قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يعارضون توجيه ضربة عسكرية لإيران

باراك ونتنياهو مصعوقان من تسريب هذا الموقف ويعتبرانه «كذبا ونفاقا للأميركان»

TT

استنادا إلى تسريبات منظمة، خرج جميع المراسلين العسكريين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس، بأنباء تؤكد أن جميع رؤساء الأجهزة الأمنية في إسرائيل، الجيش والمخابرات وحتى الشرطة، السابقين والحاليين، يعارضون أن تقدم إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لإيران، لمنعها من تطوير أسلحة نووية.

وقال هؤلاء المراسلون إن رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، يقف على رأس المعارضين؛ إذ يقول: «إن ضربة كهذه لن تحقق هدفها في تدمير جميع المفاعلات النووية الإيرانية، بل قد تؤدي إلى تعجيل الإيرانيين إنتاج سلاح نووي. وإن قصفا إسرائيليا لإيران سيستقدم ردا إيرانيا بقصف صاروخي لإسرائيل، في حين أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليست جاهزة بعد لمثل هذا القصف. وقد يجر إلى حرب إقليمية شاملة، لا أحد يعرف نتائجها». وذكرت «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن قائد سلاح الطيران، أمير إيشيل، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، يشاطران غانتس هذا الرأي، ومثلهما أيضا رئيس الموساد (المخابرات الخارجية)، تمير فيدرو، ورئيس «الشاباك»، يورام كوهن، يحملان رأيا معارضا للضربة. وكان رؤساء الأجهزة الأمنية السابقون، رئيس أركان الجيش جابي أشكنازي ورؤساء «الشاباك»، يوفال ديسكين، و«الموساد»، مئير دجان، وعاموس يادلين، قد أكدوا علنا معارضتهم؛ لأن هجوما على إيران لن يحقق مراده في منع إيران من التسلح النووي.

وقد أدى هذا النشر إلى صدمة في مكتبي رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، إيهود باراك، المعروف أنهم أكثر الملوحين بالتهديد بتوجيه الضربة. وخرجت تصريحات حادة من مكتب الوزارة في تل أبيب ضد، أولئك الذين يسربون أنباء عن معارضة ضرب إيران في قيادة الجيش. واعتبر مسؤول أمني كبير، الأنباء عن معارضة قيادة الجيش لضربة لإيران «كذبا ونفاقا للأميركيين»، في إشارة إلى وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، الذي بدأ مساء أمس زيارة عمل في إسرائيل لتكرار المطلب الأميركي بأن لا يتم ضرب إيران حاليا. وقال هذا المسؤول ساخرا: «هل من يعارض الضربة يقوم بتدريب قواته في أذربيجان على قصف أهداف استراتيجية بعيدة المدى».

وقد رد مصدر مقرب من غانتس على هذا «الغمز» قائلا لمراسل الموقع الإخباري الإلكتروني «واللا»، التابع لصحيفة «هآرتس»، إن «غانتس يعرف وظيفة الجيش وحدوده في النظام الديمقراطي، وعندما يصدر قرار سياسي من الحكومة، حتى لو كان يعارضه، سيقوم بتنفيذه بامتثال تام لأوامر القيادة السياسية».

من جهة ثانية، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن الولايات المتحدة ما زالت تعارض بشدة قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. وهي تحاول إقناع إسرائيل بموقفها. وفي الأسابيع الأخيرة تشعر بأن الثنائي نتنياهو – باراك يصعدان في التهديد، ويوحيان أن الضربة ستنفذ بعد شهرين أو ثلاثة، وهذا يعرقل الجهود الأميركية الدبلوماسية لتسوية الأزمة مع طهران عن طريق المفاوضات. وأن وزير الدفاع، بانيتا، يأتي لهذا الغرض لإسرائيل، ولكن هذه المرة يأتي ملوحا بالتهديد، حيث إن التصرفات الإسرائيلية بدأت تغضب واشنطن، خصوصا عشية الانتخابات الرئاسية.

ويكتب المحرر العسكري في الصحيفة، أليكس فيشمان، عن الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة في مسألة النووي الإيراني، فيؤكد أنه «طالما لم تجتز إيران مستوى العشرين في المائة في تخصيب اليورانيوم، فلا أمل في أن تحظى القيادة السياسية في إسرائيل بأي مساندة للهجوم على إيران. هذا الرقم السحري هو خط الفصل الذي يفصل بين تعريف إيران دولة قررت التزود بسلاح نووي وتعمل على إخراج هذه الخطة إلى حيز التنفيذ، وبين تعريفها قوة نووية عظمى، يجب وقفها بكل الطرق. والإيرانيون ليسوا بعد هناك. السكين ليست موضوعة بعد على الرقبة، كما يستطيب للقيادة السياسية في إسرائيل أن تصور وضعنا الأمني».

ويضيف فيشمان، المعروف بصلاته القريبة بالقيادات العسكرية، على خلفية الخوف الشديد الصادر عن البيت الأبيض من أن تكون إسرائيل قد قررت الهجوم، يهبط اليوم هنا وزير الدفاع الأميركي ليئون بانيتا. إسرائيل تبث علنا وفي محادثات سرية، الإحساس بأن العقوبات الشديدة، وإن كانت تضر بالاقتصاد الإيراني، إلا أنها لن توقف النووي. باراك ونتنياهو مقتنعان بأنه لا جدوى من الإجراءات الدبلوماسية ولا من الضغط الاقتصادي. فالإيرانيون سيحققون مبتغاهم. والأميركيون يوجدون مرة أخرى في حملة إقناع «كفوا عن الحماسة. يوجد وقت». في هذه الأثناء خصب الإيرانيون 50 كيلو غراما من اليورانيوم إلى مستوى 20 في المائة لإنتاج قضبان الوقود لمفاعل البحث في طهران الذي ينتج إيزوتوبات لأغراض طبية. القفزة التالية هي التخصيب إلى مستوى 60 في المائة، المخصص أساسا للمفاعلات التي تحرك حاملات الطائرات أو الغواصات النووية. غير أنه ليس للإيرانيين حاملات طائرات وليس لهم غواصات نووية. وعليه فإن كل قفزة يقومون بها ستكون في الطريق إلى الـ90 في المائة، والذي يعني يورانيوم مخصبا لأغراض عسكرية. ومع أن التخصيب حتى 20 في المائة هو في واقع الأمر سير بنحو 80 في المائة في الطريق إلى القنبلة النووية، ولكن النسب الأخيرة هي دوما الأصعب والأكثر تعقيدا وحاليا ليس للإيرانيين قدرة ونية للوصول إلى تخصيب بمثل هذا الحجم.

ويقول فيشمان: «يعرف القادة في إسرائيل ما يرويه لهم الأميركيون: الإيرانيون لم يجتازوا الخط بعد، الوضع الاقتصادي في إيران آخذ في التفاقم، إيران تضعف، ولا معنى للهجوم لإنقاذها من الضائقة. وعلى المستوى الفوري: هجوم اليوم في إيران سينقذ نظام الأسد من الانهيار. وهذه ستكون مساهمة مباشرة لمثلث الشر. يوجد وقت. نافذة الفرص لم تغلق. وعليه، رغم الفزع الأميركي، مشكوك أن يكون اتخذ في إسرائيل قرار بقصف إيران هنا والآن، الأمر الذي لا يمنع الأميركيين من ممارسة ألاعيبهم على الرأي العام الإسرائيلي كي يمارس هذا الضغط على القيادة السياسية في إسرائيل. والأميركيون، كما ينبغي الاعتراف، يفعلون ذلك بنجاح. ممثلو الإدارة الذين يلتقون مع الإسرائيليين يتحدثون لوسائل الإعلام بان إسرائيل، في تقديرهم، ستهاجم قبل الانتخابات في الولايات المتحدة. وهم يشركون قادة جهاز الأمن بمخططاتهم الاحتياطية التي أعدوها للهجوم على إيران على أمل أن تتسرب المادة، وعندها سيعرف الجمهور بأن الاستعدادات والقدرات الأميركية تفوق بلا قياس تلك الإسرائيلية. ويوم الأربعاء الماضي أعلن وزير الطيران الأميركي، مايكل دونلي، عن تزويد سلاح الجو الأميركي بـ16 قنبلة «محطمة التحصينات» الجديدة التي ستحملها القاذفات المتملصة «بي 2». وفي بداية العام فقط أعلن «البنتاغون» أن تطوير هذه القنبلة سيتأخر، وفجأة تطل منتجا مكتملا. في إطار التلاعب ينتج الأميركيون أيضا فضيحة من خلال التسريب عن تفتيشات يزعم أنها أجريت في شقق رجال الـ«سي آي إيه» في إسرائيل. والرسالة هي أنه: «إذا لم تهدأوا في الموضوع الإيراني، فإن لدينا المزيد من مثل هذه الفضائح في جعبتنا».

وفي المقابل فإنهم يحررون الجزر أيضا: الرئيس أوباما يوقع على علاوات ميزانية كبيرة لجهاز الأمن الإسرائيلي، وفي أكتوبر (تشرين الأول) ستصل هنا قوات أميركية لخوض مناورة مشتركة هي الأكبر من أي وقت مضى. التهديد بالهجوم على إيران يخدم سلسلة مصالح داخلية وخارجية – سواء في الولايات المتحدة أم في إسرائيل. وفي هذه اللعبة يشارك الجميع.