وزير خارجية المغرب: 9 لجان تعمل لوضع شراكة إستراتيجية مغربية ـ خليجية

سعد الدين العثماني في حوار مع «الشرق الأوسط»: مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا يتحملها النظام السوري وليس أنان

TT

قال الدكتور سعد الدين العثماني، وزير خارجية المغرب، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إن الرباط لم تتسرع في اتخاذ أي خطوة تتعلق بالملف السوري، مشيرا إلى أنها تتشاور مع أصدقائها والمعارضة السورية قبل أن تقدم على اتخاذ أي قرار. وذكر العثماني في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط، أن الحل العسكري في سوريا يبدو اليوم هو السائد في الميدان، وعبر عن أسفه لكون الوصول إلى النهاية لن يكون إلا بمزيد من القتلى.

وبشأن الدور الروسي في الأزمة السورية، قال العثماني: «ما زلنا نطمح أن تبذل روسيا جهدا أكبر لوقف نزيف الدم في سوريا، وقلنا لها وما زلنا، إن لديها القدرة أكثر من غيرها للتأثير على النظام السوري».

وحمل العثماني مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا للنظام السوري وليس لكوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، الذي استقال من مهامه أخيرا، وقال: «لا يمكن أن نحمل أنان مسؤولية تدهور الأوضاع، كأنها كانت جيدة قبل أن يأتي. المسؤولية يتحملها النظام السوري برفضه سحب الآليات والأسلحة الثقيلة من المدن ووقف التجاوزات الحقوقية ضد شعبه».

إلى ذلك، قال العثماني إن الغيوم التي خيمت على سماء العلاقات المغربية - الأميركية بسبب سحب الثقة من كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، في طريقها إلى الزوال.

من جهة أخرى، قال العثماني إن فكرة التحاق المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي هي الآن في طور الإعداد لتتم في أحسن صورة.

وفيما يلي نص الحوار:

* المغرب سيحتضن في سبتمبر (أيلول) المقبل مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا، فما الجديد المنتظر من هذا المؤتمر أم أنه مجرد سلسلة في مسار متواصل يروم إيجاد مخرج وحل للازمة السورية ؟

- سوريا حاليا مع الأسف الشديد تعيش مأساة إنسانية، واستمرار بشع للعنف المسلط على الشعب السوري المتمثل في قصف مدنيين وأحياء سكنية براجمات الصواريخ والمدافع إلى جانب استعمال الطائرات، فكل هذا مدان على جميع المستويات، إنسانيا وشرعا وقانونا، مثلما هو مدان في إطار الشرعية الدولية، وبالتالي فإن المغرب مثله مثل باقي الدول العربية والإسلامية ودول العالم، التي رفضت ما اقترف في حق الشعب السوري من عنف وجرائم.

لقد انخرط المغرب منذ البداية في محاولات لإيقاف هذه المأساة، وذلك داخل الجامعة العربية وبالتعاون مع مختلف أعضائها لإيجاد حل سياسي قبل أن تتفاقم الأوضاع. وشارك أيضا في بعثة المراقبين العرب في سوريا، وبعد ذلك قام بوصفه العضو العربي الوحيد غير الدائم في مجلس الأمن بجهود لنقل هذه الهموم العربية إلى هذا المجلس، وأسهم في مختلف المبادرات والقرارات التي صدرت فيه. وكان قد قدم قرارا في البداية مستمدا من المبادرة العربية بيد أن مجلس الأمن، مع الأسف الشديد، فشل في المصادقة عليه، كما فشل في المصادقة على قرارات أخرى بسبب استعمال حق النقض. وانخرط المغرب أيضا ضمن مختلف محاولات المجتمع الدولي وخصوصا في إطار ما يسمى «مجموعة أصدقاء الشعب السوري»، ولا تزال هذه التعبئة مستمرة.

إننا نتفهم كون الكثيرين من أفراد الشعب السوري لا يفهمون كيف عجز المجتمع الدولي في أن يتدخل لحماية المدنيين، وإيقاف مجازر مستمرة ضد أطفال ونساء ومدنيين عزل، وأيضا إيقاف تدمير أحياء ومدن سوريا عريقة وتاريخية، لكن قدرات المجتمع الدولي تبقى محدودة ما لم يكن هناك قرار لمجلس الأمن. وعلى الرغم من ذلك كانت هناك محاولات واجتماعات والهدف الأساس منها هو أن نقول للشعب السوري إن أي اجتماع يخصه هو أولا وقبل كل شيء دعم سياسي ومعنوي له، ولنقول له إنك لست وحدك. بل نحن هنا نتابع أخبارك ومآسيك، ونحاول الضغط بكل ما نستطيع على النظام السوري في سبيل إيقاف كل ذلك.

ومن هنا، فإن أصدقاء الشعب السوري، طيلة المراحل الماضية، قاموا ببلورة أفكار للتخفيف عن مآسيه، وتواصلوا مع المعارضة ودعموها، واتخذوا قرارات للضغط على النظام السوري، والتفاوض أيضا مع الدول التي تدعم هذا النظام لإيجاد مخرج لهذه المأساة. إذن، كانت هناك جهود حثيثة مستمرة. وقريبا سيستقبل المغرب مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وهو الاجتماع الذي لم يحدد بعد بصفة نهائية تاريخ انعقاده. وسنتابع الأحداث على الأرض، وسنتواصل مع مختلف الأطراف سواء مع المعارضة السورية أو مع الدول الفاعلة في الملف السوري لنجد الوقت المناسب ليكون هذا الاجتماع إضافة نوعية في تعامل المجتمع الدولي معه.

هناك مستوى ثان يكمن في الجانب الإنساني، إذ تم القيام بجهود مباشرة في إطار المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال وخصوصا الصليب الأحمر الدولي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. والمغرب أسهم مع هذه المنظمات مباشرة لمساعدة الشعب السوري النازح واللاجئ، بيد أننا نتفهم أن هذه المأساة تبقى أكبر من هذه الجهود التي تمت حتى هذه الساعة، وأننا لا بد أن نبذل مزيدا من الجهود إزاء الشعب السوري للتخفيف من معاناته. ولذلك أمر جلالة الملك محمد السادس بإرسال مستشفى ميداني متعدد الاختصاصات بطاقم طبي مهم إلى الأردن لمساعدة اللاجئين هناك، إضافة إلى دعم إنساني يفوق 115 طنا من الأغذية.

* لقد كان المغرب منذ البداية مع الحل السياسي لإيجاد حل للأزمة السورية وضد استعمال القوة. الآن، الأمور تزداد استفحالا على الميدان في ظل تزايد المجازر، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين. أما زلتم متشبثين بالحل السياسي في ظل هذا الوضع المتدهور، وما توقعاتكم بشأن مآل الأزمة السورية؟

- ليس هناك أي حل عسكري دون حل سياسي. لا بد دائما أن يسبق الحل السياسي، وأن يكون هو المؤطر حتى لا تتفاقم الأوضاع على الأرض. كنا نتمنى في بداية الأزمة أن تكون هناك حلول سياسية. وكان ذلك يقتضي أن تقوم القيادة السورية بجرأة، وهذا ما طلبته منها الجامعة العربية، بإصلاحات سياسية تقنع المواطنين الذين يحتجون في الشارع، وتزيل بذلك فتيل أي تدهور فيربح الجميع، النظام، والشعب السوري، وسوريا كاملة. لكن مع الأسف الشديد، فإن هذا السيناريو الذي كان يتمناه كثيرون لم يتم على الأرض، وكان استعمال القوة هو الجواب. بعد ذلك وقطعا لأي تدخلات بالأسلحة وتدفقها على النظام السوري قلنا إن أي حل عسكري يمكن أن يوثر في الأوضاع، ويفجرها أكثر.

اليوم في الميدان، يبدو الحل العسكري هو السائد، ونأسف كثيرا لكون الوصول إلى النهاية لن يكون إلا بمزيد من القتلى. اليوم عندنا أزيد من 20 ألف قتيل، وأضعافهم من المصابين والمعطوبين، ونحو مليوني نازح من داخل سوريا أو اللاجئين خارجها. فالأمر يتعلق بمأساة حقيقية، وبالتالي فإنه كيفما كان الحال لا بد أن نجد صيغة سياسية لسوريا الجديدة، وهو ما تم العمل بشأنه بين المعارضة السورية والجامعة العربية مدعومة من قبل مختلف الدول العربية، وفق قرارات أصدرها مجلس وزراء الخارجية العرب لدعم المعارضة حتى تكون المرحلة الانتقالية المقبلة مرحلة تستجيب لأوسع مطالب الشعب السوري. وبطبيعة الحال فإننا، في هذا السياق ندعم جهود السوريين ونؤازرها، ونساعد على بلورة هذا البديل السياسي بطريقة أفضل.

* الملاحظ أن المغرب مضى بعيدا في تعامله مع الأزمة السورية منذ البداية، وهذا الاندفاع المغربي ربما أدى به إلى معارضة بعض الأطراف الفاعلة في مجلس الأمن مثل روسيا والصين، هذا مع العلم أن المغرب يعاني من مشكلة الصحراء، فما منطق الربح والخسارة في انغماس المغرب في الملف السوري. وبالتالي ألا تتخوفون من أن يكون لذلك تداعيات على ملف الصحراء خاصة أن روسيا والصين فاعلتان في مجلس الأمن كما سبق القول؟

- أولا، المغرب لم يتسرع في اتخاذ أي خطوة تتعلق بالملف السوري. كنا دائما نتابع ونقيم وندرس ونتشاور مع أصدقائنا، وفي كثير من الأحيان، مع من لنا صلات معهم من المعارضة السورية، قبل أن نقدم على اتخاذ أي قرار. وإذا رأينا أن مؤتمر مجموعة أصدقاء الشعب السوري في باريس، في آخر اجتماع له، ضم 104 دول تقريبا، فإن المغرب بانضمامه إلى هذه المجموعة لم يكن متسرعا لأن الأمر هنا يتعلق بأكثر من 50 في المائة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أن جميع قرارات المغرب جاءت في سياق واضح متفاعل مع مأساة الشعب السوري على الأرض.

وأود القول إنه ليس هناك أي تخوف من تدهور علاقتنا مع روسيا والصين لأننا بقينا منذ البداية في تشاور مستمر حول الموضوع السوري معهم. وأنا شخصيا زرت روسيا في زيارة رسمية مباشرة بعد استعمال روسيا حق النقض ضد مشروع قرار قدمه المغرب في مجلس الأمن. وزرت أيضا الصين منذ أقل من شهر للمشاركة في المنتدى الأفريقي - الصيني، وكانت لي مباحثات مع المسؤولين الصينيين، وزارنا في الرباط رئيس الحكومة الصينية، والتقيت بوزير الخارجية الصيني في الكثير من المناسبات، وكان الملف السوري في صلب مباحثاتي معهم جميعا.

نحن نبني علاقتنا معهم على أساس الاحترام المتبادل، واحترام وجهات نظر كل طرف. نتحاور ونتشاور، لكن لا يمكن لأي طرف أن يملي على الطرف الآخر قراراته. فكل دولة لها سيادتها واستقلاليتها في احترام تام للأطراف الأخرى، وبالتالي أنا مطمئن إلى أن ذلك لم يسئ إلى علاقة المغرب مع روسيا والصين. ونحن ما زلنا نطمح أن تبذل روسيا جهدا أكبر لوقف نزيف الدم في سوريا، وقلنا وما زلنا نقول لمسؤوليها، إن لديهم القدرة أكثر من غيرهم للتأثير على النظام السوري ليوقف استعمال العنف ضد شعبه.

* كيف تلقيتم نبأ استقالة كوفي أنان من مهامه كمبعوث للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا. هل لك أن تقول لي ما لأنان وما عليه، أين أصاب وأين اخطأ ؟

- لا يمكن أن نحمل السيد كوفي أنان مسؤولية تدهور الأوضاع، كأنها كانت جيدة قبل أن يأتي. المسؤولية يتحملها النظام السوري برفضه سحب الآليات والأسلحة الثقيلة من المدن، ووقف التجاوزات الحقوقية ضد شعبه.

* بخصوص ملف الصحراء زار يوسف العمراني، الوزير المنتدب في الخارجية مؤخرا واشنطن. ما الجديد بشأن سحب الثقة من كريستوفر روس؟ وهل قدم المغرب بديلا للخروج من هذا المأزق أم أن الأمور ما زالت تراوح مكانها؟

- أولا يصعب الحديث عن مأزق. هذا مبعوث شخصي سحب منه طرف ثقته. والأمين العام للأمم المتحدة يدرس الموضوع الآن، ولا شك أنه يحتاج إلى الوقت الكافي، ونحن ننتظر قراره. وعلاقتنا بالدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة تتجاوز هذا الملف. هناك ملفات مشتركة كثيرة تخضع لتشاور المستمر. هناك أولا اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة، وهناك تشاور لجمع لجنة المتابعة لتقييمها، هناك أيضا رغبة مشتركة واتفاق مسبق على تطوير العلاقات الاقتصادية وخصوصا جلب المزيد من الاستثمارات الأميركية للمغرب. وكان هناك إعداد لمنتدى رجال الأعمال المغاربة والأميركيين. بيد أن ظروف الصيف حالت دون عقده، ولابد من التشاور في كيفية التعاون مع هذا الملف في المستقبل.

هناك كذلك الحديث عن شراكة استراتيجية بين الرباط وواشنطن، والإعدادات لها جارية على قدر من وفاق. كما أن هناك ملفات شائكة مشتركة تحتاج إلى تشاور مستمر بين البلدين، وبالخصوص ملفان أساسيان هما الملف السوري وملف الأمن في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية. إذن لا بد من تشاور مستمر، ولهذا سترى أن هناك وفودا متعددة ولقاءات مستمرة بين المغاربة ونظرائهم الأميركيين، كما هو الشأن بين مسؤولين مغاربة ومسؤولي عدد من الدول الفاعلة عبر العالم مثل فرنسا وإسبانيا ودول الخليج العربي ودول الاتحاد المغاربي، وهي دول يرتبط المغرب معها بعلاقات متميزة، وبالتالي تحتاج إلى تشاور مستمر ليس فقط حول القضايا الثنائية ولكن أيضا حول القضايا الإقليمية والدولية، ولهذا سترى هذه الحركية في الدبلوماسية المغربية.

* هل نفهم من كلامك أن الغيوم التي خيمت على سماء العلاقات المغربية - الأميركية بسبب سحب الثقة من روس قد زالت؟

- في طريقها إلى الزوال.

* سحبت إسبانيا مؤخرا المتطوعين الإسبان العاملين في مخيمات جبهة البوليساريو في تندوف بجنوب غربي الجزائر بسبب التخوف من تعرضهم للاختطاف من قبل تنظيم القاعدة، كيف نظرتم إلى هذه المبادرة الإسبانية خاصة أن المغرب سبق له أن حذر من أن المنطقة توجد فوق صفيح ساخن، وتحدث دائما عن وجود علاقة بين تنظيم القاعدة وجبهة البوليساريو؟

- ما قامت به إسبانيا مبني على وجود تهديدات حقيقية للرعايا الإسبان في منطقة تندوف. ونتيجة لهذه التهديدات قامت بسحبهم حماية لهم. فمدريد لا تريد أن ترى أمامها مزيدا من الإسبان المختطفين، وتتفاوض لإطلاق سراحهم. فهذا شأن وقرار إسباني نحترمه، لكن، كما قلت، نحن حذرنا باستمرار ومنذ سنوات من وجود مخاطر أمنية كبيرة في المنطقة، وأن هناك عصابات لتهريب المخدرات والبشر والأسلحة والسلع، وخاصة المساعدات الإنسانية التي تقدم لهذه المخيمات، وأنه من غير المعقول أن يقبل المجتمع الدولي بوجود مجموعة مسلحة في المخيمات، ويتم التعامل معها بطريقة عادية جدا، لا سيما أن الأمر يتعلق بمخيمات مغلقة لا يعرف المجتمع الدولي كم عدد الناس الموجودين فيها، وماذا يفعلون هناك، وماذا يفعل بهم، إن هذا الصمت من المجتمع الدولي، وعدم الجرأة في التعامل مع هذا الملف هو نوع من التواطؤ الذي رفضه المغرب باستمرار.

لقد طالبنا بأن تكون هناك مقاربة حقوقية وأخرى إنسانية، وفق معايير دولية في التعامل مع ملف المخيمات. ويبدو الآن أن الأحداث المتتالية قد تقنع المجتمع الدولي بأنه كان مخطئا، وأن عليه أن يتخذ تدابير أقوى في الاتجاه المعاكس. إنني أتساءل: لماذا رفض المجتمع الدولي حتى اللحظة أن يأخذ قضية الإحصاء، وتحديد هوية اللاجئين في مخيمات تندوف بجدية كاملة؟ لماذا يتعامل المجتمع الدولي حتى اللحظة مع المخيمات وسكانها وكأنهم خارج المعايير الدولية؟ هذه كلها أسئلة نحن نطالب بالإجابة عنها. ولا ننسى أن نذكر هنا أن سبب الأزمة والمأساة الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء هي أسلحة القذافي وأمواله، وهي نفس الأسلحة والأموال التي أنشأت ودعمت جبهة البوليساريو، وهذا وحده يكفي ليقول الكثير من الأشياء.

* بالنسبة للقمة المغاربية المنتظرة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وبعد الجدل المغربي - الجزائري الذي أثير حولها في الأونة الأخيرة، أود أن أسالك على ماذا استقر الأمر الآن، وهل ستكون القمة في موعدها المحدد؟

- قرار عقد القمة المغاربية قبل نهاية 2012 هو قرار مغاربي مشترك اتفقت عليه جميع الدول المغاربية أثناء زيارة الرئيس التونسي الأخيرة لدول المنطقة. والمغرب، بطبيعة الحال، دعم ذلك، وحدد الجانب التونسي، الذي يستضيف القمة، موعدها يوم 10 أكتوبر المقبل، وهو موعد وافقنا عليه. وإلى الآن، الإخوة في تونس لم يخبرونا بعد رسميا بتغيير هذا الموعد واختيار موعد آخر.

* كانت الجزائر أول دولة تزورها عقب توليكم وزارة الخارجية، وكان لديكم حماس كبير لفتح آفاق علاقة جديدة معها. هل ما زال لديكم نفس الحماس الذي عرفتم به في البداية؟

- لا يزال لدي نفس الحماس، وما زلت أعتبر أن المزيد من تطوير العلاقات المغربية - الجزائرية هو خيار استراتيجي وضروري. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا هناك تبادل للزيارات، وتطوير للعلاقات، وتوقيع مزيد من الاتفاقيات، وهناك فتح آفاق تعاون اقتصادي في مستويات متعددة مفيد للطرفين. وبالتالي لماذا لا أحافظ على نفس الحماس؟

* هل يتعلق الأمر بحماس دبلوماسي حقيقي أم مجرد تفكير وأماني؟

- هناك برامج ستأخذ مجراها. صحيح أن الناس ينظرون عادة إلى ما لم يتحقق أكثر مما ينظرون إلى ما تحقق، نظرا لوجود ملفات عالقة مثل ملف فتح الحدود. ولكننا قلنا مرارا إنه يجب أن نطور العلاقات بغض النظر عن نقط الخلاف في انتظار أن تجد هذه النقط حلها النهائي، وهو ما نتمناه ونرجو تحقيقه في القريب العاجل إن شاء الله.

* بالنسبة للعلاقات مع فرنسا. الآن هناك رئيس جديد وحكومة جديدة. كيف هي العلاقات المغربية - الفرنسية، ومتى سيتم تعيين سفير جديد في باريس؟

- أنت تعرف أنه بمجرد انتخاب الرئيس الفرنسي الجديد بدأت الاتصالات بيننا وبين الفريق الجديد، وهناك تأكيد كامل بأنه لا تغيير في مستوى العلاقات المغربية - الفرنسية في المرحلة المقبلة، وأن مواقف فرنسا من الملفات الأساسية بالنسبة للمغرب وفي مقدمتها ملف الصحراء لم تتغير عما كانت عليه. وأظن أن هذا يرد على بعض التخوفات التي وردت هنا وهناك، والتي لم تكن مستندة إلى أي أساس. إن العلاقات بين المغرب وفرنسا هي علاقات استراتيجية وتاريخية وعميقة، ونحن حريصون على الحفاظ عليها في نفس المستوى.

* في هذا الإطار كيف تنظرون إلى الزيارة التي يعتزم الرئيس الفرنسي القيام بها قريبا للجزائر. ما قراءتك لإعطاء الأولوية للتوجه نحو الجزائر؟

- لن يكون هذا على حساب المغرب، خصوصا أن هناك ملفات وإشكالات عالقة بين فرنسا والجزائر. ومن حق فرنسا أن تسعى لحلها وتطوير علاقاتها مع الجزائر.

* وماذا بالنسبة للعلاقات مع إسبانيا في سياق الشنآن الذي عرفته مؤخرا جراء الزيارة الأخيرة لوزير الداخلية الإسباني لمقابر الجنود الإسبان الذين سقطوا في معركة أنوال. هل يمكن القول إنه تم تجاوز هذه المشكلة الطارئة؟

- هذا الحادث لم يطرح أي شنآن بين الرباط ومدريد.

* ولكنكم استدعيتم السفير الإسباني، وأبلغتموه احتجاجكم على ما جرى، وسال مداد كثير على صفحات الجرائد؟

- صحيح. وأنا دائما أقول إنه بقدر ما تكون العلاقات جيدة بقدر ما نستطيع أن نفتح الملفات الشائكة. صداقتنا مع جيراننا في إسبانيا، وتطوير العلاقات الذي تم في المراحل الأخيرة قبيل تشكيل الحكومتين الجديدتين في إسبانيا والمغرب، وبعد تشكيلهما، هذا كله يمكننا اليوم من أن نتعامل مع بعضنا البعض بصراحة.

إن اتخاذ موقف مخالف لما اتخذته الحكومة الإسبانية أو أعضاء فيها، وانتقاد بعض التصريحات أو بعض التصرفات، لا يعني أن العلاقات تسوء. فهذا أمر يقع بين جميع الأصدقاء في العالم، لكن الصداقة لا تعني أن نضر بمصالحنا أو نسكت عما يضرنا، وعدم المطالبة بما ينفعنا. الصداقة الجيدة هي أن يكون هناك حوار مفتوح، وإنصات متبادل، وصبر متبادل أيضا، وأن يكون كل طرف حريصا على حماية مصالح الطرف الآخر، والاستماع إلى همومه. وأظن أننا وصلنا إلى هذه المرحلة مع جيراننا في إسبانيا. علاقات المغرب مع إسبانيا اليوم توجد في أحسن مستوياتها وسندعمها أكثر، ونحن الآن نستعد لعقد اللجنة العليا المشتركة المغربية - الإسبانية، ومناقشة العلاقات الاقتصادية بأفق أرحب، وربما عقد اتفاقيات جديدة بين الجانبين. هناك أيضا زيارات متبادلة، ولذلك أشدد على القول إنه لا خوف على العلاقات المغربية - الإسبانية.

* بالنسبة للوضع المتردي في منطقة الساحل هناك دعوات للتدخل العسكري في مالي لحل الأزمة. والمعروف أن الجزائر تعارض هذا المسعى، فماذا عن موقف المغرب من ذلك؟

- نحن ضد أي تدخل عسكري في مالي لأنه سيعقد الوضع، وأظن أن هذا الموقف هو موقف عام في دول المنطقة. نحن أولا مع دعم الشرعية السياسية في مالي، وتحقيق الاستقرار والانتقال السياسي نحو الشرعية الديمقراطية، وهو ما سيمكن سلطات مالي من حل مشكلاتها الداخلية بنفسها وبدعم من المجتمعين الأفريقي والدولي. وهذه هي المقاربة التي بدأها المغرب منذ البداية، ولذلك كنا دعمنا مجموعة دول غرب أفريقيا لما تدخلت وقامت بنوع من المصالحة بين العسكريين الانقلابيين والطبقة السياسية، لكن هذا الحل توقف للأسف الشديد، بيد أن هناك محاولات للدفع به إلى الأمام، وقلنا لمجموعة دول غرب أفريقيا بأننا ندعم جهودها ونثمنها. لقد زار رئيس الحكومة المالية المغرب مؤخرا، واتفقنا على برنامج للتعاون المشترك.

إن المغرب قام بجهوده وما زال مستعدا ليدعم أكثر، ولا شك أن دولا كثيرة في المنطقة أيضا حاولت أن تدعم لكني أظن اليوم أنه مع كثرة اللاجئين الماليين في دول الجوار، إلى جانب النازحين الماليين داخل مالي، ومع صعوبة الوضعية الغذائية في المنطقة، فإن هذه الأخيرة تحتاج إلى اهتمام أكبر، ليس فقط من طرف المجموعة الأفريقية، ولكن أيضا من طرف المجتمع الدولي.

* انتخبت كوسازانا دلاميني - زوما، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابقة، رئيسة لمفوضية الاتحاد الأفريقي. كيف نظر المغرب إلى انتخاب زوما خاصة أنها معروفة بعدائها للمغرب وحقوقه في صحرائه، وهذا ما جعل بعض المراقبين يرون أن مسالة عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الأفريقي قد تتأخر أكثر مع انتخاب زوما، زد على ذلك العائق الكبير المتمثل في وجود ما يسمى «الجمهورية الصحراوية» في حظيرة الاتحاد الأفريقي؟

- المغرب غادر الاتحاد الأفريقي منذ عهد منظمة الوحدة الأفريقية أي منذ 30 سنة. وبالتالي فعودته لا تقاس بسنوات معدودة. اليوم أغلب أعضاء الاتحاد الأفريقي إما أنهم لم يعترفوا قط بهذه الجمهورية المزعومة أو سحبوا اعترافهم بها. إن علاقة المغرب الأفريقية وامتداده في القارة أقوى بكثير مما كان عليه الأمر قبل 30 سنة، كما أن تقدير المغرب في أفريقيا هو تقدير مهم، وبالتالي تبقى هذه الأرضية هي الأهم في المستقبل بالنسبة للمغرب. أما بالنسبة للانتخاب أو عدم الانتخاب فإن ذلك يظل شأنا داخليا للاتحاد الأفريقي. وما دام المغرب ليس عضوا في هذا الاتحاد فإننا لن نتدخل في هذه الأمور. لكننا على الرغم من ذلك حريصون على أن تعدل جنوب أفريقيا موقفها من هذه القضية الحيوية بالنسبة للمغرب، وحريصون على فتح قنوات الحوار معها، وهي موجودة في الفترة الأخيرة، ونأمل أن تتصرف جنوب أفريقيا مع هذه القضية بأعلى درجات التعقل مما سيحفظ مصالحها ومصالح المغرب في أفريقيا وفي العالم، إلى جانب تبادل المنافع.

* بالنسبة للعلاقات مع دول الخليج العربية كانت هناك دعوة لانضمام المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، والملك محمد السادس أشاد في خطاب العرش الأخير بدول «التعاون الخليجي» والقرارات التي تم اتخاذها لتجسيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب وتلك الدول. فهل ثمة مقاربة جديدة للدفع بالعلاقات الجيدة بين الطرفين نحو آفاق أرحب؟

- أود في البداية أن أشكر الإخوة في دول مجلس التعاون الخليجي لحرصهم على دعم المغرب في جهوده الإصلاحية والتنموية ودعم الشعب المغربي، وسيحفظ التاريخ لدول المجلس هذه المواقف المشرفة ليس فقط تجاه المغرب ولكن أيضا تجاه الكثير من القضايا العربية والإسلامية. وأريد أيضا أن أقول إن الفكرة التي طرحت في البداية بشأن التحاق المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي هي الآن في طور الإعداد لها لتتم في أحسن صورة. هناك اليوم تسع لجان تشتغل لوضع ملامح شراكة استراتيجية بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي. فهذا يحتاج إلى عمل لكن ذلك سيتم في القريب العاجل إن شاء الله.

وأريد هنا أيضا أن أشكر الإخوة في مجلس التعاون الخليجي على تخصيصهم دعما لتمويل الجهود التنموية في المغرب وفي الأردن، وهذا ينم عن صدق الأخوة الإسلامية التي يحسون بها، وعمق القيم الأصيلة لدى قادة مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى ذلك هناك تشاور بين المغرب ودول الخليج حول مختلف الملفات السياسية سواء تعلق الأمر بقضية سوريا، أو قضية الأمن في أفريقيا وغيرهما من الملفات. وعموما فإن العلاقة بين المغرب ومجلس دول التعاون الخليجي تتجاوز الحكومات لتكون علاقة أخوة بين جلالة الملك محمد السادس وملوك وأمراء هذه الدول.

* شارك خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مؤخرا في مؤتمر حزبكم. ما الربح الذي حققه حزبكم وكذلك الدبلوماسية المغربية من استضافة أحد قادة حماس في المغرب خاصة أن المنطقة تعرف ظروفا سياسية معقدة ومتشابكة، كما أن حضور مشعل أثار تبرما لدى السفير الأميركي في الرباط؟

- أولا، نحن لما وجهنا الدعوة إلى الضيوف لحضور مؤتمر حزب العدالة والتنمية، ووصلنا إلى الساحة الفلسطينية كان من الطبيعي أن نوجه الدعوة لفتح وحماس. وكل حركة اختارت وفدا يمثلها، فاختارت حماس خالد مشعل، رئيسا للوفد، واختارت حركة فتح عزام الأحمد، رئيسا لوفدها، فجاءت القضية بطريقة عادية لم تكن فيها حسابات سياسية لأن الأمر هنا يتعلق بقرار حزبي اتخذته لجنة حزبية ليس فيها أي وزير، ولم تأخذ بعين الاعتبار هذه الجوانب الدبلوماسية العامة. وأنا شخصيا لم أشارك في هذه القرارات كوزير للخارجية. وهذا معناه أنه قرار حزبي مستقل كاملا عن الحكومة. لقد وجهت الدعوات إلى الكثير من الشخصيات منهم من اعتذر لظروف خاصة، ومنهم من استجاب، وبالتالي فإن دعوة خالد مشعل لزيارة المغرب ليست حدثا استثنائيا، وحماس مكون رئيس للشعب الفلسطيني، وقد يكون لبعض الدول الصديقة رأي، وهي حرة في رأيها، بينما يبقى قرارنا نحن سياديا ومستقلا.