الثوار في حلب يشاركون في إدارة المخابز.. ومعارك من أجل توفير الخبز

عنصر من «الجيش الحر»: لقد حاول النظام حرمان مؤيدينا من المياه والغاز والآن الخبز.. لكننا سيطرنا على مخازن القمح في ضواحي حلب

عنصر من الجيش الحر أثناء عمليات المواجهة بينهم وبين قوات الأسد في حلب أمس (رويترز)
TT

قبل أن تشرق الشمس، تغادر مجموعة مختارة من الثوار السوريين المقاتلين الخطوط الأمامية للقتال لأداء مهمة، يرى قادتهم حاليا أنها جزء مهم وحيوي وعاجل من الحرب، وهذه المهمة هي عمل الخبز. عادة ما يتناول السكان والثوار الجائعون أرغفة الخبز اللينة التي تتخذ شكل قرص يشبه الخبز الأميركي. ويعد الخبز عنصرا أساسيا من عناصر النظام الغذائي للسوريين، حيث لا تخلو أي وجبة منه، وفي مدينة أصابها القتال المستمر منذ أسبوعين بالشلل، توضح الصفوف الواقفة من أجل الحصول على الخبز أن الهم الأساسي أصبح معركة في حد ذاتها. وقال بشار الحاج، أحد أفراد كتيبة التوحيد، وهي إحدى كتائب الثوار الأساسية في حلب: «لقد حاول النظام حرمان مؤيدينا من المياه والغاز، والآن الخبز». مع ذلك، قال إن الثوار تعلموا كيف يتصدون لمحاولات النظام حجز الخبز والموارد الأخرى بعيدا عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وقال: «لقد سيطرنا على مخازن القمح في ضواحي حلب. وبات لدينا الكثير منها في عدة مناطق، وربما تكفينا هذه الكمية لأسابيع». الصراع من أجل الحفاظ على عمل المخابز جزء لا يتجزأ من معركة أكبر تتعلق بالاقتصاد السوري خاصة في حلب، التي تعد مركز البلاد التجاري وكبرى مدنها. وبينما يحاول نظام الرئيس بشار الأسد تصدير صورة طبيعية، نافيا كافة التقارير الواردة بشأن التضخم السريع، يقول الثوار إنهم سيجدون طرقا جديدة للحصول على دعم من رجال الأعمال وعلى موارد الدولة.

قال كمال حمدان، خبير اقتصادي لبناني عمل لمدة طويلة في سوريا، إن الطرفين يبحثان عن اقتصاد يناسب وقت الحرب ليكون بديلا عن اقتصاد وقت السلام.

وأوضح قائلا: «إنهم يتوقعون حربا أهلية تستغرق وقتا طويلا، وعليك توفير سبل الحياة اليومية في المناطق التي تسيطر عليها. إن هذا جزء من اللعبة».

وهناك ميزة واضحة يتمتع بها النظام، فقد ذكر البنك المركزي بعد شهر من بداية الصراع أن احتياطي النقد الأجنبي يقدر بـ17 مليار دولار. ويبدو أن النظام حاليا يطلب من روسيا قروضا من أجل دعم الاقتصاد، بحسب ما أوضح مستشار استثمارات في العاصمة السورية دمشق. ويشكك الكثير من المحللين في عثور السوريين على طريقة لبيع النفط في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا. مع ذلك بعد 17 شهرا من الصراع، ازدادت قدرة المعارضة على الإبداع، فعلى سبيل المثال في دمشق يقول النشطاء إن هناك تجارا يتظاهرون بدعم الأسد فقط من أجل توصيل وقود الطهي والبنزين والخبز والماء الحكومي إلى الطرف الآخر. وقال معز، أحد نشطاء المعارضة في دمشق: «نطلب منهم ألا ينشقوا، وسيتم مكافأتهم لاحقا». ومثل كثيرين ممن أجري معهم مقابلات، رفض معز ذكر اسمه كاملا خوفا من التنكيل.

ويناضل الثوار من أجل عمل سلاسل من الإمدادات تحيط بالمناطق التي يسيطر عليها النظام، بمساعدة أصحاب أعمال خاصة. ورفض قادة الثوار ونشطاء من المعارضة في مقابلات ذكر أسماء مؤيديهم من الشركات أو مناقشة المساعدات التي يحصلون عليها من الدول، لكنهم يقولون إن هناك أشكالا متعددة للمساعدة الوطنية.

في بعض الحالات يتبرع التجار بالمال، وفي حالات أخرى يدعم أصحاب الأعمال أسر الثوار المقاتلين أو مؤيدي المعارضة، وأحيانا يصل عدد الأسر الذين يدعمهم فرد واحد 50 أسرة، على حد قولهم. وتجلت أشكال الكرم في حلب خلال الأسبوع الحالي في تقديم الطعام الطازج للمحتاجين. وتقول سيدة تعمل طبيبة أسنان وتدعم المعارضة إنها ساعدتهم مؤخرا في توزيع أطباق الشاورمة على 900 شخص من النازحين في خمس مدارس بالقرب من منطقة متنازع عليها في جنوب غربي حلب. وكما هو الحال في الحروب، يصبح الطعام على القدر نفسه من أهمية الرصاص. لقد استبد اليأس والإحباط بحلب، حيث نُشرت عدة مقاطع مصورة توضح أزمة الغذاء التي تعانيها المدينة حاليا، ويؤكد البعض أن المخابز هناك أصبحت مواقع للمعارضة ويقف أمامها صف طويل من السوريين يصدرون صخبا ويحاولون التسلل من الأركان، بينما يحاول الثوار المسلحون تنظيمهم ويقولون لهم إنهم يدفعون فقط ما يغطي تكلفة الخبز.

ويقول أبو محمد، خباز من الثوار في شرق حلب، إنه أحيانا تندلع مناوشات بين الناس، خاصة عندما لا تكون هناك كمية كافية من الخبز. مع ذلك، تحاول فرقته، التي تتكون من سبعة إلى تسعة ثوار يعملون في عمل الخبز وتوزيعه، إطعام الناس قدر الاستطاعة والتأكد من التعامل مع الناس بأسلوب جيد.

ويقول بشار حاج، أحد الثوار والمتحدث باسم الفرقة الأساسية من الثوار في حلب، إن كبار القادة عينوا بالفعل شخصا لإدارة كل مخابز المدينة التي يسيطر عليها الثوار وترتيب الكميات المستلمة من الحبوب ومواعيد الخبز. وهناك مخبز واحد على الأقل يديره الثوار في كل حي من الأحياء التي يسيطرون عليها على حد قوله، وعادة ما يكون هناك اثنان أو ثلاثة. ويوضح قائلا: «ما نفعله هو تشغيل مخبز بموافقة صاحبه، بينما يتولى أفرادنا عمل الخبز». هناك احتياجات أساسية أخرى أصعب من أن تتحقق، حيث يقول الثوار إنهم يوفرون المياه في بعض المناطق، ويملأون شاحنات المياه من الآبار الواقعة على أطراف المدينة، لكن لا يمكن توفير اللبن. وارتفعت أسعار الغاز بمقدار ثلاثة أمثال، حيث وصل سعر الغالون إلى 11 دولارا. كذلك ارتفع سعر الديزل ووقود الطهي ارتفاعا كبيرا، بحسب السكان والبائعين في السوق السوداء. وارتفعت أيضا أسعار الخضراوات، حيث تضاعف سعر الخيار. ويقول الحاج: «نحن نحاول ونساعد في توفير سلع أخرى، لكن ليست لدينا القدرة الكافية للقيام بذلك». وتتعثر الكثير من الأعمال في حلب، حيث قال حمدان، إن حلب تمثل عادة 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السوري، أي أقل مما تمثله دمشق بفارق بسيط، لكن التجارة في حلب هذه الأيام أصابها الكساد.

وأشار الكثير من أصحاب المصانع خلال مقابلات إلى تراجع صادراتهم إلى ما يقترب من الصفر. يمتلك أبو عبده، الذي يبلغ من العمر 60 عاما، مصنع نسيج في حلب يعمل به نحو 55 عاملا. ويقول إن عام 2011 كان أسوأ عام في حياته العملية التي بدأها منذ خمسة عقود. ويرى أن عام 2012 سيكون أسوأ على الأرجح.

وقال رجل سني ثرثار بدأ العمل في منزل والده خلال فترة مراهقته، إن آرائه في الصراع تغيرت مع تغير حظوظه، فمثله مثل كثيرين من التجار يقدم نفسه كشخص غير مهتم بالسياسة، لذا عندما بدأت الاضطرابات، بدا المستقبل كأنه يتجه إلى الوراء نحو أيام الثمانينات التي شهدت قمعا وحشيا لثورة إسلامية في سوريا من قبل حافظ الأسد، وهو ما أسفر عن مقتل الآلاف.

ويقول إنه مع مرور الوقت بدأ يتشكك في قوة النظام. وأوضح قائلا: «في فترة الثمانينات، لم تعرف أي دولة في العالم بما كان يحدث من قمع وحشي عسكري، لكن الإعلام والقنوات الفضائية اليوم تكشف وتبث صورا حية للعمليات العسكرية».

ويرى أنه نتيجة لذلك أصبح الثوار أقوى من أن يتم تصويرهم على أنهم مهزومون. وأضاف: «لقد قطع الرئيس بشار الأسد على نفسه وعودا كبيرة بأن كل شيء سينتهي في غضون أيام، ثم امتد الأمر إلى أسابيع، ثم أشهر، ومر عام ونصف ولم نر أو نسمع سوى الكلمات والتصريحات الزائفة». ويشير سكان آخرون من الطبقة العليا والمتوسطة إلى تحولات مماثلة، حيث يقول الكثيرون من سكان حلب حاليا إن أعداء الأسد سوف يزدادون كل يوم يستمر فيه القتال، وهو ما سيزيد من معدل البطالة والنزوح والجوع في مدينة تشتهر بالتجارة.

ويقول أبو فادي، صاحب شركة سياحة متعثرة يبلغ من العمر 45 عاما: «لقد كنت أدعمه لأنني كنت أتطلع إليه كزعيم معتدل علماني ليبرالي إلى أن رأيت جرائمه في درعا وحمص وحماه ودير الزور، والآن في مدينتي وبحق أقاربي». وأضاف: «إنه يشتري بجرائمه تذكرة خروج من البلاد بلا عودة».

* شارك في إعداد التقرير مراسل «نيويورك تايمز» في حلب، ودامين كيف من بيروت، لبنان، ودلال معوض وهويدا سعد وهلال دروبي من بيروت.

* خدمة «نيويورك تايمز»