الانقسامات السياسية في بغداد وأحداث سوريا تغذيان نشاطات تنظيم القاعدة بالعراق

رحيل القوات الأميركية ومعها قدرة استخباراتها يمنحه حيزا أكبر في معاقله السابقة

عراقيون يعاينون الدمار الذي خلفه انفجار سيارة مفخخة في سوق ببغداد الأربعاء الماضي (أ.ب)
TT

كان هجوما جريئا ومعقدا حريا بتنظيم القاعدة في أوج نشاطه في العراق. انفجرت قنبلتان لم يفرق بينهما سوى دقائق معدودات لتقتلا وتبترا أطرافا وتصرفا الأنظار عن قيام مجموعة من الانتحاريين باقتحام مقر للشرطة في بغداد لتحرير مسلحين مسجونين.

والهجوم الكبير الذي وقع الثلاثاء الماضي على وحدة شرطة مكافحة الإرهاب في بغداد هو الأحدث الذي تشنه جماعة دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة تنفيذا لتهديدها باستعادة ما خسرته في قتالها ضد القوات الأميركية بل إن قائدها هدد بشن هجمات في الولايات المتحدة. وفي النهاية أخفق المسلحون في إطلاق سراح السجناء ولكن الرسالة الموجهة كانت واضحة: «عدنا».

وكان تنظيم القاعدة، الذي كان من قبل المحرك لأعمال العنف ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة - قد فقد كثيرين من قادته في مواجهات مع القوات العراقية والأميركية. وانقلبت القبائل السنية على التنظيم بداية من عام 2007 وقاتلت «القاعدة» بأسلحة أمدتها بها القوات الأميركية ويرجع ذلك في جزء منه لاستيائها مما سببوه للمدنيين من مآسٍ دون تمييز. وهدأت أعمال العنف الطائفية في العراق الذي غرق في حمام من الدم في عامي 2006 و2007 ولكن منذ رحيل آخر مجموعة من القوات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) يعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته في كل شهر عن هجوم ضخم واحد على الأقل ومنسق بشكل جيد.

ويبدو مستبعدا عودة أعمال العنف الطائفية الشاملة ولكن احتمال سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يثير قلق الزعماء الشيعة في العراق الذين يخشون أن تتولى السلطة «حكومة سنية متشددة» تقوي شوكة المسلحين في العراق. وبالفعل تقول بغداد إن مقاتلي «القاعدة» من أصحاب الخبرة يعبرون الحدود التي تمتد لمسافة 680 كيلومترا للتواصل وشن هجمات ضد نظام الأسد.

وعلى حدود العراق الغربية مع سوريا وبالقرب من نقطة البوكمال أثارت الاضطرابات على الجانب الآخر من الحدود تعاطفا في منطقة سنية تشاركها روابط قبلية وعائلية. ويقول مسؤول أمني عراقي بارز لوكالة رويترز إن نفوذ «القاعدة» كبير في بعض القرى الحدودية النائية وتقع مناوشات يومية بين القوات العراقية ومهربين ومسلحين يرسلون مقاتلين وأسلحة لسوريا. وقال سيث جونز خبير مكافحة الإرهاب في مؤسسة راند في واشنطن ومؤلف كتب عن تنظيم القاعدة إن «الشرعية الدينية للحرب السورية وزيادة التمويل والمقاتلين تفيدان دون شك القاعدة في العراق».

ومع رحيل القوات الأميركية زالت معها قدرة استخباراتها على جمع المعلومات مما يمنح المسلحين حيزا أكبر للعمل في معاقلهم السابقة مثل محافظة الأنبار ومناطق تشهد اقتتالا سياسيا تنشغل به القوات المسلحة. وفي بداية شهر رمضان أصدر القائد المحلي لـ«القاعدة» أبو بكر البغدادي بيانا نادرا يعلن فيه الجهاد مجددا لاستعادة السيطرة على مناطق خسرها تنظيم القاعدة في معارك مع قوات أميركية على مر الأعوام. وفي رسالة حماسية لمقاتليه حذر البغدادي الأميركيين من أن الحرب بدأت للتو وأن المقاتلين سيحاربونهم في عقر ديارهم.

وحتى قبل دعوة حمل السلاح شهد شهر يونيو (حزيران) الماضي بعضا من أعنف الهجمات التي ألقي اللوم فيها على «القاعدة» في العراق وذلك منذ الانسحاب الأميركي بما في ذلك تفجيرات على زوار شيعة وهجوم انتحاري على مركز ديني للشيعة في بغداد. وكان شهر يوليو (تموز) الأكثر دموية في العامين الماضيين إذ قتل 325 شخصا معظمهم من المدنيين.

وعلى الرغم من انحسار التأييد لتنظيم القاعدة في العراق نتيجة سقوط ضحايا من المدنيين فإن التفجيرات في الوقت الراهن تستهدف أهدافا شيعية ومكاتب حكومية وقوات أمن محلية سعيا لإشعال التوتر الطائفي وتقويض سلطة المالكي. وتحولت الجماعة - التي كانت تجتذب من قبل مقاتلين أجانب يثيرون حفيظة السكان المحليين - لمجموعة رئيسية من العراقيين وقد قوى من عزيمتهم القتال ضد القوات الأميركية والزج بهم في سجون أميركية. وقال جون دريك من «إيه كيه إي غروب» للاستشارات «أظهرت هذه التنظيمات مقاومة بالتكيف وتشكيل خلايا صغيرة منتشرة». وأضاف أنه ينظر لتنظيم القاعدة في العراق الآن على أنه «تنظيم أكثر محلية لذا يمكنه أن يكسب دعما أكبر من بعض المواطنين العراقيين». ويعترف مسؤولون عراقيون بأن تنظيم القاعدة - الذي أضحى أضعف بكل تأكيد وقلت قدرته على الاحتفاظ بأراضٍ عما كانت عليه قبل أعوام - تسلل من جديد إلى معاقل قديمة ساعده على ذلك عدم تحرك الحكومة بسبب الفساد والاقتتال السياسي. وتعتبر الموصل المدينة الشمالية العاصمة غير الرسمية لجماعة دولة العراق الإسلامية ويقول مسؤولون إن عناصر هذا الفرع العراقي لـ«القاعدة» يجمعون ملايين الدولارات شهريا من خلال عمليات ابتزاز. وفي مدينة بعقوبة - حيث أصابت الخلافات السياسية بين زعماء سنة وشيعة وأكراد الحكومة المحلية بالشلل استقال أكثر من عشرين مختارا (رئيس حي) ينقلون معلومات لقوات الأمن من منصبهم في يوليو خوفا من «القاعدة». وقال رئيس مجلس البلدية عبد الله الحيالي إن سبب سلسلة الاستقالات هجمات «القاعدة» التي استهدفت المخاتير وأسرهم.

ويهون بعض المسؤولين العراقيين من نفوذ تنظيم «القاعدة» ويقولون إن الأدلة من الكثير من الهجمات الكبرى في الآونة الأخيرة توحي بأنها من تنفيذ مسلحين آخرين على صلة بجماعات سياسية تحاول زعزعة استقرار الحكومة. ويشيرون إلى سلسلة من الهجمات أسفرت عن سقوط أكثر من مائة قتيل في 23 يوليو فيما أعلن تنظيم القاعدة المسؤولية ولكن أيا من الهجمات لم يكن تفجيرا انتحاريا وهو ما يميز عمليات «القاعدة». واستخدمت في الهجمات عدة سيارات ملغومة فجرت عن بعد. وتقاتل ست جماعات مسلحة سنية على الأقل من ضمنها أعضاء سابقون في حزب البعث الذي كان يتزعمه الرئيس الأسبق صدام حسين بعد رحيل القوات الأميركية بينما تم حل معظم الميليشيات الشيعية أو ضمها لقوات الأمن الحكومية. وهذا يشكل مزيجا معقدا من الجماعات المسلحة تتصارع أحيانا وتتعاون في أحيان أخرى.