موجة من تصاعد النزاعات على الأراضي بين البلدان الآسيوية

بعد أن تحولت المشاجرات التاريخية القديمة إلى أولويات وطنية

TT

إن الجزر والجزر الصغيرة المتنازع عليها في آسيا لا تعدو أن تكون مجرد حفنة متواضعة وغير جذابة، فمعظمها عبارة عن نتوءات صخرية تذروها الرياح وتقع بعيدا عن أي يابسة، وإحداها يوجد بها فنار، ولكن لا بشر.

إلا أن هذه الأراضي بالغة الصغر، التي تنتشر من جنوب شرقي آسيا إلى شمال شرقي القارة، هي محل نزاعات حادة بين بلدان مدفوعة بالنزعة القومية والتعطش المتزايد إلى الثروات الطبيعية التي تقع قبالة شواطئها. وفي وقت تعهدت فيه الولايات المتحدة بأن تلعب دورا أكبر في آسيا، يقول بعض الخبراء الأمنيين إن هذه الأراضي تمثل أكبر نقطة اشتعال ممكنة بعيدا عن كوريا الشمالية.

وتشمل هذه النزاعات على الأراضي نحو 12 بلدا في 3 بحار كبيرة على الأقل، وقد أدت إلى حالة فوضوية من تداخل الصراعات في بعض أكثر طرق الشحن نشاطا في العالم. وهذه النزاعات ليست كلها متصلة، إلا أن المحللين يقولون إن عددا من البلدان الآسيوية الرئيسية، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، سارت في الأشهر الأخيرة على المنوال نفسه، حيث حولت المشاجرات التاريخية القديمة إلى أولويات وطنية، مما أدى إلى تصاعد التوترات وزيادة فرص نشوب صراع مسلح محدود النطاق.

ومن الأسباب التي دفعت هذه البلدان إلى الادعاء بأحقيتها في هذه الأراضي النائية وسط البحر، تنامي حاجتها إلى احتياطيات النفط والغاز الكامنة أسفل المياه المحيطة بها، فاليابان تخشى من التعرض لحالات عجز طويلة الأمد في الطاقة في ظل تحولها عن الاعتماد على الطاقة النووية، والصين (المسؤولة بالفعل عن خمس استهلاك العالم من الطاقة) تسابق لزيادة حصتها وسط اتجاه لتحديث نظامها الاقتصادي.

ويقول روري ميدكالف، وهو مدير الأمن الدولي في «معهد لوي» الذي يقع مقره في سيدني: «تزداد موارد الطاقة أهمية وحيوية هنا. من وجهتي النظر الصينية واليابانية بالذات، هناك إحساس جديد بالحاجة إلى أمن الطاقة. إن أيا من هذين البلدين لا يرغب في التنازل نهائيا عن حقه في أراض قد يكون بها مخزون ضخم من الموارد الهيدروكربونية».

كما أن من الدوافع الأخرى لهذه البلدان الحركات القومية القوية، وإن كانت أحيانا صغيرة الحجم، التي تتحرك داخل فنائها الخلفي، ويقول بعض المحللين إن الإعلام الاجتماعي زاد من حدة النزعة القومية، وخصوصا في الصين، حيث يستطيع مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت أن يتبادلوا آراءهم، وأصبح تجاهل عواطف الجماهير أكثر صعوبة من أي وقت مضى. وهناك بلدان مثل كوريا الجنوبية والصين مقبلة على تغييرات في القيادة هذا العام، مما يجعل المسؤولين الحكوميين يحذرون من التنازل عن هذه المطالبات والظهور بمظهر الضعيف.

ويقول بروس كلينجنر، وهو كبير باحثين وخبير في شؤون شمال شرقي آسيا لدى «مؤسسة هيريتيدج»: «لقد رأينا على مدار التاريخ بلدانا تذهب إلى الحرب بسبب قطعة أرض، منطقة لا يبدو لها أي أهمية، لكنها جزء من تراب الوطن. حتى إذا بدا من غير المنطقي أن تخاطر البلدان بإحراق كل شيء من أجل حفنة من الصخور... فإن هذا هو ما يحدث».

وتتضمن أبرز النزاعات الدائرة حاليا اليابان وكوريا الجنوبية، والصين واليابان، والصين ومجموعة من بلدان جنوب شرقي آسيا، أهمها الفلبين وفيتنام. ومع اتجاه الصين إلى زيادة إنفاقها العسكري وتعزيز قدرتها البحرية، فإن الزعماء الأجانب كثيرا ما يصفونها بأنها القوة المتنمرة في المنطقة، حيث توسع حدودها بالقوة وترهب جيرانها الأصغر منها، إلا أن بلدانا أخرى ردت بإظهار قوتها أيضا، حيث لجأ عدد من بلدان جنوب شرقي آسيا إلى تعزيز تحالفاتها مع واشنطن وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وأعادت اليابان حشد قوات الدفاع الذاتي لديها بهدف زيادة قدرتها على الدفاع عن المياه المتنازع عليها، وفي شهر يوليو (تموز) الماضي، طلب رئيس الفلبين بينينيو أكينو الثالث من برلمان بلاده الموافقة على إجراء تحديث عسكري ضخم يتضمن شراء طائرات جديدة ومروحيات قتالية يمكن استخدامها في الدفاع عن المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وذكر أكينو: «إذا دخل أحدهم فناءك وأخبرك بأنه ملك له، فهل ستسمح له بذلك؟ ليس من الصواب أن نتنازل عما هو حق شرعي لنا».

وقد أصبحت إدارة النزاعات على الأراضي قضية مزعجة بالنسبة للزعماء الآسيويين، وجاءت خطوة أثارت انتقادات كبيرة يوم الجمعة الماضي حينما أقدم الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك، في حيلة واضحة لزيادة شعبيته المتدنية، على السفر بطائرة مروحية في زيارة استغرقت 70 دقيقة إلى جزر دوكدو الصغيرة (تاكيشيما)، التي تدعي اليابان هي الأخرى تبعيتها لها. وأكد لي أثناء وجوده في الجزيرة، التي قام فيها بوضع إكليل من الزهور أمام نصب تذكاري تخليدا لذكرى الكوريين الذين ماتوا دفاعا عن هذا الإقليم: «دوكدو في الأصل هي أرضنا». ولكن سرعان ما خرج وزير الخارجية الياباني كويشيرو جيمبا بتصريح تساءل فيه: «لماذا قام بزيارة الجزيرة في وقت نحتاج فيه إلى النظر إلى الأمور من وجهة نظر واسعة؟ هذا حقا أمر يدعو إلى الأسف».

ويستبعد الخبراء الأمنيون أن يتصاعد النزاع بين اليابان وكوريا الجنوبية إلى مستوى العنف، لأن البلدين اللذين يعدان أقرب حليفين لواشنطن في آسيا، شريكان اقتصاديان يوجد بينهما تعاون وثيق، على الرغم من العداوات المترسبة من أيام الاحتلال الياباني الذي دام 35 عاما. إلا أن المناطق الأخرى في المنطقة أكثر إثارة للمتاعب، وخصوصا تلك التي تدعي الصين ملكيتها، فقد وصف تقرير صدر مؤخرا عن «مجموعة الأزمات الدولية» التي يقع مقرها في بروكسل كيف تجوب الصين البحر عن طريق «9 تنانين»، وهي شبكة من الهيئات الحكومية المتصارعة، التي يحاول الكثير منها زيادة نفوذه وميزانيته.

ويشير التقرير إلى أن «أسطول جيش التحرير الشعبي» يميل إلى القيام بدور هامشي في النزاعات البحرية، مما يسمح بدور أكبر لتفعيل القانون المدني أو للهيئات شبه العسكرية. كما يتحايل عدد متزايد من بواخر الصيد الصينية للعمل في المناطق المتنازع عليها، كما شوهد في مواجهة وقعت في شهر أبريل (نيسان) الماضي بين بكين ومانيلا، بدأت حين تم الإمساك بصيادين صينيين وهم يصطادون بطريقة غير قانونية بالقرب من منطقة سكاربورو شول المتنازع عليها. وفي النهاية، انتصرت الصين في هذه المواجهة وأفلت الصيادون بغنيمتهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»