3 استحقاقات تنتظر مجلس الأمن المعطل في الملف السوري حتى نهاية الشهر الحالي

اجتماع على المستوى الوزاري بدعوة فرنسية 30 أغسطس.. والتركيز على المعالجة الإنسانية

TT

أكدت باريس رسميا أمس خبر انعقاد مجلس الأمن الدولي على مستوى وزراء الخارجية، وبرئاسة الوزير لوران فابيوس في 30 أغسطس (آب) الحالي، للنظر في الوضع السوري، وذلك قبل يوم واحد من انتهاء الرئاسة الفرنسية للمجلس.

وقالت الخارجية في بيان لها أمس إن الاجتماع الموعود الذي سيحصل بناء على طلب فرنسي «سيركز بشكل أساسي على النظر في الوضع الإنساني في سوريا ودول الجوار»، في إشارة إلى الأردن وتركيا ولبنان التي سيزورها فابيوس ما بين 15 و17 الحالي، والتي تستضيف القسم الأكبر من اللاجئين السوريين.

وبيان الخارجية الفرنسية يؤكد ما نشرته «الشرق الأوسط» في عددها، أمس، عن سعي فرنسي (وغربي) لمحاولة التغلب على الانقسامات العميقة الحاصلة في مجلس الأمن، التي تعوق أي مبادرة سياسية أو قرار يمكن أن يصدر عنه، وذلك بالتوجه نحو معالجة الجوانب الإنسانية. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن موسكو «لا يمكنها أن تعرقل العمل الإنساني للمجلس» الأمر الذي يعني تغييرا للتكتيك السياسي الغربي بحيث يتحول من التصادم مع روسيا (والصين) إلى محاولة العمل معهما.

وتبدو النتيجة «المنطقية» لهذا التحول في المقاربة أن مشروع القرار الذي يمكن أن يطرح للنقاش وبعدها للتصويت، والذي هو حاليا قيد الإعداد لن يوضع تحت الفصل السابع، بل سيعاد إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الذي لا يجيز فرض إجراءات عقابية أو التهديد باللجوء إليها، وهو الأمر الذي عارضته موسكو وبكين منذ اندلاع الأزمة السورية قبل 17 شهرا.

وأمس، رفضت الخارجية الفرنسية الكشف عما إذا كان التوجه الغالب هو للبقاء تحت الفصل السابع أم التراجع عنه. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع في العاصمة الفرنسية، فإن تفضيل هذا الخيار أو ذاك مرهون بما سيوضع في مشروع القرار، وما إذا كان سينص على إقامة ممرات آمنة لوكالات الإغاثة أو مناطق حماية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين. لكن يبدو أن الحذر سيكون سيد الموقف، لأن موسكو ما زالت تعارض أي تدبير من شأنه أن يفسر على أنه ضوء أخضر للجوء إلى القوة العسكرية تحت ستار المساعدات الإنسانية أو حماية المدنيين، تفاديا لتكرار التجربة الليبية.

وكان لافتا أن رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي عاد إلى واجهة الإعلام من البوابة السورية، عبر اتصال هاتفي مطول مع رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا. وفي البيان المشترك الصادر عنهما بعد الاتصال، جاء أنهما «توافقا على الحاجة لعمل سريع من قبل الأسرة الدولية لتحاشي حصول مجازر» في سوريا، وأنهما «يريان وجود أوجه شبه كبيرة» بين الأزمتين الليبية والسورية.

وليست الإشارة الأخيرة بريئة، إذ إن ساركوزي كان المحرك الذي دفع بالأسرة الدولية والحلف الأطلسي للتدخل العسكري في ليبيا، لحماية المدنيين، مما أدى إلى إسقاط نظام العقيد القذافي ومقتله. وقبل أيام قليلة هاجم المفكر برنار هنري ليفي الذي لعب دورا في دفع ساركوزي نحو الحل العسكري، الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند متهما إياه بـ«التقصير» في التعاطي مع الأزمة السورية، مذكرا إياه بما فعله الرئيس السابق.

وعلى الرغم من التركيز على الجوانب الإنسانية، فإن باريس ما زالت تتمسك بالحاجة لحصول عملية انتقال سياسي «إلى نظام ديمقراطي وتعددي». وعلى الرغم من الانقسامات التي يعرفها مجلس الأمن، فإن فرنسا ترى أنه «لا يستطيع أن يبقى صامتا إزاء المأساة الحاصلة في سوريا».

غير أن المشكلة المستعصية التي ستواجهها الدبلوماسية الفرنسية سببها أنها إذا أرادت التوصل إلى قرار يحظى بالإجماع في مجلس الأمن فسيتعين عندها الاستماع للتحفظات الروسية – الصينية، وبالتالي بلورة نص يوفر «الحد الأدنى» مما هو مطلوب لمواجهة الوضع المأساوي. وفي هذه الحال، فإن تأثير قرار كهذا على الوضع الميداني سيكون معدوما. أما إذا اختارت العمل على قرار «يتمتع بأنياب»، فعندها ستظهر مجددا المعارضة الروسية ويعود النقاش إلى المربع الأول. وعلى أي حال، تريد باريس أن يتولى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تقديم تقرير عن الوضع الإنساني في سوريا، وفي المخيمات خارجها، وعن الحاجات المتنامية التي يتعين مواجهتها وكيفية القيام بذلك.

ولكن قبل الوصول إلى اجتماع 30 أغسطس (آب)، يتعين على مجلس الأمن مواجهة استحقاقين مهمين: الأول، تعيين بديل عن المبعوث العربي الدولي كوفي أنان، الذي رفض تجديد مهمته التي تنتهي نهاية الشهر الحالي، والثاني النظر في مصير بعثة المراقبين الدوليين المستمرة حتى تاريخ 19 من الشهر نفسه. وفي الحالتين، يبدو «الاشتباك» الدبلوماسي - السياسي بين الفريقين المتواجهين في مجلس الأمن مقبلا لا محالة. ففيما خص تعيين بديل لأنان، وبغض النظر عن الشخصية التي سيختارها الأمين العام للأمم المتحدة، فإن الخلاف يدور على تحديد «المهمة» التي ستوكل له. وتريد المعارضة السورية وبعض العرب أن تنحصر المهمة في تحقيق الانتقال السياسي. أما في موضوع المراقبين، فإن الغربيين يشترطون أن يلتزم النظام بوقف للنار، وإلا فما الفائدة من وجود مراقبين؟! وبالتالي يهددون بعدم التجديد لها بعكس ما تطالب به موسكو وبكين.

وهكذا يبدو الوضع في مجلس الأمن بالغ التعقيد. وعلى الرغم من الرغبة في تقريب المواقف لمواجهة تدفق المهجرين واللاجئين وتوفير مقومات الحد الأدنى لهم، فإن الانقسامات العميقة في مجلس الأمن ستعيق تحركه الفاعل حتى في المجال الإنساني.