة في مجال مكافحة الفساد في الإدارة التونسية والتباطؤ في إنشاء جهاز للرقابة. وجاءت استقالته بداية شهر يوليو (تموز) بعد احتدام الجدل حول تسليم البغدادي المحمودي والمواجهة بين المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية والأمين العام السابق لنفس الحزب الذي يرأسه عبو، وهو ما اعتبر مساندة غير معلنة لرئاسة الجمهورية في مواجهة رئاسة الحكومة. ومثلت استقالة عبو «خبرا سيئا» بالنسبة لحكومة الجبالي، نظرا إلى أن محمد عبو من بين القيادات السياسية الهامة التي وقفت إلى جانب حركة النهضة في مواجهة نظام الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي.

حول هذه الاستقالة، قال المحلل السياسي جمال العرفاوي، إنها تخفي كثيرا من الملفات الغامضة؛ فمحمد عبو لم يكشف عن أي ملف من ملفات الفساد خلال المدة التي تولى خلالها الوزارة. ورأى العرفاوي أن الأمر قد تكون وراءه حسابات سياسية على رأسها نية عبو الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واعتبر أن هاتين الاستقالتين لا يمكن أن تعبرا حقيقة عن نظرية «حجارة الدومينو»؛ «إذا تداعت منها واحدة تساقطت البقية»، فالائتلاف الثلاثي الحاكم له مصالح وثيقة في مواصلة قيادة تونس، ولا يمكن أن تصل المواجهة إلى حد فك الائتلاف (على حد قوله).

وجاءت استقالة حسين الديماسي (مستقل) من وزارة المالية لتمثل تحديا جديدا لحكومة الجبالي من جديد، بعد أن اتهمها بما سماه «انزلاقات متواترة» متمثلة في تباين المواقف حول السياسة المالية التونسية ومشروع القانون المتعلق بالتعويض للأشخاص المنتفعين بالعفو العام (نحو 12 ألف شخص)، وما ستتحمله الدولة من أعباء مالية كبيرة. كما اتهم الديماسي أعضاء الحكومة باعتماد «منهج سياسي انتخابي نتج عنه تصاعد فادح ومفاجئ في نفقات الدولة، مقارنة بمواردها». إلا أن حكومة الجبالي سارعت إلى الدفاع عن وجهة نظرها، وأكدت أن سبب استقالة الديماسي يعود إلى خلاف حول سياسة دعم المنتجات في تونس وسياسة الأجور، إلى جانب المفاوضات الاجتماعية التي قد تنجر عنها زيادات مهمة في الأجور؛ سواء في القطاع الخاص أو العام.

وكانت هاتان الاستقالتان قد سبقتهما إقالة مصطفى كمال النابلي، محافظ البنك المركزي، بعد جلسات طويلة من الجدل وصلت إلى حدود عرض الأمر على أعضاء المجلس التأسيسي (يقوم بدور البرلمان حاليا) والتصويت على قرار إقالة النابلي، الذي أمضاه المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية، مباشرة، بعد اتخاذ حكومة حمادي الجبالي قرار تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا دون علمه.

وحول السياسة المالية التونسية، قال سعد بومخلة (أستاذ علم الاقتصاد بالجامعة التونسية) إن القيادات الحالية تجاري الوضع الحالي، وتسعى إلى تقليص النفقات، في محاولة للمحافظة على الدولة من الانهيار بعد فقرة صعبة من الناحية المداخيل المالية (ضعف موارد السياحة على الخصوص وتراجع الصادرات). ولفت الانتباه إلى ضرورة مراعاة التوازن المالي من ناحية، وإعطاء الأولوية للفئات والمناطق المحرومة من ناحية ثانية، وهذا يتطلب سياسة مالية حذرة قد لا تتقنها القيادات السياسية، وهو ما يجعلها تصطدم مع خبراء الاقتصاد الذين يتحركون وفق ضوابط مختلفة.

وتساءل خبراء سياسيون عن المرشحين للاستقالة أو الإقالة بعد محمد عبو والديماسي ومصطفي كمال النابلي، واضطر يوم أمس البشير الزعفوري (من حركة النهضة)، وزير التجارة والصناعات التقليدية، إلى نفي خبر استقالته بوسائل إعلام محلية، قائلا إن الخبر «عار من الصحة»، واغتنم الفرصة ليؤكد أنه لا يعاني من ضغوط تمارس عليه في عمله من أي جهة كانت، عدا ضغوط المصلحة الوطنية.

وقال إن تقديمه الاستقالة في هذا الوقت الحساس هروب من المسؤولية وتخاذل أمام الواجب الوطني.

وتنتظر الساحة السياسية تحويرا وزاريا وشيكا وعد به راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التي تقود البلاد، بعد الانتهاء من المؤتمر التاسع للحركة، إلا أن عدم استكمال خطوات التنظيم الداخلي (المكتب التنفيذي والمكتب السياسي)، قد تكون وراء التأخير، بالاهتمام بملفات بعض الوزارات التي عرفت انتقادات كبرى خلال الفترة الماضية. وترشح دوائر مقربة من الحكومة أن يشمل التحوير خمس أو ست وزارات على الأقل، بعيدا عن وزارات السيادة التي قد تكون في منأى عن التحوير المقبل.

إلى ذلك، تظاهر، أمس، مئات التونسيين احتجاجا على مشروع قانون حكومي مثير للجدل يقضي بمنح تعويضات مادية للسجناء السياسيين خلال فترة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وأغلبهم إسلاميون.

وأمام مقر المجلس التأسيسي بضاحية بادرو، تجمع المئات رافعين أعلام تونس وشعارات مناوئة لحركة النهضة الإسلامية التي تقود الحكومة مع حزبين علمانيين، مطالبين بالتراجع عن إقرار قانون التعويض للسجناء السياسيين، معتبرين أنه يزيد من إرباك اقتصاد البلاد المتعثر أصلا.

ودعا ناشطون إلى المظاهرة عبر موقع «فيس بوك» من أجل مناهضة هذا المشروع، الذي من المقرر أن يعرض على مجلس الوزراء لتعويض السجناء السياسيين، وأغلبهم إسلاميون، الذين عذبوا وشردوا خلال حقبة الرئيس السابق بن علي، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية، العام الماضي.

ويقدر مسؤولون عدد السجناء السياسيين المقرر أن ينتفعوا بالتعويضات في حال إقرارها بنحو 12 ألف سجين، لكن مراقبين يقولون إن العدد قد يصل إلى 20 ألفا، حسب «رويترز».

وتواجه حركة النهضة الإسلامية، منذ وصولها للسلطة، ضغوطا كبيرة من المعارضة التي تتهمها بالانفراد بالحكم، وإعادة إنتاج ديكتاتورية جديدة في البلاد. وتنفي النهضة هذه الاتهامات باستمرار.