مسؤولون: البيت الأبيض يحاول الحد من التدخل في الأزمة السورية قبل الانتخابات

اجتماعات يومية تبحث كيفية إدارة الوضع بعد سقوط الأسد.. ومجموعة من المسؤولين تضغط لتقديم مساعدات أكبر للجيش الحر

TT

أظهرت الإدارة الأميركية تحولا علنيا في النهج الذي تتبعه تجاه الأزمة السورية عقب انهيار المفاوضات في الأمم المتحدة في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي. ومع ذلك، لا تزال التفاصيل الفعلية لهذا التحول قيد المناقشة على الساحة الداخلية، ولا يزال خطاب الإدارة الأميركية سابقا لسياستها، حسب تصريحات مسؤولين وخبراء ومشرعين.

وصرحت مصادر كثيرة لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية بأنه تجرى دراسة هذه التفاصيل بين مجموعة منتقاة من كبار المسؤولين في عملية سرية يديرها مستشار الأمن القومي توم دونيلون. ويطالب بعض المسؤولين داخل هذه المجموعة بتقديم المزيد من المساعدات المباشرة للمعارضة السورية في الداخل، بما فيها الجيش السوري الحر، حتى تكون قادرة على مواجهة الجيش السوري بشكل أفضل.

ويضغط السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد في اتجاه هذه التدابير التصعيدية والمكثفة، علاوة على أن فريقه في وزارة الخارجية الأميركية على اتصال وثيق بجماعات المعارضة السورية الداخلية، بما في ذلك عقد اجتماعات مع زعماء المعارضة في العاصمة المصرية القاهرة خلال الأسبوع الحالي، حسب تصريحات مصادر متعددة في الإدارة الأميركية.

ويركز مسؤولون بارزون في وزارة الخارجية الأميركية، بما في ذلك نائب وزيرة الخارجية بيل بيرنز ومستشار وزيرة الخارجية فريد هوف، بشكل أكبر على وضع استراتيجيات دبلوماسية مع المعارضة الخارجية واللاعبين الإقليميين مثل تركيا.

وفي وزارة الدفاع الأميركية، تعكف الفرق المعنية بالشؤون السورية والإسرائيلية على وضع خطط للتعامل مع جميع الاحتمالات الممكنة والتصدي للتحدي المتمثل في الأسلحة الكيميائية التي يملكها نظام الأسد والتعامل مع احتمال استخدامها. وأشارت صحيفة «واشنطن أكزامينر» في الحادي والعشرين من يوليو إلى أن وزارة الدفاع الأميركية شكلت «فريق إدارة أزمة» للإعداد لكيفية التعامل مع الوضع في حالة سقوط النظام السوري، كما صرح مسؤولون لمجلة «فورين بوليسي» بأن هيئة الأركان المشتركة تستعد للتعامل مع أسوأ سيناريو قد يحدث في الأزمة السورية.

وتجرى كل هذه التحركات في إطار المبادئ التوجيهية الصادرة من البيت الأبيض بشأن حدود ما يمكن أن تقوم به أجهزة الاستخبارات الأميركية داخل سوريا.

وأكد مصدران في الإدارة الأميركية أن الرئيس أوباما قد سمح بتقديم مساعدات إنسانية، لا تشمل الأسلحة، للجماعات التي لا تتبنى العنف داخل سوريا، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من المساعدات الاستخباراتية والمعلوماتية للمجالس المحلية، ولكنه في نفس الوقت يغلق الباب أمام فكرة إمداد الجيش السوري الحر بالأسلحة أو التدريبات أو المساعدات العسكرية، كما يغلق الباب أمام فكرة توفير ملاذات آمنة للسوريين داخل المباني الأميركية في سوريا.

وأشار مسؤولون بالإدارة الأميركية إلى أن البيت الأبيض يحاول الحد من التدخل الأميركي في الأزمة السورية قبل الانتخابات الأميركية، وهو ما وصفه أحد المسؤولين بأنه يرتقي إلى ما يمكن وصفه بـ«الغطاء السياسي»، في الوقت الذي تحاول فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد في ضوء هذه القيود.

ووردت أنباء عن أن وكالة الاستخبارات الأميركية، على سبيل المثال، تقوم بالمساعدة في تدفق الأسلحة من الدول الخليجية حسبما يسمح به قرار تقديم المساعدات غير العسكرية للمعارضة السورية. وأشار ديفيد إغناتيوس، وهو كاتب بصحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن هذا القرار يسمح أيضا لوكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة الثوار بـ«القيادة والسيطرة».

ومع ذلك، يضغط البعض داخل الإدارة الأميركية من أجل تقديم مساعدات أكبر للثوار السوريين. وصرح أحد المسؤولين الأميركيين لمجلة «فورين بوليسي» قائلا «إننا نساعد الثوار بالشكل الذي يمكنهم من البقاء على الحياة ويعطيهم بعض الزخم، ولكن ليس بالقدر الذي يمكنهم من الوقوف أمام النظام ومحاربته».

وكانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس قد أعلنت في التاسع عشر من شهر يوليو الماضي أن مجلس الأمن قد «فشل تماما» وأن الولايات المتحدة سوف تبدأ العمل «مع مجموعة متنوعة من الشركاء خارج إطار مجلس الأمن» من أجل الضغط على نظام الأسد وزيادة المساعدات للشعب السوري. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» في صدر صفحتها الأولى في الثاني والعشرين من شهر يوليو إلى أن الإدارة قد قررت التخلي عن سعيها لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن، وبدلا من ذلك تقوم بزيادة مساعداتها المباشرة للمعارضة السورية الداخلية، والتركيز على الاستراتيجيات الرامية إلى إسقاط نظام الأسد بالقوة.

وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن البيت الأبيض يعقد اجتماعات يومية وعلى أعلى مستوى بهدف التركيز على كيفية «إدارة الوضع عقب سقوط الحكومة السورية»، ولكن مسؤولي الإدارة الأميركية كانوا متحفظين في وصف الكيفية التي سيتم بها إسقاط نظام الأسد.

وعند سؤالها عن هذه القضية في الرابع والعشرين من يوليو، لم تصرح وزيرة الخارجة الأميركية هيلاري كلينتون بما إذا كانت الولايات المتحدة ستبدأ في تزويد الثوار السوريين بمزيد من المساعدات مثل المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي أم لا، واكتفت بالقول: «إننا بالتأكيد نقدم المعلومات التي نعرف أنها ستجعل السوريين أكثر تنظيما وتمكنهم من حماية أنفسهم من الهجوم المستمر من حكومتهم».

وعندما تم الضغط عليه مرارا وتكرارا لتحديد عناصر نهج الإدارة الأميركية الجديدة، رفض المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية باتريك فينتريل يوم الثلاثاء الماضي تحديد أي مبادرات جديدة لتقديم الدعم والمساعدة للمعارضة السورية، وقال: «قلنا، من يوم تصويت الأمم المتحدة وصاعدا، إننا سوف نعجل بكل الجوانب الأخرى من استراتيجيتنا ونواصل العمل من أجل إجبار الأسد على التنحي حتى نضع نهاية لهذا العنف، ولذلك فإن كافة عناصر هذه الاستراتيجية، كما ذكرت سابقا والتي تعتمد على أربعة مسارات تشمل المساءلة وتقديم الدعم للمعارضة، علاوة على المسار الإنساني، تسير على قدم وساق».

وقال محللون إن التحول الذي طرأ على النهج الأميركي يتمثل في ارتفاع كمي في نوع المساعدات التي كانت الولايات المتحدة تقدمها بالفعل، وليس تغييرا نوعيا من شأنه أن يقدم أنواعا جديدة من المساعدات الأميركية داخل سوريا.

وقال أندرو تابلر، وهو زميل بارز بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «حتى الآن، تتحرك هذه السياسة ببطء، وأصبحت على وشك تقديم مساعدات عسكرية للمعارضة السورية الداخلية، على الرغم من أن هذا لم يحدث بعد ولكنه سيكون الخطوة القادمة الكبرى».

وحذر تابلر من أن الحذر الذي تتبعه الإدارة الأميركية يمثل خطرا على الثوار، مضيفا: «قرار تقديم المعونات غير العسكرية يعني أنه يمكنك معرفة ما يحدث مع هذه الجماعات ومساعدتها، ولكن لا يمكنك أن تفعل أي شيء لمساعدتها بقوة للتخلص من نظام الحكم»، مشيرا إلى أن «الرجال الذين يحملون المدافع هم من يسيطرون على الأمور على الأرض، ولذا فهناك حاجة إلى مساعدتهم، وهم يشعرون بالغضب لأننا لا نساعدهم في وقت الحاجة».

وثمة بعض الإشارات على أن الإدارة الأميركية قد بدأت تتخذ خطوات فعلية لمساعدة الثوار بصورة غير مباشرة، حيث أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» خلال الأسبوع الحالي إلى أن مكتب وزارة الخزانة لمراقبة الأصول الأجنبية قد أصدر ترخيصا لفريق الدعم السوري، وهي جماعة معارضة تتخذ من واشنطن مقرا لها، حتى يمكن إرسال الأموال إلى المعارضة السورية في الداخل.

وحذر روب مالي، وهو مدير قسم الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، من أنه لا توجد رغبة حتى الآن في المستويات العليا من الإدارة الأميركية لتقديم مساعدات عسكرية، على الرغم من أن الإدارة لا تعارض قيام الآخرين بتسليح المعارضة. وأضاف مالي: «سيكون هناك قدر كبير من المساءلة لو ذهبت الأسلحة الأميركية إلى الجانب الخطأ».

وأشار مالي إلى أن ما يحتاجه الثوار السوريون هو أسلحة مضادة للطائرات مثل صواريخ ستينغر، ولكن هذه هي الأسلحة التي لا تريد الإدارة الأميركية تقديمها لهم. ويوم الثلاثاء الماضي، قال ريتشارد أنغيل من شبكة «إن بي سي» إن الثوار في مدينة حلب السورية قد حصلوا على شحنة صغيرة من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة من تركيا.

وقال مالي إن عدم قيام الولايات المتحدة بتقديم دعم مباشر يخلق انطباعا بين الثوار المسلحين بأن الولايات المتحدة لا تقف إلى جانبهم. وأضاف: «ثمة انطباع بين الشعب السوري والمعارضة السورية بأن الولايات المتحدة والغرب يريدون سوريا ضعيفة من دون الإطاحة بالنظام. وعلى الرغم من خطأ هذا الاعتقاد، فإنه بدأ يتنامى داخل سوريا. وبالنسبة للبعض في العالم العربي، ستكون سوريا دليلا آخر على عدم قيام الولايات المتحدة بما يكفي».

وكانت هذه المسألة هي محور الجدل الدائر بين السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا جون ماكين والسيناتور المستقل عن ولاية كونتيكت جو ليبرمان والسيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا لينسي غراهام والذين أصدروا بيانا في السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي يقولون فيه إنه يتعين على الولايات المتحدة تزويد الجيش السوري الحر بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والتدريبات.

وقال البيان: «بعد أعوام من الآن، سوف يتذكر الشعب السوري، في ساعة اليأس والإحباط وعندما ينظر إلى العالم لطلب المساعدة، أن الولايات المتحدة قد وقفت مكتوفة الأيدي في الوقت الذي يناضل فيه السوريون الشجعان ويقتلون من أجل حريتهم في معركة غير عادلة على الإطلاق».

وأضاف البيان: «إذا واصلنا السير في هذا الطريق وتقاعسنا عن العمل، سوف يتم ارتكاب فظائع جماعية في حلب، أو في أي مكان آخر في سوريا، بكل تأكيد. نستطيع أن نمنع سقوط الضحايا وأن نعزز مصالحنا الاستراتيجية في الشرق الأوسط في نفس الوقت. وإذا لم نفعل ذلك، سيكون هذا بمثابة فشل مخز للقيادة، وهو ما من شأنه أن يؤثر علينا لفترة طويلة مقبلة».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»