مصريون يتجنبون «السياسة» خوفا من هجوم «الإخوان» عليهم

بعدما تحولت انتقاداتهم لقرارات مرسي إلى حرب مع مؤيديه

TT

بوجه مكفهر تكاثرت عليه الهموم ربما، وقف جمال عبد العال مبتعدا عن ركاب إحدى عربات قطار أنفاق القاهرة، الذي انقطعت عنه الكهرباء فتوقف بركابه داخل أحد الأنفاق وسط ظلام دامس وحرارة عالية بعد أن توقفت مبردات الهواء عن العمل. عبد العال (51 عاما) ويعمل بإحدى الشركات الخاصة الكائنة وسط القاهرة، رفض مشاركة ركاب المترو المتوقف الحديث الذي انفجر عقب انقطاع الكهرباء ملامسا خطوط السياسة والاقتصاد في البلاد منتقدا جماعات وأحزابا وصولا لرأس الدولة وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وقال معترضا: «أنا اعتزلت الحديث في السياسة».. عندما بادره أحد الركاب بالسؤال حول المتسبب فيما يحدث من أزمات متكررة يعانيها المواطنون في مصر.

وطوال ما يزيد على العام ونصف العام انخرط المصريون، خاصة الطبقات الدنيا والمتوسطة التي كانت أكثر تأثرا بظروف البلاد السياسية والاقتصادية، في مجادلات ساخنة عقب أحداث عدة مرت بها البلاد؛ من مظاهرات حاشدة واشتباكات بين مسيحيين ومسلمين مرورا باشتباكات بين قوات الجيش ومدنيين، وصولا إلى أزمات متكررة للكهرباء والماء عقب انتخاب الدكتور مرسي رئيسا جديدا للبلاد.

ويقول عبد العال معلقا على استشهاد جنود على الحدود بين مصر وإسرائيل: «منذ انتخاب مرسي وأصبح الحديث في السياسة (شبه محرم)، فما إن تنتقد الرئيس أو أي شيء على الفور يهاجمك (الإخوان) والسلفيون كأنك تهاجمهم.. هو رئيس الدولة ومسؤول عما يحدث.. لا أستطيع الحديث بعد الآن، كنت سأفقد عملي بسبب خلافي مع مديري حول مسؤولية مرسي في موت أبنائنا على الحدود، وعندما قلت له: إن مرسي المسؤول الأول عن مقتل أبنائنا اشتد الخلاف وكدت أفقد وظيفتي». وبينما صمت عبد العال، استمر ضجيج الركاب يملأ زحام المكان بين الحديث عن أزمة الكهرباء المستمرة وأزمات المياه والاعتصامات، وصولا لجدل مستعر لم يقطعه إلا تحرك القطار بعد عودة الكهرباء، حول ما حققه مرسي من وعوده حتى الآن.

وتقول أماني سيد: «كدت أنفصل عن زوجي بسبب الآراء السياسية». وتابعت المرأة الثلاثينية: «كنا نتحدث عن الحكومة الجديدة التي عينها مرسي برئاسة الدكتور هشام قنديل، وعندما انتقدت قرار مرسي انفجر زوجي في وكاد الخلاف بيننا يصل إلى حد بعيد.. فقررت منذ ذلك الحين ترك الحديث في السياسية خاصة أمام زوجي؛ فالأمور لم تعد تتعلق بالسياسة بقدر ما تتعلق بالتيار الذي يدافع عنه ويؤمن بأهدافه».

وأجبرت موجات «الانفتاح» الديمقراطي، كما يرى مراقبون، أغلب المصريين على الدخول في حلقات متصلة من النقاش المستعر الذي يصل إلى درجة الجدل السياسي الذي يتفجر من حين لآخر، مستغلا حالة المرونة التي يعيشها الشارع المصري بعد الإطاحة بنظام مبارك وكسر حاجز الخوف، ورغبة المواطنين المتزايدة في مناقشة أحوال البلاد، التي بدا أنها تخفت ربما مع المعارضة القوية التي يواجهها منتقدو قرارات مرسي. وفي شارع طلعت حرب الشهير وسط العاصمة المصرية، وقف محمد نبيل (23 عاما) قبيل منتصف الليل، مستقبلا الدكتور محمد البلتاجي، القيادي الإخواني، بهتافات: «يسقط يسقط حكم المرشد»، البلتاجي الذي خرج من مبنى أثري بميدان طلعت حرب ويوجد به مقر حزب الغد الجديد، اكتفى بالابتسام لمنتقده قبل أن يركب سيارته مغادرا المكان، وقال نبيل: «(الإخوان) كانوا يقفون معنا في أيام الثورة وخلال الفترة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري، وكانوا يستمعون إلينا، لكن الآن يرفضون حتى الإنصات لنا، بل يعتبرون أي انتقاد للدكتور مرسي محاولة لإسقاطه.. نحن ننتقد من أجل صالح البلاد وسنقف بكل حزم لمنع صنع ديكتاتور جديد».

وعقب كل حادثة أو قرار لمرسي تنقسم مواقع التواصل الاجتماعي إلى شطرين يؤيد أحدهم القرار فيما يعارضه الآخر في سجال يظهر تناقض الكثيرين وتراجع آخرين عن مواقفهم السابقة، مما دعا كثيرين للانزواء موافقين على رأي عبد العال في اعتزال السياسة تغليبا للصالح الخاص، معرضين مسار المشاركة الذي ازدهر ربما بانخراط المواطنين في أمور بلادهم بعد الثورة، ليعود إلى السلبية السياسية التي عاناها المصريون كثيرا خوفا على مصالحهم الخاصة إذا ما تطرقوا للأمور العامة.