إيران تقر بوجود عسكريين «متقاعدين» من الحرس الثوري والجيش بين المختطفين الـ 48 في سوريا

غليون لـ «الشرق الأوسط»: تصريح صالحي إدانة حقيقية لطهران ويؤكد موقفها المعادي للشعب السوري

TT

أكد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، أمس، وجود عسكريين «متقاعدين» من الجيش والحرس الثوري الإيراني بين «الزوار» الإيرانيين الـ48 الذين زاروا دمشق والذين تبنت كتيبة البراء التابعة لـ«الجيش السوري الحر» اختطافهم يوم السبت الماضي، وأعلنت منذ يومين أن 3 منهم قتلوا في قصف للقوات النظامية على أحد أحياء دمشق. ونقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية عن صالحي قوله على متن الطائرة بعد مغادرته أنقرة، إن «عددا من هؤلاء الأشخاص (المخطوفين) متقاعدون من الحرس الثوري والجيش، وكذلك من إدارات أخرى». وأشار إلى أنه «لحسن الحظ نرى في التسجيل أن الأشخاص من الزوار، ولم يكن لديهم سوى ملابس وأغراض شخصية وبطاقات هوية»، موضحا أنه «عندما عاد الهدوء إلى دمشق، بدأنا بإرسال زوار إلى سوريا خصوصا من المتقاعدين من الحرس الثوري أو من إدارات أخرى».

ووجه صالحي، الذي طلب مساعدة السلطات التركية في المسألة، رسالة إلى مقاتلي المعارضة في سوريا، قال فيها: «نحن في شهر رمضان، والخاطفون والمخطوفون من المسلمين، لذلك نوجه إليهم رسالة عبر وسائل الإعلام بأن يتعاملوا تعامل الأخوة في الإسلام ويفرجوا عن مواطنينا». ولاقت مواقف صالحي تنديدا واسعا من قبل المعارضة السورية، التي رأت فيها تأكيدا لاتهاماتها إيران بالتورط في دعم النظام السوري من خلال دعمه عسكريا ولوجيستيا لقمع الثورة السورية.

وفي سياق متصل، رأى رئيس المجلس الوطني السوري السابق ورئيس المكتب السياسي فيه، الدكتور برهان غليون، لـ«الشرق الأوسط»، أن مواقف صالحي «تؤكد أن وجود الإيرانيين في سوريا ليس بريئا». وقال: «ليس من قبيل الصدفة بينما سوريا تغلي بالأحداث ويخوض شعبها كفاحا مريرا، أن يوجد متقاعدون إيرانيون عسكريون في دمشق تحت عنوان (زيارة حج)»، معربا عن اعتقاده بأن «الزيارة ليست بريئة، وأغلب الظن أنهم كانوا في إطار تنفيذ مهمة، وما يؤكد ذلك هو أن الحكومة والمسؤولين الإيرانيين لم يخفوا يوما دعمهم للأسد ونظامه وتكرار التأكيد أن سوريا هي ضلع أساسي في محور المقاومة والممانعة، ولن يسقط نظامها».

وشدد غليون على أن تصريح صالحي «يشكل إدانة حقيقية للموقف الإيراني، ويؤكد استمرار موقفها المعادي لحقوق الشعب السوري وتمسكها بنظام مهمته القتل والتدمير لا المقاومة والممانعة كما يدعون»، معتبرا أن «الحديث عن ممانعة النظام السوري ليس إلا نوعا من الاستفزاز للرأي العام العربي والعالمي، ذلك أنه لم يطلق الرصاص منذ 30 عاما إلا ضد شعبه».

وتأتي زيارة صالحي إلى تركيا بعد يوم على طلبه من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مساعدته في جهود للإفراج عن عشرات الزوار وعمال الإغاثة الإيرانيين الذين تم احتجازهم في الآونة الأخيرة في سوريا وليبيا. وكتب في رسالته إلى بان: «أود أن أطلب تعاونكم ومساعيكم الحميدة يا صاحب الفخامة لتأمين الإفراج عن هؤلاء الرهائن»، مضيفا: «سيكون التعاون الكريم من هيئات الأمم المتحدة المعنية استجابة لهذا الطلب من حكومة (إيران) وأسر الرهائن موضع تقدير كبير».

وشدد غليون على أنه «إذا كان الإيرانيون حريصين على أن يستعيدوا الأسرى فليغيروا مواقفهم وتصريحات مسؤوليهم ويوضحوا مهمتهم»، مضيفا: «إننا لن نسمح بتحريرهم قبل التحقيق معهم فربما هم مسؤولون عن عمليات عدائية ضد الشعب السوري».

وبينما تتمسك طهران بقولها إن المخطوفين كانوا في طريقهم إلى مزار ديني، نافية تكهنات بأنهم عسكريون يساعدون نظام الأسد في إخماد الانتفاضة، نقلت وكالات الأنباء عن متحدث باسم المعارضة السورية قوله إن 3 إيرانيين قتلوا في قصف جوي نظامي، وإن مصير الباقين الإعدام إذا لم يتوقف القصف.

وفي هذا السياق، أكد عضو القيادة العامة العسكرية المشتركة للثورة السورية، العميد المنشق فايز عمرو، لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام السوري يحاول جاهدا إخراج المخطوفين الإيرانيين وتحريرهم حتى لو ضحى بفرقة عسكرية سورية بالكامل ولو استخدم أنواع الغازات السامة كافة». وقال: «سيقاتل النظام لإخراجهم حتى ولو كانوا جثثا هامدة، وكذلك إيران، نظرا للإهانة المعنوية الكبيرة التي يمثلها أسر الإيرانيين للأسد أمام إيران ولإيران أمام شعبها». وكانت صحيفة «طهران تايمز» ذكرت أن مسؤولا إيرانيا رفيع المستوى أبلغ دبلوماسيا سويسريا يوم الاثنين الماضي بأن الحكومة الأميركية مسؤولة عن حماية حياة الإيرانيين المخطوفين بالنظر إلى مساندة الولايات المتحدة للمعارضة السورية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، باتريك فنتريل، إن إيران استدعت الدبلوماسي السويسري، لكنه استدرك بقوله إن الولايات المتحدة لم تتلق أي مراسلات رسمية من إيران في هذا الأمر، ورفض تقديم تفاصيل أخرى. وكرر أيضا اتهامات الولايات المتحدة أن إيران تساعد الأسد على سحق المعارضة. وقال: «في رأيي ليس معقولا أن تتجاهل الحكومة الإيرانية مذابح المدنيين في حلب وشتى أنحاء سوريا، وتبحث بدلا من ذلك عن طرق جديدة لمحاولة دعم نظام يقتل آلافا كثيرة من مواطنيه». وطبقا لما أعلنه عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عماد يوخنا، عن أن «رئيس مجلس الأمن الوطني الإيراني، سعيد جليلي، يسعى من خلال جولته الحالية في المنطقة إلى بحث تداعيات الأزمة السورية على الأوضاع في المنطقة، لا سيما مع الدول التي تعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة مثل العراق ولبنان».

وقال يوخنا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «جليلي يعمل على إدراج دول أخرى في المنطقة، كتركيا مثلا، على قائمة الدول التي تسعى للبحث عن حل سلمي للأزمة السورية التي أخذت خلال الفترة الأخيرة أبعادا خطيرة لا يمكن التكهن بنتائجها حتى على المدى المنظور». وكان رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، أبلغ جليلي خلال لقائه به، أمس، الأربعاء، أن «موقف العراق داعم لأي جهد يحقق للشعب السوري أهدافه بشكل سلمي وعبر الحوار والتفاهم، وتجنيب سوريا وشعبها المزيد من المآسي بما يساعد على حفظ أمن واستقرار المنطقة». أما وزير الخارجية، هوشيار زيباري، فقد أكد وطبقا لبيان أصدرته وزارة الخارجية أنه – زيباري - تداول مع المسؤول الإيراني «موضوع تداول السلطة في سوريا، لا سيما أن الجميع يتحدثون في الشأن السوري»، مشيرا إلى أن «الخطورة السورية على العراق كبيرة، ونحن أسهمنا في تأمين الحدود مع سوريا، ونسعى إلى منع تسلل الإرهابيين للعراق».

على الصعيد ذاته شدد رئيس الوزراء، نوري المالكي، على ضرورة التنسيق بين جميع الوزارات في ما يتعلق بالسياسة الخارجية وتوحيد خطاب الدولة الخارجي وعدم السماح بحصول أي نوع من الخلل في هذا المجال، لأنه ينعكس سلبا على هيبة الدولة وأدائها، مشيرا إلى أن «تنفيذ السياسة الخارجية التي يتم رسمها والاتفاق عليها سيكون من مسؤولية وزارة الخارجية طبقا للدستور والقوانين الخاصة بهذا الشأن».

ولم تحل الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، إلى أنقرة مساء أول من أمس، دون استمرار الحملة التركية الرسمية والإعلامية على طهران، فأنقرة تتصرف وكأن صبرها بدأ ينفد إزاء طهران، الصديق اللدود، الذي لا تنوي مخاصمته، ولا تستطيع مصادقته.

فينما كان صالحي يحل ضيفا على نظيره التركي، أحمد داود أوغلو، كان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، يواصل حملته على السياسة الإيرانية. ولفت أردوغان في كلمته التي ألقاها في الإفطار الجماعي الذي نظمه حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة، إلى التصريحات التي أطلقها رئيس الأركان الإيراني، فيروز آبادي، على الموقع الرسمي للحرس الثوري الإيراني، محملا السعودية وقطر وتركيا مسؤولية إراقة الدماء في سوريا، وأشار إلى أن «هذه تصريحات محزنة وتدعو إلى التفكير، لأن تركيا كانت هي الدولة الوحيدة التي تقف إلى جانب إيران في الوقت الذي كانت فيه بمفردها ولم يقف بجانبها أحد على الإطلاق»، مذكرا بأن «تركيا هي التي دافعت عن إيران في مسألة برنامجها النووي حتى النهاية».

وفي الإطار نفسه قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، قبيل مغادرته أنقرة، أمس، إلى ميانمار برفقة زوجة أردوغان، إن بلاده «حذرت إيران على نحو صريح وودي من إلقاء المسؤولية على أنقرة في أعمال العنف في سوريا». إلى ذلك تستضيف العاصمة الإيرانية طهران اليوم اجتماعا تشاوريا حول سوريا، يضم مجموعة من «الدول الرافضة للتدخل الدولي في سوريا»، من دون أن يتحدد حتى مساء أمس هوية الدول المشاركة، بينما أعلن الموفد السابق للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان عدم إرسال ممثل عنه وأعلن لبنان مقاطعته التزاما بسياسة «النأي بالنفس» التي تتبعها الحكومة اللبنانية في مقاربة الملف السوري.

ومن جهته انتقد عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري كمال اللبواني لـ«الشرق الأوسط» دعوة إيران لعقد مثل هذا الاجتماع، مشددا على أنه «لا يمكن للرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن يكون وسيطا في سوريا لأنه مسؤول عن الدم السوري». وقال اللبواني: «إذا كانت إيران تريد إنهاء العنف في سوريا فلتأخذ الأسد إليها»، موضحا أننا «لسنا ضد الشعب الإيراني الذي يعاني كما نحن نعاني، لكنه لا يمكننا الحوار مع قتلة».