الجيش السوري النظامي أصبح يواجه مشاكل في صيانة أسلحته بعد شهور من القتال

الضغط على المروحيات دفع النظام لاستخدام طائرات التدريب في حلب.. والثوار يستولون على أسلحة

TT

بعدما تأكد فشل الجهود الدبلوماسية وأن ساحة المعركة باتت هي المكان الوحيد الذي سيحدد مستقبل سوريا، يبدو أن الكثير من الأسلحة الحكومية القوية، بما في ذلك المروحيات الحربية والطائرات المقاتلة والدبابات، أصبحت أقل قوة من ذي قبل أو حتى صارت عبئا كبيرا، في بعض الأحيان، على جيش الرئيس السوري بشار الأسد.

استولى الثوار على قسم كبير من ترسانة الأسد الهائلة من أيدي قواته الخاصة، حيث قامت القوات المناهضة للأسد يوم الأربعاء الماضي بقذف أحد المطارات العسكرية في مدينة حلب المتنازع عليها باستخدام الأسلحة التي استولوا عليها من الجيش الحكومي، بينما قاموا يوم الثلاثاء الماضي باستخدام الدبابات التي استولوا عليها من جيش الأسد في شن هجوم ضد القوات الحكومية في سوريا.

ربما يتمثل مصدر القلق المتزايد بالنسبة للأسد في حقيقة أنه أصبح يتعين على جيشه الاعتماد بصورة أكبر على المعدات العسكرية التي تم تصميمها لخوض الحروب ضد جيوش تقليدية، وهي إسرائيل، وليس لإنهاء هذا الصراع الذي طال أمده مع شعبه. يقول بعض المراقبين المقربين من جيش الأسد إن سوريا تواجه مشكلة كبيرة تتمثل في المحافظة على عمل أسلحتها المتطورة التي تحتاج إلى صيانة مكثفة.

ومن المرجح أن تزداد مثل هذه الضغوط بصورة أكثر حدة في الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة السورية على المروحيات المقاتلة لتمكينها من الوصول إلى بعض أجزاء من البلاد التي لا تصلح لعبور قوافل الإمدادات اللوجستية أو حتى العربات المدرعة نظرا للوجود المكثف لقوات الثوار في هذه الأماكن.

يؤكد أحد المحللين أن أسطول سوريا من المروحيات الهجومية من طراز «Mi-25 Hind-D»، والتي كان يبلغ عددها 36 طائرة في بداية الثورة، تعد الآن غير كافية لكبح الثوار في جبهات الحرب الواسعة، والتي تمتد من حلب وإدلب في الشمال إلى ضواحي دمشق في الجنوب، ومن حماه حتى حمص في وسط البلاد، والتي ما زالت مستمرة في التوسع.

يكافح فنيو الصيانة للحفاظ على استمرار عمل المعدات في هذه الحملة العسكرية المكثفة، وسط درجات الحرارة المرتفعة والرمال التي تميز الحرب في الصحراء في فصل الصيف. تشير التقديرات إلى أن نصف أسطول المروحيات فقط يمكن استخدامه في الوقت نفسه، في ظل تفكيك بعض المروحيات لاستخدامها كقطع غيار واعتماد الأسد الكامل على الإمدادات الروسية.

يقول جيفري وايت، المحلل السابق في «وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية» والذي يقوم الآن بإجراء دراسات حول الوضع في سوريا لحساب «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»: «سوف يبدأ هذا الجيش في التفكك»، مضيفا أنه «ليس الجيش كله في آن واحد، وإنما سوف تبدأ بعض أجزائه في التفكك».

أكد وايت أنه طبقا لتقديراته، فإن خسائر الجيش السوري 1100 جندي قتيل في شهر يوليو (تموز) الماضي، ولا يزال يفقد المزيد من الجنود والضباط الذين يقومون بالانشقاق عن الجيش. يضيف وايت أن الموالين للعديد من القادة والوحدات العسكرية السورية قد أصبحوا الآن محل شك أيضا، فضلا عن الخسائر الفادحة في الدبابات والطائرات التي تكبدها الجيش السوري، الذي «لم يشتهر قط بصيانة معداته العسكرية»، جراء هذه الأشهر المتواصلة من القتال.

يمثل انشقاق القوات الحكومية والاستيلاء على الأسلحة العسكرية مشكلة متزايدة بالنسبة للنظام في سوريا، حيث زعم ثوار حلب السيطرة على 14 دبابة من طراز «T-72» و«T-55»، والعديد من أسلحة إطلاق النار الأخرى، مثل بعض قطع المدفعية ومدافع الهاون.

يقول بشير الحاج، قائد الجيش السوري الحر في حلب: «أعضاء الجيش السوري الحر هم من يقودون الدبابات، فهم متخصصون في ذلك، لأنهم كانوا يقودونها قبل انشقاقهم»، مضيفا أنه «تمثل الدبابات والمدفعية أهمية كبيرة للغاية في معاركنا، لأنها تمكننا من قذف قوات النظام من على بعد».

ربما يساعد استيلاء الثوار على المزيد من الأسلحة القوية، فضلا عن زيادة الضغط على المروحيات، على تفسير سبب لجوء الجيش السوري مؤخرا لاستخدام طائرات التدريب من طراز «L-39» في دخول مدينة حلب، وهي أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان.

يشير جوزيف هوليداي، ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية والذي يقوم بتغطية الحرب الدائرة في سوريا لصالح «معهد دراسات الحرب» في واشنطن، إلى أن التفسير الآخر لظهور طائرات التدريب هو أن «الجيش السوري يحارب من أجل استعادة السيطرة على حلب من دون وجود أعداد كافية من المدفعية».

وبنظرة سريعة على الوضع، يعد أسطول المروحيات الحكومية قوة جبارة على الأرض في الوقت الراهن.. فنظرا لقدرتها الكبيرة على المناورة وحمل الكثير من الأنواع المختلفة من الذخائر، بما في ذلك «قنابل السقوط الحر»، تمكن المروحيات جيش الأسد من التجول فوق الريف السوري، سعيا وراء إصابة الأهداف البعيدة عن متناول الوحدات الأرضية.

أكد قادة الثوار مرارا وتكرارا أن أكثر ما يحتاجون إليه في الوقت الراهن هو الأسلحة المضادة للطائرات لإسقاط الطائرات الحكومية، ولا سيما المروحيات.

ولكن حتى من دون حصول الثوار على الصواريخ، يؤكد بعض المختصين في شؤون الأسلحة الذين يتابعون المعركة في سوريا أن هذه الطائرات قد دخلت بالفعل في دوامة هبوط. رجح مسؤول حكومي أميركي يقوم بتغطية الحرب وجود أقل من 20 من هذه الطائرات تحت إمرة حكومة الأسد للاستخدام في وقت واحد، من إجمالي الأسطول الذي كان يحتوي على 36 طائرة.

وضع هوليداي، المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية، تقديرات أقل من ذلك بالنسبة للمروحيات من طراز «Hind-Ds» التي ما زالت تعمل بكفاءة، حيث كتب في إحدى الرسائل الإلكترونية: «في تقديري أن الحد الأقصى من الطائرات التي ما زالت تعمل هو 15 طائرة».

وبالنسبة لمروحيات الدعم الهجومية، تمتلك سوريا أسطولا مماثلا من المروحيات من طراز «غازيل»، وهو الأسطول الذي يعد ملائما لمهاجمة الدروع أكثر بكثير من مهاجمة المقاتلين المرتجلين، فضلا عن أسطول أكبر بكثير من مروحيات نقل الجنود من طراز «Mi-8» و«Mi-17» السوفياتية الصنع.

تشير بعض التقديرات الحرة إلى أن سوريا قد بدأت حملتها باستخدام 100 مروحية من طراز «Mi-8» و«Mi-17»، فضلا عن أكثر من 30 مروحية من طراز «غازيل».

أشار روبرت هيسون، وهو متخصص في الأسلحة التي تطلق جوا في معهد «آي إتش إس جانز»، إلى أن أبراج المروحيات من طراز «Mi-8» و«Mi-17» يمكن تركيبها على العديد من الأسلحة الروسية الشبيهة التي تحملها المروحيات من طراز «Mi-25»، بما في ذلك واحدة من أقوى الذخائر التي تم تجربتها كثيرا في هذا الصراع، ألا وهي قنابل «السقوط الحر» من طراز «أو إف إيه بي» زنة 550 رطلا.

من جهة أخرى، تم استخدام المروحيات السورية في شن هجمات على الثوار عن طريق إطلاق صواريخ شديدة الانفجار وقنابل غير الموجهة مثل «أو إف إيه بي»، فضلا عن أنه من المرجح استخدامها مرة واحدة على الأقل في إطلاق بعض الذخائر العنقودية. عادة ما ترتبط هذه الأسلحة في أذهان العامة بالطائرات الهجومية ذات الأجنحة الثابتة، بما في ذلك طائرات «ميغ 23S» التي تمتلكها سوريا.

أما المروحيات الأخرى من طراز «Mi-8» و«Mi-17»، فتقوم بالكثير من المهام الأخرى، حيث أكد قادة الثوار والمحللون الغربيون أن الكثير من الوحدات العسكرية السورية تم تخصيصها لحماية هذه المروحيات اعتبارا من بداية الصيف الحالي. وكما هو الحال في مدينة أعزاز، تم إعادة تزويد بعض الوحدات بمروحيات نقل الجنود، وهي المهمة التي تتطلب الكثير من ساعات الطيران، فضلا عن تجنيب الطائرات لقواعد الهجوم الأرضي.

يرجح هوليداي أن تكون 60 من هذه المروحيات ما زالت تعمل في الخدمة بدوام كامل. لا تزال اثنتان من الأوراق الخطيرة في هذا الصراع تكمن في الأسلحة الجو - أرض، حيث يؤكد المحللون أن الورقة الأولى تكمن في لجوء الجيش السوري مؤخرا إلى استخدام طائرات الهجوم الأرضي، التي تقوم بتوصيل حمولات ثقيلة إلى أماكن متفرقة، فضلا عن قدرتها على بث الرعب في قلوب المقاتلين غير المتمرسين في الحروب.

ولكن هذا الأمر يمكن قراءته على أنه خطوة إضافية تهدف إلى زيادة الضغط على القوات المناهضة للحكومة، فضلا عن كونه إشارة إلى ضعف أسراب المروحيات السورية مقارنة بما كانت عليه من بضعة أسابيع فقط.

وإذا صحت هذه القراءة، فمثلما زاد استخدام المروحيات في بداية العام الحالي نظرا لزيادة قدرة المقاتلين المناوئين للأسد على استخدام القنابل بدائية الصنع بصورة كبيرة، فمن الممكن أن تكون هذه الخطوة إشارة إلى أن الجيش السوري أصبح يمتلك عددا قليلا من الأدوات القتالية والخيارات المتاحة في حربه مع خصومه.

يمكن أن يبشر هذا الوضع باضطلاع الطائرات السورية ذات الأجنحة الثابتة بدور أكبر في المستقبل.

أما الورقة الخطيرة الثانية فتكمن في استيلاء الثوار على المزيد من الأسلحة التي تمكنهم من إسقاط الطائرات المقاتلة، ولا سيما المروحيات.. ففي مقابلة أجريت معه في الشهر الماضي، قال الطيار السوري المنشق، والذي كان يقود طائرة من طراز «Mi-17»، إنه وزملاءه لم يكن يساورهم أي قلق خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي من القوات المناهضة للأسد، أو الجيش السوري الحر، والتي تمتلك صواريخ مضادة للطائرات يتم إطلاقها من على الكتف وتعمل بتقنية تتبع الحرارة.

يضيف الطيار أن مصدر القلق الرئيسي بالنسبة لهم كان يتمثل في قيام هذه القوات بإطلاق النار من أسلحة «آر بي جي-7»، وهي أسلحة مضادة للدروع يتم إطلاقها من على الكتف، والتي من الممكن أن تكون فعالة للغاية ضد المروحيات من المسافات القريبة (يؤكد المسؤولون العسكريون الأميركيون أن مثل هذا النظام قد تم استخدامه في شهر أغسطس (آب) الماضي لإسقاط مروحية أميركية من طراز «شينوك» في أفغانستان، مما تسبب في مقتل 38 فردا كانوا على متنها).

يقول الطيار: «كنا نعلم تمام العلم أن الجيش السوري الحر لم يكن يمتلك صواريخ مضادة للطائرات، ولكننا كنا نطير على ارتفاع يزيد بنحو كيلومتر على المدى الذي تستطيع صواريخ (آر بي جي) الوصول إليه».

وفي الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك بعض الإشارات التي تدل على أن القوات المناهضة للأسد قد أصبحت تمثل خطرا كبيرا على المروحيات الحكومية.

يظهر أحد مقاطع الفيديو، والذي أكد المحللون صحته، إحدى المجموعات المقاتلة في الرستن وبحوزتها ما يبدو أنه ثلثا منظومة صواريخ «SA-7»، التي يتم إطلاقها من على الكتف والتي تقوم بتتبع الحرارة. أفادت شبكة «إن بي سي نيوز» الإخبارية في الأسبوع الماضي بأن أحد المقاتلين المناهضين للأسد، والذي رفض الكشف عن اسمه، ادعى الحصول على ما يقرب من 24 من الصواريخ التي تقوم بتتبع الحرارة عن طريق تركيا.

نفى بعض أعضاء المعارضة مثل هذا الادعاء، على الرغم من تأكيد مسؤول حكومي أميركي أن هناك مؤشرات تدل على تمكن الثوار من الاستيلاء على المزيد من بطاريات وأنابيب إطلاق الصواريخ من طراز «SA-7» من مخازن الحكومة السورية. وأضاف المسؤول أنه يبدو أن المكون الرئيسي اللازم لإطلاق مثل هذه الأسلحة لم يصل إلى أيديهم حتى الآن.

ومع عدم العثور على إجابة بعد للتساؤل الخاص بحصول القوات المناهضة للأسد على أنظمة صواريخ فعالة مضادة للطائرات، برزت هناك إجابة عن تساؤل آخر مهم.

أظهرت الكثير من مقاطع الفيديو بعض المجموعات المقاتلة وفي أيديهم أعداد كبيرة من الرشاشات الآلية من عيار 12.7 مليمتر و14.5 مليمتر و23 مليمترا، التي تم الاستيلاء عليها، والتي تمثل جميعها خطرا كبيرا على المروحيات، مما يمثل تهديدا متزايدا ضد الأسد، الذي يقوم الآن باستخدام الأسلحة التي يمتلكها ضد القوات التي تقوم بتهديد مصيره.

* خدمة «نيويورك تايمز»