جدل في الهند حول من يتحمل مسؤولية أكبر انقطاع للكهرباء

اتهامات بين الوزراء ومساع للحد من قطع التيار

هنود يمرون تحت أسلاك كهربائية متداخلة ذات ضغط عال في نيودلهي الأربعاء (أ.ب)
TT

بعد عودة التيار الكهربائي في المناطق الواقعة شمال الهند يوم الأربعاء، زادت حدة المناورات السياسية حول المسؤول عن الانقطاع الهائل للكهرباء الذي حدث مؤخرا في البلاد. حاول فيرابا مويلي، وزير الطاقة الجديد في الهند، أن ينأى بنفسه عن تصريحات سلفه سوشيل كوما شيندي، الذي أكد خلالها أن مسؤولية انقطاع الكهرباء الذي حدث الاثنين والثلاثاء الماضيين تقع على عاتق مسؤولي الدولة، نظرا لقيامهم بسحب كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية للأقاليم التي ينتمون إليها أكثر بكثير من الكميات المخصصة لها.

لكن شيندي، الذي تمت ترقيته في التعديل الوزاري الجديد ليشغل منصب وزير الداخلية، استمر في توجيه هذه الاتهامات. ويقوم مويلي: «لا أعتقد أن أحدا يستطيع ممارسة لعبة اللوم بين الحكومة المركزية وحكومة الولاية».

وبعد مضي ساعات قليلة، وجه شيندي انتقاد شديدة لحكومات الولايات، حيث قال: «فشلت شبكة الكهرباء بسبب ارتفاع الأحمال الزائدة»، مؤكدا أن «الكثير من الولايات» تحاول الحصول على كميات من الطاقة أكبر بكثير مما هو مقرر سلفا.

حصل شيندي على حقيبة وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي، وعلى الرغم من حدوث اثنين من أكبر انقطاعات الكهرباء في تاريخ البشرية أثناء توليه منصب وزير الطاقة، فإن شيندي يؤكد أنه كان وزير طاقة «ممتازا». ويقول شيندي إنه بدلا من التركيز على الخسائر التي نجمت عن انقطاع التيار الكهربائي، ينبغي على الناس أن يشعروا بالامتنان من عودة التيار الكهربائي لمختلف المناطق الهندية في ظرف ساعات قليلة.

تهكم عدد من المراقبين السياسيين على تصريحات شيندي، التي أصبحت مادة خصبة للانتقادات العنيفة التي شنها أعضاء البرلمان المنتمون إلى المعارضة، حيث صرح براكاش جافاديكار، المتحدث باسم حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض، بأن الحكومة كانت تحاول فقط تحويل الانتباه عن عدم كفاءتها في إدارة شؤون البلاد. وأضاف جافاديكار: «إن الفشل غير المسبوق في شبكة الكهرباء ناتج عن الإهمال وعدم الكفاءة وعدم الاكتراث التام من جانب الحكومة المركزية».

وانقطع التيار الكهربائي عن نصف عدد سكان الهند تقريبا يوم الثلاثاء، بعد سلسلة متتالية من المشكلات التي حدثت في ثلاث من شبكات الكهرباء المترابطة في البلاد، مما أسفر عن انقطاع التيار الكهربائي في مناطق تمتد بطول ألفي ميل، من ايمفال في الشرق وحتى جايسالمر في الغرب، ومن ليه في الشمال وحتى بوبانسوار في وسط البلاد.

أثر انقطاع الكهرباء على منطقة يقطنها 670 مليون نسمة، أو 10 في المائة تقريبا من سكان العالم، على الرغم من أن عشرات ملايين من هؤلاء الأشخاص لم يكن لديهم إمدادات منتظمة من الكهرباء من الأساس. وأدى انقطاع الكهرباء إلى محاصرة عمال المناجم داخل المناجم بصورة مؤقتة، وزيادة أعداد المسافرين العالقين في محطات السكك الحديدية، فضلا عن التسبب في حدوث اختناقات مرورية هائلة في عاصمة البلاد. ولم ترد أي تقارير حول حدوث حالات وفاة ترتبط ارتباطا مباشرا بانقطاع الكهرباء.

وفي مؤتمر صحافي يوم الأربعاء الماضي، أشار مويلي إلى أنهم تمكنوا من استعادة التيار الكهربائي للخدمات الضرورية مثل السكك الحديدية والمطارات بحلول الساعة الثالثة من صباح الثلاثاء، مؤكدا أنه بحلول مساء الأربعاء، كانت محطات الكهرباء تعمل بصورة «عادية». وأضاف مويلي: «أستطيع أن أؤكد للأمة بأسرها أن هذا الحدث لن يتكرر مطلقا على الصعيد المحلي».

تكمن المشكلة الرئيسية في الطاقة في الهند في تسبب معدلات التنمية السريعة التي حققتها البلاد في زيادة الطلب عن المعروض بصورة هائلة للغاية، مما يعني أن مسؤولي الطاقة في البلاد صار يتعين عليهم إدارة الشبكة عن طريق قطع التيار الكهربائي عن المناطق الصغيرة من البلاد بالتناوب. ولكن القيام بمثل هذا الأمر يتطلب اتخاذ خطوات سريعة من قبل مسؤولي الدولة، الذين يحجمون في كثير من الأحيان عن قطع التيار الكهربائي في المناطق المهمة من البلاد.

ويؤكد المحللون أن مشكلة توليد الهند لكميات كافية من الطاقة الكهربائية تعد واحدة من أكبر المعوقات، التي حالت دون المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي السريعة في البلاد. يعد نقص الكهرباء السبب الرئيسي وراء عدم تمكن الهند من إقامة هذا النوع من قواعد الصناعات التحويلية التي تحتاج إليها لسحب مئات الملايين من السكان من القطاع الزراعي، كما فعلت جارتها الصين. وقال راجندرا باشوري، المدير العام لـ«معهد الطاقة والموارد» في نيودلهي: «إن قطاع الطاقة الهندي بحاجة إلى إصلاح كبير».

ومن الأسباب التي أدت إلى زيادة الضغط على شبكة الكهرباء الهندية في الوقت الحالي هو قلة سقوط الأمطار، وهو الأمر الذي أدى إلى تقليص كمية الكهرباء التي توفرها السدود الكهرومائية، التي تعتمد عليها الهند لتوفير جزء كبير من احتياجاتها من الكهرباء، ناهيك عن أن المزارعين يستخدمون كميات كبيرة من الكهرباء وبصورة أكثر مما كان متوقعا لتشغيل مضخات المياه لري محاصيلهم.

ومع ذلك، قال اجيت شاران، وهو وزير الطاقة لولاية هاريانا، إنه كان يتعين على الحكومة المركزية أن تحذر الولايات إذا كانت تستهلك كمية مفرطة من الطاقة، ولكن الولايات لم تتلق أي تحذيرات يومي الاثنين والثلاثاء.

ومهما كان السبب الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي، فإنه قد سبب حرجا كبيرا للهند على الساحة الدولية. ومن المعروف أن الهنود يتابعون الرأي العام العالمي عن كثب، ليس فقط لأسباب تتعلق بالكرامة الوطنية ولكن لأن الاستثمارات الأجنبية والتحويلات المالية تمثل جزءا مهما للغاية من الاقتصاد.

ويشعر بعض الخبراء بتفاؤل أكبر مما كان عليه الأمر في الماضي، لأن عددا من المسؤولين الهنود قد اتخذوا قرارات سياسية صعبة خلال الأشهر الأخيرة، بهدف رفع أسعار الكهرباء، كما تحركت حكومات الولايات في تاميل نادو والبنغال الغربية وراجستان والبنجاب للحد من الخسائر في المرافق العامة التي كانت تبيع الكهرباء بأسعار أقل بكثير من تكلفة الشراء. وعلاوة على توفير مزيد من الأموال للاستثمار في توفير قدر أكبر من الكهرباء، فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلكين والشركات إلى خفض الطلب على الطاقة.

وقال شاندان روي، وهو مدير سابق للمؤسسة الوطنية لتوليد الطاقة الحرارية التي تعد أكبر منتج للطاقة في الهند: «أعتقد أن الجميع قد أدركوا أنه لا يوجد شيء بلا مقابل».

وقد أجبر انقطاع التيار الكهربائي المتكرر كثيرا من الشركات، بما في ذلك شركات صناعة البرمجيات في الهند، إلى الاعتماد بشكل مكثف على مولدات الديزل، التي عادة ما تصل تكلفتها إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف استخدام الطاقة المولدة من الكهرباء. وفي الحقيقة، تبدو المقارنات صعبة بين هذين المصدرين لتوليد الطاقة، لأن الحكومة تدعم كلا منهما، بصورة جزئية.

والأكثر من ذلك أن الكهرباء لا تصل على الإطلاق لنحو 300 مليون شخص في الهند، وتصل بشكل متقطع لنحو 300 مليون شخص آخرين. وثمة مشكلة أخرى تواجه الهند، وهي أن إمدادات الفحم، الذي تسيطر عليه الحكومة إلى حد كبير، غير كافية لتلبية الطلبات، حتى بين محطات توليد الطاقة التي لديها القدرة على توليد مزيد من الكهرباء. وقال شاليندرا تشوانت، وهو ناشط بيئي ومستشار في مجال الطاقة، إن الاعتماد على كمية أكبر من الفحم وانتهاج الاستراتيجية المركزية في البنية التحتية للطاقة في البلاد سيكون خطأ كبيرا. وأضاف: «يكمن الحل في لامركزية مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والسولار ومحطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة».

ويرى الخبراء أنه ما إن تصبح شبكة الكهرباء الأساسية في الهند غير جديرة بالثقة حتى تنتشر بدائل الطاقة الخاصة، على الرغم من عدم كفاءتها. وعلى الرغم من أن هذه الأعطال قد تكون ناجمة عن خلل تقني، فمن الواضح أنها تعكس المشكلات الكبرى التي تعاني منها الهند في قطاع التيار الكهربائي. وقال سوريش برابهو، الذي كان يشغل منصب وزير الكهرباء والطاقة في الهند في مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة: «على الرغم من أنه يبدو كأنه مجرد حادث عابر، فإنه كان حادثا متوقعا ومنتظرا».

* خدمة «نيويورك تايمز»