النظام يشن أعنف هجوم على حلب بالطائرات الحربية ودبابات «تي 82».. وهجوم مضاد للثوار

الجيش الحر يحمل العالم مسؤولية التخلي عن الثورة.. و«العفو الدولية» تنشر صورا للقصف

صورة مأخوذة من تسجيل على موقع الـ «يوتيوب» تظهر سيارات وناقلة دبابة محترقة نتيجة معارك ضارية شمال حلب أمس
TT

بدأ عمليا الجيش السوري، أمس (الأربعاء)، حملة عسكرية هي الأعنف له على مدينة حلب، وبالتحديد على حي صلاح الدين، في محاولة لاقتحامه. وبينما أكد الإعلام الرسمي السوري، وفي ساعات ما بعد الظهر، أنه سيطر على الحي ويسعى «لتطهيره» بالكامل، نفى الجيش السوري الحر هذا الكلام، مؤكدا أن معارك شرسة تدور بين الثوار وعناصر الجيش النظامي، الذين لم يتمكنوا من السيطرة على الحي. بينما نشرت منظمة العفو الدولية صورا بالأقمار الصناعية توضح نطاق القصف المدفعي على المدينة.

وأكد نائب قائد الجيش الحر العقيد مالك الكردي أن المعارك تدور على مداخل الحي، بعدما تقدم الجيش النظامي فقط نحو 50 مترا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عند ذلك، تصدت كتائب الجيش الحر وبشراسة لمحاولة الاقتحام، مانعة إياه من التقدم». وأوضح الكردي أن «بعض مجموعات الجيش الحر انسحبت نتيجة القتال الضاري الحاصل إلى مواقع دفاعية للتصدي لعناصر المشاة». وأضاف: «النظام يستخدم الطائرات الحربية ودبابات الـ(تي 82)، التي لم تكن متوفرة بأعداد كبيرة على صعيد سوريا، لكن روسيا ومنذ 3 أيام أرسلت إلى مرفأ اللاذقية عددا منها اتجه مباشرة إلى مدينة حلب».

وحمل الكردي «العالم بأسره مسؤولية التخلي عن الثورة»، مؤكدا أنه لو كان يتم إمداد الثوار بالأسلحة النوعية لكانت المعادلة على الأرض تغيرت كليا.

وبالتزامن، وصف العقيد عبد الجبار العكيدي، رئيس المجلس الثوري في حلب الوضع في حلب بـ«الصعب للغاية»، نتيجة القصف «الهمجي والعنيف»، مشيرا في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن «النظام السوري لا يستثني وسيلة إلا ويضرب بها الثوار في حلب، فهو - وبعد القصف العنيف الذي نفذته الطائرات الحربية - يتمادى في دك الأحياء بقذائف الدبابات».

من جهتها، نشرت منظمة العفو الدولية صورا بالأقمار الصناعية توضح نطاق القصف المدفعي على حلب، وقالت إن «كلا الجانبين المتحاربين - في أكثر المدن السورية كثافة سكانية - قد يتحمل المسؤولية الجنائية عن فشله في حماية المدنيين».

وأضافت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان، التي تتخذ من لندن مقرا لها، أن الصور التي تم الحصول عليها من أقمار صناعية تجارية في الفترة من 23 يوليو (تموز) حتى 1 أغسطس (آب) أظهرت أكثر من 600 حفرة نجمت على الأرجح عن قصف مدفعي في المناطق المحيطة بحلب. وقالت: «تشعر (العفو الدولية) بالقلق من أن يؤدي نشر أسلحة ثقيلة في مناطق سكنية في حلب وحولها إلى انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان وخروقات خطيرة للقانون الدولي»، وأضافت أن «تحويل أكثر مدن سوريا سكانا إلى ميدان للمعركة سيكون له عواقب مدمرة على المدنيين.. الفظائع في سوريا تتزايد بالفعل».

وقال سكوت إدواردز، المشرف على برنامج تكنولوجيا الأقمار الصناعية لدى المنظمة، إن المدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات داخل المدينة لم تتأثر على ما يبدو بالقصف إلى الآن، ولكن هناك حشدا كبيرا للقوات الموالية للأسد. وأضاف أن «الصور أظهرت أن 58 دبابة على الأقل نشرت في المنطقة، وكذلك 45 حاملة جند مدرعة وعربات مشاة أخرى وكثير من وحدات المدفعية». كما قال لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «من الواضح جدا أن الأسلحة هناك لإلحاق ضرر كبير بالمدينة السورية الأكثر سكانا».

وطالب كريستوف كوتل، مسؤول عمليات الطوارئ لدى مكتب المنظمة في الولايات المتحدة، في بيان «الجيش السوري ومقاتلي المعارضة بالالتزام بالقوانين الدولية، التي تحظر اللجوء إلى ممارسات وأسلحة لا تميز بين أهداف عسكرية ومدنية».

ومن حي صلاح الدين، تحدث محمد الحلبي، الناطق باسم اتحاد تنسيقيات الثورة، لـ«الشرق الأوسط» عن «وضع مأساوي يعيشه ما تبقى من سكان في المنطقة، التي غادرها 95 في المائة من أهلها»، لافتا إلى أن «النظام لا يوفر أيا من أحياء مدينة حلب من القصف، الذي تخطى بالأمس معدل 3 قذائف كل دقيقة»، وقال: «الطيران الحربي يقصف حلب بشكل واسع، فيما يقوم الطيران المروحي بتمشيط المناطق منعا لامتداد الجيش الحر، يتبعه قصف عنيف بالدبابات».

وأكد الحلبي أن «الجيش الحر لا يزال مسيطرا على 60 في المائة من أحياء مدينة حلب»، واعتبر أنه «إذا تمكنت قوات النظام من اقتحام حي صلاح الدين، فذلك سيشكل لها بوابة لباقي الأحياء لتدخل بعدها في حرب عصابات لن تنتهي خلال أيام». وأضاف: «قوات النظام لم تعد موجودة في حلب إلا في بعض الأحياء الراقية وحول المراكز الأمنية، فيما يسيطر الجيش الحر على ما تبقى من أحياء ومناطق».

بدوره، أفاد قائد كتيبة «نور الحق» في الجيش السوري الحر، النقيب واصل أيوب، بأن «القوات النظامية اقتحمت حي صلاح الدين من جهة شارع الملعب في غرب المدينة بالدبابات والمدرعات، وهناك معارك عنيفة تدور في المنطقة»، مؤكدا أن الجيش الحر «لم ينسحب من حي صلاح الدين»، وموضحا أن الجيش النظامي «موجود في مساحة تقل عن 15 في المائة من الحي».

ولاحقا، أوضح أيوب لوكالة الصحافة الفرنسية أن الجيش الحر شن هجوما مضادا «استعاد فيه ثلاثة شوارع من أصل خمسة سيطرت عليها القوات النظامية»، موضحا أن الهجوم المضاد «أتى بعد وصول تعزيزات قوامها نحو 700 مقاتل من أحياء السكري وبستان القصر والشعار وهنانو»، التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون شرق وجنوب حلب.

وأضاف أن الجيش النظامي «يسيطر الآن فقط على دوار صلاح الدين وشارعين محاذيين، لكنهما ليسا رئيسيين»، لافتا إلى أن «الجيش الحر يقوم بعملية التفافية حول دوار صلاح الدين تمهيدا لتنظيفه» من الجيش النظامي. وقال إن الدليل على تراجع جيش النظام هو «القصف المدفعي من قبل قوات النظام، الذي بدأ يستهدف الحي»، مضيفا أن «ثلاث مروحيات بالإضافة إلى طائرة نفاثة تشارك في عمليات القصف».

من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الاشتباكات التي تدور «في محيط صلاح الدين وداخل بعض الشوارع هي الأعنف» في حلب، لافتا إلى أن أحياء هنانو وطريق الباب والشعار في المدينة تتعرض بالتزامن مع اقتحام صلاح الدين إلى «القصف من قبل القوات النظامية»، مضيفا أن اشتباكات عنيفة دارت كذلك في حيي ميسلون والصاخور بمدينة حلب.

ويترافق هجوم قوات الأمن السورية مع أنباء عن أن الذخيرة في أيدي مقاتلي المعارضة أوشكت على النفاد. وفي هذا الإطار، قال أبو جميل، وهو من مقاتلي الجيش الحر المدافعين عن مدينة حلب: «ليس لدينا ذخيرة كافية نرسلها إلى خط الجبهة».

كما قال زميله أبو علي، وهو قائد ميداني، إن الاتصالات السيئة والقصف الشديد زادا من صعوبة إرسال تعزيزات إلى جبهة القتال، مضيفا أن «دبابات الأسد تتقدم وتقصف مواقع المعارضين ثم تتراجع».