البرلمان الليبي يستأنف أعماله لانتخاب رئيس له غداة تسلمه السلطة

كلينتون والعربي يهنئان الليبيين بانعقاد أول جمعية وطنية منتخبة.. وعبد الجليل يأمر بتغيير مذيعة غير محجبة لتقديم الحفل

رئيس المجلس الانتقالي الوطني الليبي مصطفى عبد الجليل يعانق رئيس الوزراء السابق محمود جبريل بعد تسليم السلطة إلى المؤتمر الوطني في طرابلس مساء أول من أمس (رويترز)
TT

كان منتظرا أن ينتخب المؤتمر الوطني العام الليبي (البرلمان)، المنبثق عن اقتراع السابع من يوليو (تموز) الماضي، أمس، رئيسا له ونائبين للرئيس، غداة تسلمه السلطة من المجلس الوطني الانتقالي في أول عملية انتقال سلمي للحكم بعد أكثر من أربعين عاما من حكم العقيد الراحل معمر القذافي.

واستأنف المؤتمر أعماله أمس لانتخاب رئيس بعد تبني «نظام» يحكم هذه الانتخابات، على حد قول محمد المقريف، عضو المؤتمر الذي كان معارضا شديدا لنظام معمر القذافي، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وسلم المجلس الوطني الانتقالي مساء أول من أمس إلى المؤتمر الوطني العام السلطة في حفل رمزي أقسم خلاله أعضاء المؤتمر الـ200 اليمين الدستورية أمام رئيس المحكمة العليا الليبية.

وقال رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، وهو يسلم رمزيا السلطة إلى أكبر أعضاء المؤتمر سنا «أسلم صلاحياتي الدستورية إلى المؤتمر الوطني العام الذي أصبح الممثل الشرعي للشعب الليبي». وخلال الحفل، تم عرض شريط وثائقي يروي قصة تشكيل المجلس الوطني الانتقالي والإعلان عن أعضائه وعدم الإعلان عن البعض الآخر لظروف أمنية والاتصالات الدولية والتغطية الإعلامية التي حظي بها، وخطابات المستشار عبد الجليل الموجهة للشعب الليبي. كما تضمن العرض الإعلان عن المراحل التي مرت بها الثورة والصعوبات التي واجهتها، والمعارك التي خاضها الثوار والانتصارات التي حققتها المدن.

وقام عبد الجليل بعد ذلك بتسليم الراية إلى محمد علي سليم، رئيس المؤتمر الوطني العام، وقاما بالتوقيع على نص وثيقة التسليم والتسلم التي جاء فيها ما يلي «يسلم المجلس الوطني الانتقالي المؤقت السلطات الدستورية في قيادة البلاد إلى المؤتمر الوطني العام، الذي يعتبر منذ هذه اللحظة التاريخية هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي والمؤتمن على استقلال ليبيا وأمنها ووحدة أراضيها، ولا بد من القول إن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لم يدفع لقوات التحالف درهما واحدا نظير أعمالها، كما لم يحمل الشعب الليبي بأي التزامات مستقبلية نظير ذلك العمل الجبار الذي قام به المجتمع الدولي، وأقول عن نفسي وعن زملائي نشكر كل من وقف معنا وأيضا نسامح كل من أساء إلينا».

يذكر أن رئيس المجلس الليبي الوطني الانتقالي أمر بتغيير مذيعة غير محجبة كان من المقرر أن تقدم حفل انتقال السلطة في طرابلس. وكان شعر المذيعة ظاهرا كليا ووجهها مطليا بمساحيق التجميل ولم تكن ترتدي الحجاب. وقد أرغمت على ترك القاعة وتولى أعضاء من المجلس الوطني الانتقالي تقديم الحفل. وقال عبد الجليل قبل أن يلقي خطابه خلال حفل تسليم السلطة إلى المؤتمر الوطني العام «نحن نؤمن بالحريات الفردية، وسوف نعمل على ترسيخها، لكننا مسلمون ومتمسكون بقيمنا. يجب أن يفهم الجميع هذه النقطة». ومر الحادث بشكل عابر، ولم يلاحظ معظم الحضور ما جرى، كما لم يفهموا الملاحظة التي أدلى بها عبد الجليل المعروف بتوجهاته الإسلامية خصوصا في ما يتعلق بالنساء.

وفي ختام الاحتفال الذي جرى بعد الإفطار ولم يستمر أكثر من أربعين دقيقة، دعي أعضاء المؤتمر إلى البقاء في القاعة لعقد أول اجتماع رسمي يتم خلاله انتخاب رئيس ونائبي رئيس للمؤتمر الوطني العام. وقال أحد أعضاء المؤتمر لوكالة الصحافة الفرنسية «يجب أن نختار رئيسا هذا المساء (الأربعاء) أو غدا (أمس) تفاديا لفراغ دستوري»، لكن المؤتمر قرر بعد اجتماع مغلق في وقت متأخر من ليل الأربعاء - الخميس إرجاء انتخاب الرئيس ونائبيه إلى أمس الخميس. وذكرت وكالة الأنباء الليبية أن المؤتمر الوطني العام الانتقالي سيبدأ أعماله رسميا هذا الأسبوع.

وكان المجلس الوطني الليبي هو الهيئة السياسية التابعة للثورة التي أطاحت بنظام القذافي قبل أن يتسلم رسميا السلطة في البلاد بعد سقوط القذافي الذي قتل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد أربعين سنة أمضاها في السلطة. وأشاد عبد الجليل في خطابه بـ«أول عملية انتقال للسلطة في تاريخ ليبيا» تمثل «لحظة تاريخية» لليبيين. ويفترض أن يكلف المؤتمر الوطني العام باختيار حكومة جديدة لتحل مكان المجلس الوطني. كما يفترض أن يقود البلاد إلى انتخابات جديدة على أساس دستور جديد. وسيتم أيضا اختيار لجنة لصياغة القانون الداخلي للمؤتمر الوطني العام.

والمؤتمر الوطني العام هو الجمعية التأسيسية المنبثقة عن الانتخابات التاريخية التي جرت في السابع من يوليو الماضي، ورحب بها المجتمع الدولي. وفاز تحالف القوى الوطنية الائتلاف الذي يضم أكثر من أربعين حزبا ليبراليا صغيرا بقيادة مهندسي ثورة 2011 ضد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بـ39 مقعدا من أصل 80 مقعدا مخصصة لأحزاب سياسية.

وحزب العدالة والبناء المنبثق عن الإخوان المسلمين الذي يحظى بـ17 مقعدا، هو ثاني تشكيل سياسي في المؤتمر. وقد وزعت المقاعد الـ120 المتبقية على مرشحين مستقلين ما زالت ولاءاتهم ومعتقداتهم غامضة لكن الأحزاب تحاول استمالتهم.

إلى ذلك، هنأت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، الشعب الليبي بمناسبة انعقاد أول جمعية وطنية انتخبت انتخابا ديمقراطيا. وقال بيان أصدرته الخارجية الأميركية باسم الوزيرة التي تقوم بجولة في أفريقيا «بعد أقل من سنة واحدة من سقوط ديكتاتورية راسخة ووحشية، ها هو الشعب الليبي يكتب فصلا جديدا في تاريخه». وقالت كلينتون إن الجمعية الوطنية «تواجه تحديات بناء مؤسسات ديمقراطية، وضمان صياغة دستور جديد، من خلال عملية تتسم بالشفافية، وحماية الحقوق العالمية لجميع الليبيين». ودعت إلى تأسيس حكومة «مسؤولة وصادقة» مع الشعب. وإلى العمل لإحلال الأمن في جميع أنحاء البلاد. وقالت إن الولايات المتحدة «تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع الشعب الليبي خلال هذه الفترة التاريخية من حياته».

ومن جهته، أشاد الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي بتسلم المؤتمر الوطني الليبي العام السلطة الدستورية من المجلس الوطني الانتقالي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، واعتبرها خطوة تشكل حدثا وإنجازا مهما في التاريخ السياسي الحديث لليبيا. وقال العربي أمس إن هذه خطوة على طريق تحقيق أهداف ثورة الشعب الليبي وتطلعاته لترسيخ المسيرة الديمقراطية وتعزيز الحكم الرشيد في البلاد، بعد انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية. وعبر الأمين العام عن ثقته في قدرة الشعب الليبي على المضي قدما في مسيرة البناء الديمقراطي وتشكيل الحكومة الجديدة وصياغة الدستور على النحو الذي يلبي طموحات الشعب الليبي وتطلعاته.