الأسد يفقد السيطرة على العرين

البيت الأبيض: أيامه باتت معدودة.. ورياض الأسعد: نتحرك بحرية في دمشق

TT

في أعنف ضربة سياسية يتلقاها النظام السوري منذ بدء حركة الاحتجاجات ضده في مارس (آذار) 2011، أعلن رئيس الوزراء السوري، رياض حجاب، انشقاقه وفراره مع أسرته وآخرين إلى الأردن، بعد نحو 60 يوما فقط على رأس الحكومة، معلنا إلى الإعلام، من خلال متحدث باسمه، أنه تعرض لضغوط شديدة وتهديدات بالقتل لقبول منصب رئيس الوزراء.

واعتبر جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، في مؤتمر صحافي، أمس، أن «هذا الانشقاق دليل على أن قبضة الأسد على السلطة تتفكك. القوة الدافعة مع المعارضة ومع الشعب السوري». كما قال توني فيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، إن «المعلومات التي تفيد بأن عدة مسؤولين كبار في نظام الأسد، بينهم رئيس الحكومة، رياض حجاب، قد انشقوا، هي إشارة جديدة على أن الأسد فقد السيطرة على سوريا».

وأضاف فيتور: «من البديهي القول إن هذه الانشقاقات تطال اليوم أعلى مستويات الحكومة السورية، وتكشف أن السوريين يعتقدون أن أيام الأسد باتت معدودة»، وتابع أن «الطريقة الأسرع لوضع حد لحمام الدم ولعذابات السوريين هي في إقرار الأسد بأن السوريين لن يسمحوا له بالبقاء في السلطة».

وبينما يرى محللون أن انشقاق حجاب قد يكون له تأثير كبير على الحكومة السورية، فإن الباحث نديم شحادة، المختص بالشأن السوري في مركز «شاتام هاوس»، يرجح أن يكون التأثير معنويا بأكثر من كونه فعالا في هدم النظام.

وقال شحادة لـ«الشرق الأوسط»: «رأينا انشقاقات عدة مؤخرا، بعضها لرجال قد يكونون أكثر قربا من دائرة الحكم وأرفع من حيث المعلوماتية التي يحوزونها، كما رأينا أيضا تفجيرات تستهدف أركان النظام (في إشارة إلى تفجير خلية الأزمة)، لكن أهمية انشقاق حجاب الرئيسية تكمن في أنه حافظ كبير للغاية للمترددين عن الانشقاق»، كما يرى شحادة أن انشقاق حجاب قد يعجل من إعادة بعض الدول، مثل روسيا، لحساباتها بعد تسارع وتيرة انهيار حلقات الأسد السياسية والعسكرية.

ورغم المعلومات التي يرى البعض أن حجاب سيمررها للمعارضين، وخصوصا أنه قال إنه لا يطمع «في أي منصب، بل خدمة وطنه»، إلا أن شحادة شكك في حجم وأهمية المعلومات التي قد يكون حجاب يمتلكها، قائلا: «على الرغم من أنه رئيس وزراء، فإن نظام الأسد صار يشك في الجميع ويراقبهم.. علما بأن منصب رئيس الوزراء في سوريا هو منصب (شكلي) بالأساس، والحاكم الفعلي هو الأسد ودائرته المقربة».

ويرجح مراقبون تزايد الانشقاقات مؤخرا، وبخاصة مع الغموض الذي يلف مكان اختفاء الرئيس السوري منذ تفجير مقر مكتب الأمن القومي في دمشق في 18 يوليو (تموز) الماضي، حيث راجت شائعات على مدار الأسبوع الماضي بكونه مختبئا في اللاذقية، أو فر إلى طهران، بينما المعلومات المتوفرة كانت ما نشر في «الشرق الأوسط» منذ أيام أن الأسد يتحصن «في منطقة جبلية تقع وراء قصر الشعب، وبالتحديد في استراحة من 6 طوابق تحت الأرض تعود بالأساس إلى شقيقه ماهر الأسد وزوجته».

ولكن أغلب المحللين لا يعرفون تحديدا أين يمكن أن يكون الأسد مختفيا، ويقول شحادة إن هناك نظريات كثيرة حول مكان الأسد، «فالنظام السوري - وهو ربيب المدرسة الروسية - قائم على الغموض.. لكن هذا الاختفاء بالفعل يزيد من وتيرة الانشقاقات، فالجميع يشعرون أن الأمور تتسرب من يد النظام».

واعتبر وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أمس، أن انشقاق حجاب يكشف «هشاشة نظام اختار العنف المسلح بشكل أفقده غالبية داعميه»، وتابع في بيان أن «فرنسا مقتنعة بأن نظام بشار الأسد إلى زوال. وأن تكرار الانشقاقات لمسؤولين سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين رفيعي المستوى يكشف هشاشة المجموعة الحاكمة»، مؤكدا: «علينا أن نواصل ممارسة ضغط شديد لكي يخلي هذا النظام المجرم مكانه ليفسح المجال أمام قيام سوريا ديمقراطية متعددة».

وفي خضم التعليقات الكثيرة على انشقاق حجاب، قال العقيد رياض الأسعد، قائد «الجيش السوري الحر»، أمس، إن «(الجيش الحر) يتحرك في دمشق بسهولة»، و«قمنا بنقل عدد من الشخصيات التي تنوي الانشقاق»، وهو ما يناقض ما كرره النظام طوال الأسبوع الماضي من سيطرته التامة على العاصمة، بالإضافة إلى الانفجار الغامض لمبنى الإذاعة والتلفزيون، الذي لم تعترف بالمسؤولية عنه أي جهة؛ لكنه يشير بوضوح إلى تراخي قبضة الأسد على العاصمة.

وأكد محمد عطري، المتحدث باسم حجاب، أمس، أن هروبه إلى الأردن تم بالتنسيق مع «الجيش الحر»، لكن عددا من المراقبين والخبراء السياسيين يرون أن هناك تنسيقا حتميا بين المنشقين وجهات أخرى، ويرجحون أن تكون جهات مخابراتية تقوم بالتنسيق العام مع «الجيش الحر» في الداخل والأردن أو تركيا (أبرز جبهات لجوء المنشقين الأولية، قبل التوجه إلى أماكن أخرى)، لكن شحادة يشير إلى أن «التنسيق الخارجي لا يعني عدم وجود قوة حقيقية لدور داخلي؛ قد يقوم به (الجيش الحر) وربما آخرون، حيث إن المعارضة السورية أثبتت - في أكثر من مناسبة - أنها قد اخترقت دوائر في غاية القرب من الحكم».