جدل في فرنسا بين رئيسي الجمهورية الحالي والسابق حول سوريا

ساركوزي يريد تدخلا من خارج مجلس الأمن.. والحكومة اليسارية تنتقد «خفته»

شاحنة كبيرة تتعرض للاحتراق بعد أن قصفتها قوات الأسد شمال حلب أمس (رويترز)
TT

لم يكن رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا يتوقع أن يكون الاتصال الهاتفي، الذي حصل بينه وبين الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، يوم الثلاثاء الماضي، والبيان الصحافي الذي صدر عقبه، سيثيران هذه الضجة السياسية والإعلامية في فرنسا ويتحولان إلى مادة للجدال بين العهد الاشتراكي والمعارضة اليمينية. والأسوأ من ذلك، بالنسبة لسيدا أنه قد يكون «استخدم» رغما عنه في حرب اليمين واليسار التي لم تهدأ على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات الرئاسية التي خسرها ساركوزي.

من حيث المبدأ، لا شيء يمنع ساركوزي من الإدلاء برأيه بشأن الملفات الدولية. كذلك، فإن البيان المشترك «بريء» في ظاهره إذ يقول إن ساركوزي وسيدا تحادثا هاتفيا «لأكثر من أربعين دقيقة»، وإن تحليلاتهما «كانت متطابقة إزاء خطورة الأزمة السورية والحاجة لعمل سريع من قبل الأسرة الدولية لتلافي حصول مجازر». وبحسب البيان، فقد توافق ساركوزي وسيدا على «وجود أوجه شبه بين الأزمتين السورية والليبية».

وهذا البيان جاء بعد تسريبات نقلت عن ساركوزي، وفيها ينتقد خليفته في قصر الإليزيه بسبب «بطئه» في التعاطي مع الأزمة السورية، وافتقاد السياسة الفرنسية «للحزم» إزاء النظام السوري، بل غياب أي مبادرة فرنسية ذات معنى. ونقلت تسريبات أخرى أن ساركوزي قال إن هناك «إمكانية» للعمل خارج إطار مجلس الأمن الدولي لوقف المجازر والعنف بحق السوريين. وتبعت هذه «التسريبات» انتقادات عنيفة للمفكر الفرنسي برنار هنري ليفي الذي عبر عن «خيبة أمله» لمواقف الرئيس فرنسوا هولاند من التطورات السورية، ومقارنة «غيابه» مع «حضور» ساركوزي ومبادراته في الملف الليبي.

وجدير بالذكر أن ليفي دفع ساركوزي للوقوف بحزم إلى جانب الثوار الليبيين ودفع الأسرة الدولية للتدخل العسكري بعد تصويت مجلس الأمن على قرار يطلب «حماية المدنيين» في بنغازي من دبابات العقيد القذافي، الذي وعد بتطهير هذه المدينة من الثوار «زنقة زنقة». ما جاء في البيان الذي غاب عنه أي ذكر لهولاند أو للحكومة الفرنسية يشي بانتقادات عنيفة. فالحديث عن «الحاجة» لتدخل الأسرة الدولية يعني أن هذه الأخيرة لم تقم بشيء لوقف المجازر. والإشارة إلى «التشابه» بين ليبيا وسوريا غرضه انتقاد ميوعة الموقف الدولي والدفع باتجاه عمل عسكري. والحال أن الحكومة الفرنسية تكرر بمناسبة وبغير مناسبة أن الحالتين «غير متشابهتين»، وهو ما أكده وزير الخارجية لوران فابيوس الذي كلف الرد على ساركوزي.

وانتقد فابيوس «خفة» ساركوزي في التعامل مع ملف معقد، مبديا دهشته من أن شخصا «تحمل أرفع المسؤوليات» في بلاده يمكن أن تكون له تحليلات من هذا النوع. ولم ينس وزير الخارجية أن يذكر الرئيس السابق بأنه فرش السجاد الأحمر تحت قدمي الرئيس السوري الذي استقبله عام 2008، وكان من بين ضيوف الشرف للعرض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. ومثل فابيوس، فقد انبرى وزير الدفاع ومسؤولون اشتراكيون للرد على ساركوزي ولدعوته للوقوف إلى جانب الدبلوماسية الفرنسية، التي تحاول أن تفعل شيئا ما داخل مجلس الأمن وخارجه. وسبق لليمين أن عاب على الحكومة انتظار ترؤس باريس لمجلس الأمن من أجل دعوته إلى اجتماع على المستوى الوزاري. وكانت فرنسا ترغب في أن يلتئم الاجتماع بداية أغسطس (آب). إلا أنه لن يعقد إلا في 30 من الشهر الحالي، حيث سيكرس بشكل أساسي، كما جاء في بيان للخارجية أول من أمس «للمسائل الإنسانية». وكدليل على اهتمامه بالموضوع، سيقوم فابيوس بناء على طلب الرئيس هولاند بجولة من ثلاثة أيام (من 15 إلى 17 الحالي) تشمل الأردن ولبنان وتركيا، وسيسبقها إرسال مستشفى ميداني وجراحي إلى الحدود الأردنية - السورية لمساعدة اللاجئين السوريين، فضلا عن أن فابيوس سيزور خلال جولته مخيمين للاجئين في الأردن وتركيا.

وما لم يقله ساركوزي علنا، تبرع بقوله وزراء ومعاونون سابقون أخذوا على الرئيس الحالي استمراره في عطلته الاستجمامية تحت شمس الساحل المتوسطي، بينما العنف والقتل مستمران في سوريا. وقارنت الوزيرة السابقة نادين مورانو بين «تصرف» الرئيسين؛ إذ إن ساركوزي قطع عطلته عام 2008 لوقف الحرب بين روسيا وأذربيجان، بينما هولاند لم يتحرك في الملف السوري.

وبعيدا عن الجدل والتوظيفات السياسية الداخلية، فإن من الإنصاف القول إن هولاند استمر على الخط الذي رسمه ساركوزي ووزير خارجيته ألان جوبيه للسياسة الفرنسية في سوريا. ويقوم هذا الخط على ربط أي تحرك عسكري بقرار من مجلس الأمن الدولي وهو ما كرره هولاند أكثر من مرة، عندما كان مرشحا رئاسيا، وبعد أن أصبح رئيسا. كذلك، فإن التدخل العسكري في ليبيا ما كان ليتم لو لم يصوت مجلس الأمن الدولي على القرارين 1970 و1973 في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2011، اللذين فتحا الباب أمام التدخل العسكري. وليس سرا أن معارضة ليبيا الجذرية في مجلس الأمن لأي قرار يخص سوريا، تحت الفصل السابع، سببه أنها تعتبر أن الغرب قد «خدعها»، إذ استغل القرارين المذكورين ليس «لحماية المدنيين» كما جاء في القرار الثاني بل لإسقاط نظام القذافي. ويتساءل دبلوماسي فرنسي سابق في الشرق الأوسط، عن الأسباب التي منعت ساركوزي من التحرك من خارج مجلس الأمن طيلة الأشهر التي عايش فيها الأزمة السورية وهو رئيس للجمهورية، أي طيلة 14 شهرا.