المسرح العربي.. من ميدان الثورة إلى عباءة الإسلام السياسي

مؤلفون ونقاد يرصدونه في ظل مخاوف الغياب

TT

في المسافة ما بين خشبة المسرح ومنصات ميادين الثورة في بلدان الربيع العربي، صعد الوطن إلى الحلبة، ليحتل كل أبعاد الصراع سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وتبارى الممثلون في تنويع أدوارهم، وابتكار زوايا جديدة للمشهد مسكونة بالأمل، لكنهم سرعان ما بدأوا يتحسسون مواقعهم في ظل صعود التيارات الدينية المتشددة وركوبها موجة الثورة، وقد انبرى عدد من قيادات هذه التيارات وكوادرها في إصدار التصريحات التي تجرم مهنة التمثيل وتحرم الفنون بشكل عام، وتهدد مستقبلها.

المسرح؛ هذا الفن الموغل في القدم، الذي بدأ مرتبطا بالطقوس الدينية منذ عصر الفراعنة والإغريق والرومان، والذي يتطور بالتمرد على الصيغ والقوالب الفنية الجامدة، كان لافتا انصراف الجماهير عنه في دول «الربيع العربي» كي يشاهدوا المسرح الحقيقي في الميادين والشوارع. الواقع أصبح مسرحا كبيرا.. لكن هل هذا يلغي حاجة الناس إلى المسرح، تحت وطأة فنون التعبير الحديثة، أم أن هذه مجرد كبوة ضمن الكبوات الكثيرة التي مر بها المسرح عبر عصور تطوره؟

هناك تساؤلات كثيرة تؤرق المثقفين والفنانين عامة، والمسرحيين بشكل خاص، حول مصير الفن في ظل الأحداث المتسارعة.. «الشرق الأوسط» التقت عددا من المتخصصين في المسرح والأكاديميين، لتسأل هل هناك أزمة حقيقية يمر بها المسرح العربي أم لا؟

الدكتورة نهاد صليحة، أستاذة المسرح في معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون، قالت إن الأحداث التي ظهرت على الساحة العربية منذ عام ونصف العام تقريبا «أبرزت نوعا من (الواقع الأكثر مسرحة)»، وغيرت هذه الأحداث الواقع وجعلته «أكثر إثارة لانتباه الجماهير لتنغمس في الأحداث مشاركة أو مشاهدة». وأضافت الدكتورة نهاد: «نحن ما زلنا نعيش فوران اللحظات الحاسمة التي لم يتشكل فيها بعد المشهد كاملا». وتشرح: «هناك صراع اجتماعي وحضاري وآيديولوجي عميق، واهتزازات واضطرابات عنيفة تتعرض لها مجتمعاتنا. وفي ظل هذه الفورانات فإن كل الفنون، وبخاصة المسرح، لم تستطع أن تفعل شيئا سوى التسجيل والرصد للواقع، لذلك نجد ازدهارا في المسرح التوثيقي الراصد للأحداث، الذي لا يقدم وجهة نظر نهائية. وهذا النوع من المسرح يمكن أن نطلق عليه (مسرح الشهادة الحية)، فنحن ما زلنا في مرحلة تجميع الأحداث التي ستشكل في ما بعد المادة التي يمكن صياغتها مسرحيا».