الأولمبياد ربما يساعد عمدة لندن على الفوز بذهبية على المستوى السياسي

سلوكيات جونسون الغريبة تتناقض بشكل حاد مع طموحه السياسي الجاد

عمدة لندن خلال حضوره احدى فعاليات اولمبياد لندن (واشنطن بوست)
TT

انظر إلى عنان السماء! إنه طائر، إنها طائرة، لا، بل هو بوريس جونسون، عاجز عن الانزلاق بالحبل في وثبة واحدة.

ربما تكون يي شيوين، 16 عاما، قد أبهرت العالم بالرقم القياسي الذي حققته في السباحة في سباق الـ400 متر. لكن لحظة عمدة لندن على موقع «يوتيوب»، ظهوره معلقا في الهواء لدى محاولته القفز منزلقا بالحبل من فوق المحتفلين في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، لينتهي به الحال إلى دعوته أن يجلب له شخص ما سلما، أبرزت أحد أكثر الإنجازات المدهشة لدورة الألعاب الأولمبية في لندن: إن بوزا (مثلما يعرف هنا) قد حقق شهرة عالمية.

على حين غرة، لم تعد المجموعة الخاصة من السياسات الهزلية للعمدة سرا يخفى على أحد في لندن. فقد باتت السلوكيات الغريبة المثيرة للسخرية لجونسون مصدرا كوميديا للتخفيف من حدة متاعب التغطية الأميركية لفعاليات دورة الألعاب الأولمبية على محطة «إن بي سي».

وجهت الصحافة الروسية أنظارها إليه، حينما تحدى الرئيس فلاديمير بوتين أن يكشف عن جسده «حتى الخصر» للمشاركة في مباراة جودو.

أعلنت محطة «فرانس 24» عن أن سلوكياته المتهورة تغطي على «لحظة الإهانة» التي تعرض لها في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية. إن جونسون لم يصبح بدرجة كبيرة النجم الساطع في هذه الدورة بقدر ما أصبح مهرجا في بلاطها.

غير أن مراقبين يشيرون إلى أن سلوكياته الغريبة تتناقض بشكل حاد مع طموحه السياسي الجاد. يصف مطلعون على بواطن الأمور السياسية جونسون بالمهرج الذي سيتولى منصب رئيس الوزراء، وأسد حزب المحافظين الذي ارتقى بروح الدعابة في بريطانيا ليصبح ثاني أكثر الرجال نفوذا في الدولة بعد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، العضو أيضا في الحزب المحافظ.

ثمة محاولات للتخمين بين السواد الأعظم في بريطانيا بشأن ما إذا كان جونسون سيقدم عرضه الخاص للفوز بالميدالية الذهبية السياسية في 10 داونينغ ستريت. لقد شهد تحوله الكوميدي في دورة الألعاب الأولمبية ارتفاع نسبة شعبيته في بعض استطلاعات الرأي، مع إيجاد عمدة أكبر مدن غرب أوروبا مقارنات مطمئنة على مدار الأسبوع الماضي، ليس فقط بجون كليز وروان أتكينسون، بل أيضا بونستون تشرشل ورونالد ريغان. وعلى نحو يثير التكهنات، يعد جونسون سلسلة زيارات خارجية بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية والتي ينظر إليها البعض هنا بوصفها محاولة لإظهار نفسه بمظهر رجل دولة عالمي.

على الملأ، ينكر جونسون أن لديه طموحات لأن يصبح رئيس وزراء، وهي وظيفة ربما يبدو من الصعب من الناحية الفنية بالنسبة له بموجب القانون البريطاني أن يفوز بها، بينما يستمر في شغل وظيفة عمدة. وقد قلل من أهمية السؤال بإجابات مراوغة غامضة، وإن كانت ممتعة، كالإجابة التي قدمها مؤخرا لديفيد ليترمان، عندما سأله عما إذا كانت لديه رغبة في أن يصبح القائد التالي لبريطانيا: «لدي القدر نفسه من الفرص كالذي لدي لأن أتجسد ثانية في صورة غصن زيتون». (رد ليترمان: «هل تعتقد أن الشعر يمنعك؟»).

غير أن مراقبي حزب المحافظين قد زاد اعتقادهم بأن جونسون يبالغ في المعارضة. وهم يرون أن العمدة البالغ من العمر 48 عاما سوف يظهر نقاط ضعف كاميرون قبيل انتخابات عام 2015 وربما ينسق عرضا للإطاحة به إذا ما رأى أن فرصه لتحقيق النجاح كبيرة بالدرجة الكافية. ويقول محللون إنه إذا ما فعل ذلك، فربما ينظر المؤرخون مجددا إلى دورة الألعاب الأولمبية في لندن بوصفها نقطة التحول بالنسبة لبوزا.

«ربما يكون حزب توري قاسيا»، قال تيم مونتغومري، الخبير البريطاني الشهير، مستخدما اللقب الذي يشتهر به حزب المحافظين في بريطانيا. وأضاف: «لقد تخلصوا من مارغريت ثاتشر، ومن المؤكد أنهم سيتخلصون من كاميرون إذا بدا أن ذلك يتماشى مع أهدافهم. يعتقد أن بوريس لديه حياة خاصة محل شك، لكن في الأوقات العصيبة، كالتي نحن فيها الآن، تحتاج في بعض الأحيان إلى شخصيات مؤثرة. أعتقد أن بريطانيا ربما تحتاج لإحدى هذه الشخصيات الآن».

كي نكون متأكدين، فقد لعب جونسون، الذي ولد في نيويورك لأبوين بثا في نفسه الشجاعة عبر الأطلسي في فترة طفولته، الورق لفترة طويلة في أمة عادة ما ينظر فيها إلى حس الدعابة الماكر بوصفه جزءا من السمات الثقافية للشخص. لكن حتى أتباعه المقربون يقولون: إنه قد تفوق على نفسه أثناء دورة الألعاب الأولمبية، مما أدى لتدني مكانة رومني، مع تمتع بريطانيا بلحظتها العظيمة.

كان جونسون يعد لدورة الألعاب الأولمبية حتى قبل بدئها، مستغلا إشارة غير ملائمة من جانب ميت رومني في زيارة له قبيل مراسم افتتاح دورة الألعاب إلى أن بريطانيا تفتقر للروح والاستعداد اللازمين لإقامة دورة الألعاب. قبل أن يحتشد الآلاف في هايد بارك بلندن، هاجم جونسون بلا رحمة المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة، وهو زميله في حزب المحافظين.

وقد تجلى حس السخرية اللاذع لديه بقوله إنه «انتحب» في مراسم افتتاح بطولة الألعاب الأولمبية «مثل أندي موراي»، الأسكوتلندي الذي عانى من انهيار عصبي حاد الشهر الماضي بعد خسارته في النهائيات في ويمبلدون. ومتباهيا بفرص الرياضيين البريطانيين في دورة الألعاب الأولمبية، توقع جونسون أنه «سيكون هناك كم من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية تفوق قيمتها ما قد نحتاجه لإنقاذ اليونان وإسبانيا معا».

ومتعجبا من قدرة منافسه المحتمل الخارقة على استغلال حتى أكثر الحوادث المؤسفة إثارة للسخرية، تحدث كاميرون الأسبوع الماضي بسخرية قائلا: «إذا علق أي سياسي آخر في محاولة للانزلاق بالحبل، سيكون الأمر كارثيا كما تعلم. لكن بالنسبة لبوريس، يعتبر هذا نصرا عظيما. إنه يتحدى كل أشكال الجاذبية».

ليس ثمة أدنى شك في أن بريطانيا، أرض مونتي بيثون و«أبسولوتلي فابولوس» و«ليتل بريتن»، محبة للفكاهة. غير أنه حتى هنا ثمة بعض الشكوك حول ما إذا كانت هذه الدولة، إذا ما تدهور الوضع فيها إلى أقصى درجة، ستضع هذا الرجل المرح في 10 داونينغ ستريت.

رغم فصله من وظيفته الأولى كصحافي في «تايمز أوف لندن» بسبب فبركته اقتباسا، فإن جونسون قد ترقى في المناصب ليشغل منصب رئيس تحرير مجلة «ذي سبيكتاتور» الناطقة باسم حزب المحافظين قبل فوزه بمقعد في البرلمان. وأصبحت علاقاته خارج إطار الزوجية متداولة في دراما لندنية تحمل اسم «هو إذ ذي دادي» وقد تسبب كذبه المزعوم في هذا الشأن في خسارته وظيفته ككبير مسؤولي حزب المحافظين في مجال الفنون في عام 2004.

يعاني جونسون من انعدام اللباقة بشكل دائم، لكن غرابة أطواره ربما تجعل منه رجل دولة جذابا إلى أقصى حد. وشبه في إحدى المرات اتجاه حزب المحافظين لتدمير قادته بـ«الطقوس الوحشية في بابوا نيو غينيا»، كما انتقد مدينة ليفربول بأكملها بسبب انغماسها في «وضع الضحية» بعد اختطاف وقتل مهندس من ميرسيسايد في العراق.

ومن بين الموالين لحزب المحافظين، ينظر إلى جونسون – الصديق الجريء للمصرفيين والأثرياء في فترة لا ينظر فيها لأي منهما كرابحين في مجال السياسة – بوصفه أكثر تجسيدا لجذور الحزب منه لكاميرون المعتدل. في عام 2001، وقبل أن ينتصر على «ريد كين» ليفينغستون ويشغل منصب عمدة لندن في عام 2008، شكك جونسون في زواج المثليين بسؤاله الساخر عما إذا يمكن قبول علاقة زواج بين «ثلاثة رجال وكلب». ومع تبني كاميرون قضية زواج المثليين، فقد بدا أيضا أن جونسون قد غير موقفه تماما. على سبيل المثال، في هذا العام، منع جونسون إطلاق حملة إعلانية مناهضة للمثليين تنظمها جماعة مسيحية عبر أنحاء لندن قبل أسابيع من إعادة انتخابه بشكل ناجح في مايو (أيار).

بموجب القانون البريطاني، يجب أن يفوز جونسون بمقعد في البرلمان أولا قبل تحدي كاميرون كقائد حزبي، ومن ثم تمهيد الطريق لتولي منصب رئيس الوزراء. غير أن مراقبي بوزا يقولون: إن تقديم عرض بالتخلص من وظيفة عمدة لندن بشكل سابق لأوانه، أو التحول إلى التشبث بها حتى مع سعيه للفوز بمقعد وطني، يمكن أن ينتج عنه رد فعل معاد من جانب الناخبين في لندن والذي قد يصبح مشكلة عسيرة يصعب الاستهانة بها. علاوة على ذلك، فإنه قد يحفز منتقديه، الذين يتجاهلونه بوصفه شخصا سيئ السمعة يسعى لجذب انتباه وسائل الإعلام، والذي يعتمد بدرجة أكبر على الشخصية من اعتماده على السياسة.

«السؤال الأكبر هو ما إذا كان جديرا بالفعل بالانتخاب لمنصب، أو ما إذا كانت بريطانيا من الممكن أن لا تنظر لأي خطوة من جانبه لترك منصب العمدة إلا بوصفها خطوة مكشوفة للتقدم»، قالت سونيا بورنيل، مؤلفة «فقط بوريس: حكاية طموح رجل أشقر».

* ساهم في كتابة التقرير كارلا آدم

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»