المغرب: إدريس جطو يعود إلى المربع الملكي بتعيينه رئيسا لـ«المجلس الأعلى للحسابات»

ابن كيران يعتذر في بادرة غير مسبوقة للملك محمد السادس ومستشاريه

الملك محمد السادس لدى استقباله إدريس جطو في القصر الملكي بالدار البيضاء الليلة قبل الماضية وتعيينه رئيسا للمجلس الأعلى للحسابات («الشرق الأوسط»)
TT

عاد إدريس جطو، رئيس وزراء المغرب الأسبق، وهو من الشخصيات المقربة من «المربع الملكي»، إلى الواجهة من جديد بعد أن عينه العاهل المغربي الملك محمد السادس، رئيسا «للمجلس الأعلى للحسابات»، وهي هيئة قضائية مالية ينص عليها الدستور، وتتولى ممارسة الرقابة على تنفيذ الموازنات الحكومية، وتقوم بتدقيق وفحص حسابات الإدارات الحكومية ومؤسسات الدولة والبلديات، وتنشر تقارير سنوية حول نتائج عملها.

وقالت مصادر مالية في الدار البيضاء: «إن هذا التعيين هو بمثابة إعطاء نفس جديد لمكافحة الفساد والتبذير وسوء الإدارة في المرافق الحكومية». وقال طارق السباعي رئيس «الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب»، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني، لـ«الشرق الأوسط»: «إن تعيين جطو يعطي آمالا جديدة في مجال مكافحة ظاهرة نهب الأموال والثروات وسوء تدبيرها في البلاد». وأضاف السباعي: «الرجل الذي تم تعيينه من أنظف المسؤولين الذين عرفتهم بلادنا، إضافة إلى أنه تولى في السابق مسؤوليات حكومية كبيرة، ضمنها وزير الداخلية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ثم رئيسا للوزراء، مما يجعله من العارفين بما يجري ويدور في هذه المؤسسات».

ويعتبر جطو رجل «المهمات الخاصة» لأنه يتمتع بثقة كبيرة داخل القصر الملكي. وسبق له أن شغل عدة مناصب حكومية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث تولى وزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية خلال فترات متتالية من عام 1993 إلى عام 1998.

وفي عام 2000 عين جطو ممثلا لمصالح العائلة الملكية في مجموعة «أونا» المالية الضخمة خلفا لعبد الفتاح فرج، كما أشرف خلال السنة نفسها على إعادة هيكلة مجموعة «ماروك سوار» الإعلامية، التي تعتبر أكبر مجموعة إعلامية في المغرب، وتصدر مجموعة من الصحف من بينها «لوماتان الصحراء» التي تعتبر صحيفة شبه رسمية.

ومند انتهاء ولايته رئيسا للحكومة المغربية في عام 2007 تفرغ جطو لأعماله الخاصة قبل أن يعيده التعيين الأخير إلى الواجهة.

ويأتي هذا التعيين في وقت عرضت فيه على المحاكم المغربية مجموعة من قضايا الفساد التي كشفتها تقارير «المجلس الأعلى للحسابات»، من بينها ملف مصرف القرض العقاري والسياحي، الذي يتابع فيه الوزير السابق خالد عليوة، وملف المكتب الوطني للمطارات، وملف شركة الملاحة المغربية «كوماناف»، بالإضافة إلى ملفات سوء الإدارة في البلديات.

ويثير التقرير السنوي الذي يقدمه المجلس الأعلى للحسابات للملك كل عام ضجة كبيرة منذ أن تقرر نشره في السنوات الأخيرة، إذ يتضمن مئات التقارير حول مهمات المراقبة التي أنجزها المجلس في المؤسسات الحكومية والبلديات. ويطالب عدد من هيئات المجتمع المدني التي تنشط في مجال مكافحة الفساد بتوسيع اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات في مجال معاقبة المخالفات المالية في المؤسسات الحكومية، إذ إن صلاحياته تقتصر على التأديب الإداري ورفع ملفات المخالفات ذات الطابع الجنائي للحكومة التي يعود لها القرار في إطلاق المتابعات القضائية بشأنها.

ويقول رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام: «في سياق التحولات التي عرفها المغرب مع اعتماد الدستور الجديد، نطالب بتعديل النظام الأساسي للمجلس الأعلى للحسابات وتوسيع اختصاصاته ليصبح قضاء جنائيا يتمتع بصلاحيات متابعة ومعاقبة المسؤولين الذين يثبت في حقهم ارتكاب مخالفات جنائية، وسلطات تمكنه من استرجاع الأموال المنهوبة واقتفائها خارج الحدود عبر الحسابات المصرفية والممتلكات العقارية للمسؤولين الفاسدين في الخارج».

على صعيد آخر، وفي بادرة غير مسبوقة، نفى عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية وجود «سوء تفاهم بينه وبين المحيط الملكي» في إشارة إلى مستشاري الملك، وقال ابن كيران في توضيحات نشرتها وكالة الأنباء المغربية ردا على تصريحات نسبتها إليه إحدى الصحف المحلية: «يؤسفني أن أعلن للرأي العام أن المقال الذي نشر تحت عنوان (بن كيران: لا تواصل بيني وبين محيط الملك) مليء بالافتراء والدس لإفساد التعاون القائم بين المؤسسات الدستورية تحت قيادة الملك»، وعبر ابن كيران عن أسفه لما اشتمل عليه تقرير إخباري نشرته صحيفة «الصباح» أول من أمس من تأويلات. وقال: «إن التقرير استند في استنتاجاته المغرضة إلى ملاحظة وردت في حوار سابق مع صحيفة (الحياة الاقتصادية) ومكالمة هاتفية عابرة مفادها أننا لم نصل بعد إلى مستوى أكبر من التعاون مع مستشاري الملك». وزاد قائلا: «إنه مع ذلك ولأنه (المحرر) وجد من كلامي ما يبرر به تقريره فإنني لا أملك إلا أن أعتذر إلى الملك عن أي إساءة غير مقصودة أكون قد تسببت فيها ومن خلاله لمستشاريه».