حيلة نووية: تاجر صيني يدعي أنه «صانع ألعاب» كي يحصل على تكنولوجيا أميركية لحساب إيران

شكوك ساورت محققين بعد أن طلب مواد بدت تناسب صناعة مركبة فضائية لا لعب أطفال

TT

قال صانع الألعاب الصيني إنه يسعى للحصول على بعض المكونات من أجل صناعة لعبة «حصان سحري» من المعدن ليلعب به الأطفال في الفناء، لكن المواد الخام الغريبة باهظة الثمن التي أراد الحصول عليها بدت كمواد تناسب صناعة مركبة فضاء لا لعبة. ويأتي على رأس قائمة التسوق التي أرسلها عبر البريد الإلكتروني إلى مصنع في سياتل، 20 طن من فولاذ الماراغين وهو سبيكة صلبة جدا، كثيرا ما تستخدم في صناعة الصواريخ.

ولم يتردد المشتري بسبب السعر وهو 2 مليون دولار، لكنه أصر على سرية الأمر. وقال أحد مساعديه في رسالة بالبريد الإلكتروني: «هذه المادة سلعة خطيرة».

لم يتضح أمر الخدعة إلا خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، حيث لم يكن هذا المعدن متجها إلى الصين بل إلى إيران، والأمر لم يكن له علاقة بلعبة تتخذ شكل حصان على حد قول محققين أميركيين. وقال مسؤول في سلطات تطبيق القانون على علم بالقضية: «نحن متأكدون من أن هدف الحصول على المعدن هو تطوير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في البرنامج النووي الإيراني». وأصدرت وزارة العدل الشهر الماضي مذكرات اتهام بحق شخصين، أحدهما صيني والآخر إيراني بسبب التآمر من أجل الحصول على فولاذ الماراغين ووسائل تكنولوجية أميركية أخرى محظورة. ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه القضية ليست سوى محاولة من محاولات إيران زيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، وتعد الشركات الصينية شريكة في هذه المحاولات.

وشددت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الأوروبية العقوبات على إيران من أجل عزلها عن التكنولوجيا الحساسة والمواد المحظورة اللازمة لبرنامجها النووي وعن سوق النفط العالمي. الهدف من كل ذلك هو منع تقدم إيران باتجاه ما يراه الغرب ترسانة نووية، رغم تأكيد إيران أن البرنامج جزء من برنامج طاقة أغراضه مدنية.

ويعد فولاذ الماراغين من المواد المهمة والضرورية في أجهزة الطرد المركزي الجديدة عالية الكفاءة التي بذلت إيران جهودا كبيرة لسنوات من أجل صناعتها. وسعى مسؤولون إيرانيون في البرنامج النووي إلى الحصول على السبيكة من الشركات الغربية سرا بسبب حظر شرائها بالطريقة القانونية. ويقول المسؤولون الأميركيون إنه على مدى السنوات الماضية تزايد عدد التجار الصينيين الذين عرضوا مساعداتهم من خلال لعب دور الوسيط في مخططات هدفها الحصول على تلك الأنواع من الفولاذ والمواد المحظورة الأخرى واللازمة لمنشآت تخصيب اليورانيوم وكذا لمصانع الصواريخ.

ويقول ستيف بالاك، رئيس مكافحة التجسس في وزارة العدل: «إنهم لا يعتمدون على المصادفات، بل هم محترفون درسوا وكلاء الشراء ومرسلي الشحنات. إنهم يعرفون الأوضاع بالضبط ويعرفون كيف يحققون أهدافهم».

وتعد قضية سياتل هي على الأقل الرابعة التي تتهم فيها شركات مقرها الصين خلال العامين الماضيين بمساعدة إيران في محاولاتها شراء تكنولوجيا حساسة. ورغم استعانة إيران بوسطاء صينيين في السابق، قال مسؤولون أميركيون إن العقوبات اضطرت الحكومة الإيرانية المعزولة المحاصرة لزيادة اعتمادها على الصين في الحصول على سلع محظورة. وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة العدل رفض الإفصاح عن اسمه لمناقشة التحقيقات المستمرة: «في ظل انسحاب بعض الدول من السوق الإيرانية بعد فرض المزيد من العقوبات، يبدو أن كثيرا من الشركات الصينية اتجهت لشغل هذا الفراغ». ورغم إشادة إدارة أوباما بالصين لتخفيضها وارداتها من النفط الإيراني خلال الأشهر الأخيرة الماضية، ازداد حجم التجارة بين طهران وبكين على مدى العقد الماضي من 5.2 مليار دولار عام 2000 إلى 29.3 مليار دولار عام 2010.

وخففت هذه الزيادة من تأثير العقوبات الدولية على حد قول مسؤولين أميركيين ومحللين مستقلين.

جددت هذه القضية الجديدة تحذيرات الولايات المتحدة من التواطؤ الإيراني - الصيني. وإذا كان بمقدور إيران شراء احتياجاتها من فولاذ الماراغين من السوق السوداء، يمكنها صناعة أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا وكفاءة تستطيع تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع من الأجهزة التي تمتلكها حاليا.

ويقول ديفيد أولبرايت، مفتش أسلحة سابق في الأمم المتحدة ومؤلف دراسة جديدة عن شراء إيران للتكنولوجيا النووية: «إنها بمثابة عنق زجاجة كبير في إنتاج إيران». ويرى أنه في الوقت الذي تبدو فيه إيران وقد امتلكت طريقة صناعة أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا، حال النقص في المواد عالية المقاومة التي تحتاجها الأنواع الجديدة، خاصة فولاذ الماراغين وألياف الكربون، دون إنتاج العلماء لما يزيد على بضع مئات للاختبار.

وتعارض الحكومة الصينية رسميًا التسلح النووي الإيراني، ويقول مسؤولون أميركيون إن بكين كانت حليفا متعاونا خلال المفاوضات الدولية الأخيرة التي تهدف إلى الضغط على الحكومة من أجل التراجع عن برنامجها النووي. إضافة إلى ذلك، لا يوجد أي دليل على تقديم الصين مساعدة نووية مباشرة إلى إيران منذ بداية التسعينات. ورغم الاحتجاجات الأميركية المتكررة، لا يزال رجال أعمال صينيون يعرضون على إيران مساعدات حيوية لشراء المواد المحظورة دون خوف من عقاب أو تعنيف على حد قول مسؤولين أميركيين وخبراء في الطاقة النووية.

وربما تكون الحقيقة الأكثر إثارة للصدمة فيما يتعلق بخطة «الحصان اللعبة» كما يقول المحققون هي اكتشافها بالكامل. جاءت المعلومة في نهاية عام 2008 من برنامج سري للأمن الداخلي يشمل زيارات يقوم بها مسؤولون أميركيون لمصانع بين الحين والآخر من أجل حماية التكنولوجيا الأميركية من أي أطراف خارجية تريد سرقتها. وخلال إحدى الزيارات إلى «بيوجيت ساوند» المصنعة للمعادن، أخبر مدير التصدير هناك مسؤول أميركي عن طلبات شراء غريبة من الصين.

وقال مسؤول في سلطات تطبيق القانون مطلع على القضية: «لقد كان طلب شراء كبير، حيث كان من المطلوب شراء 20 طن من فولاذ الماراغين».

أثار ذكر هذا الفولاذ الدهشة لأنه يستخدم في صناعة الصواريخ وأجهزة الطرد المركزي. مرت أشهر ولم تتم متابعة هذا الأمر، ووصلت محاولات المسؤولين الأميركيين للتحقيق في طلب الشراء الغريب إلى طريق مسدود.

في ربيع عام 2009، ظهر طلب جديد من الصين على قائمة الشركة المصنعة للمعادن، لكن هذه المرة زعم المشتري أنه يمثل شركة ألعاب اسمها «موناليلا» التي تعمل في صناعة الألعاب التي توضع في الأفنية. وكان على الموقع الإلكتروني للشركة صور للعب حقيقة بينها أهم منتجاتها وهو «الحصان السحري». وجاء في وصف المنتج: «إنه لا يعمل بالغاز ولا الكهرباء، لكن يمكن امتطاؤه كحصان ويركض بسلاسة في الميادين والباحات والأزقة أو على أي نوع أخر من الأرضيات». ويظهر أعلى هذا الوصف صورة لحصان لعبة أبيض وأسود بسرج وغرة قطنية.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»