القمم الإسلامية تاريخ طويل لجمع كلمة المسلمين

أول مؤتمر إسلامي دعا إليه الملك المؤسس قبل 86 عاما

الملك المؤسس يلقي كلمة في حفل استقبال رؤساء وفود الحج عام 1938، وبدا على يساره الأمير سلمان
TT

أعادت مناسبة دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي وجهها إلى إخوانه قادة الدول الإسلامية لحضور مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي الذي سيعقد في مكة المكرمة يومي 26 – 27 رمضان الحالي الموافق 14 – 15 أغسطس (آب) الجاري، بهدف جمع كلمة المسلمين وتحقيق ما تصبو إليه الأمة الإسلامية من آمال وتطلعات، وتحقيق الخير لشعوبها، أعادت هذه المناسبة الحديث عن الجهود التي بذلتها السعودية في تاريخها الحديث لتحقيق وحدة المسلمين والنظر في مختلف المشكلات الإسلامية في ظل التحديات التي تواجهها الأمة والانقسامات السياسية والمذهبية في ظل سقوط الأنظمة ومشكلات اقتصادية كبيرة، ولعل أبرزها الحديث عن دعوة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1926 إلى عقد مؤتمر إسلامي عالمي في مكة المكرمة، للبحث في شؤون المسلمين، واقتراح سبل توحيد كلمتهم، والنظر في مختلف المشكلات الإسلامية، وجاءت هذه الدعوة من الملك المؤسس على أثر قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية، التي كانت تركيا مقرها ومعه اضطرب العالم الإسلامي، وتصاعدت من بعض أقطاره دعوات تنادي باستمرار الخلافة، ومبايعة خليفة جديد، ولم تكن الخلافة مدرجة في جدول أعمال المؤتمر الذي يعد أول مؤتمر إسلامي بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924.

ولبت الدعوة أقطار إسلامية كثيرة، حيث وجه الملك عبد العزيز للمؤتمرين كلمة بهذه المناسبة ألقاها بحضرته مستشاره حافظ وهبة، جاء فيها: «أيها المسلمون، لعل اجتماعكم هذا، في شكله وموضوعه، أول اجتماع في تاريخ الإسلام، ونسأله تعالى أن يكون سنة حسنة، تتكرر في كل عام، عملا بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)» وأضاف: «إنكم تعلمون أنه لم يكن في العصور الماضية، أدنى قيمة لما يسمى في عرف هذا العصر، بالرأي العام الإسلامي، ولا بالرأي العام المحلي، بحيث يرجع إليه الحكام للتشاور فيما يجب من الإصلاح في مهد الإسلام، ومشرق نوره الذي عم الأنام».

وبعد انتهاء الخطاب الملكي قام الملك عبد العزيز وحيا المؤتمرين قائلا: «نسأل الله التوفيق لنا ولكم ولكافة المسلمين، وأن يكون هذا المؤتمر مسرا للصديق، ومكبتا للعدو، وأن ينصر الإسلام ويعلي كلمته إلى يوم الدين، والسلام عليكم جميعا».

وبحث المؤتمر ـ حينها ـ مسائل كثيرة منها: إحصاء أوقاف الحرمين الشريفين في الحجاز وفي سائر الأقطار، ومنها سكة الحديد الحجازية، ووسائل عمران ما في الحجاز منها وضبط ما في الخارج والحصول على ريعه، ووضع نظام لصرف كل ريع يصل إلى حكومة الحجاز من هذه الأوقاف فيما تقتضيه المصلحة، مع مراعاة الأحكام الشرعية، وإصلاح عين زبيدة.

وتعاقب على رئاسة مؤتمر العالم الإسلامي في دوراته الماضية كل من الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود - الملك السعودي الثالث، إدريس السنوسي - ملك المملكة الليبية الراحل، محمد علي جناح - مؤسس دولة باكستان، شكري القوتلي - الرئيس السوري الأسبق، عدن عبد الله عصمان دار - رئيس جمهورية الصومال الأسبق، أمين الحسيني - المفتي الأكبر لدولة فلسطين سابقا، معروف الدواليبي - رئيس وزراء سوريا الأسبق، عبد الله بن عمر نصيف - نائب رئيس مجلس الشورى السعودي سابقا.

فيما يعود تاريخ القمم الإسلامية إلى عام 1969 حيث شارك رؤساء بلدان وحكومات خمس وعشرين دولة إلى جانب ممثلين عن الأقلية الإسلامية في الهند ومنظمة التحرير الفلسطينية في أعمال القمة الإسلامية الأولى التي انعقدت في العاصمة المغربية الرباط خلال الفترة من 22 - 25 سبتمبر (أيلول) 1969.

وأشار إعلان الرباط إلى أن «الحادث المؤلم الذي وقع يوم 21 أغسطس 1969. الذي سبب الحريق فيه أضرارا فادحة للمسجد الأقصى قد أثار أعمق القلق في قلوب أكثر من 600 مليون من المسلمين في سائر أنحاء العالم».

وقرر مؤتمر القمة الإسلامي عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول المشاركة بجدة في شهر مارس (آذار) 1970. وذلك لبحث نتائج العمل المشترك الذي قامت به الدول المشاركة على الصعيد الدولي في موضوع القرارات الواردة في إعلان القمة الإسلامية بالرباط، وبحث موضوع إقامة أمانة دائمة يكون من جملة واجباتها الاتصال مع الحكومات الممثلة في المؤتمر والتنسيق بين أعمالها.

وفي القمة الإسلامية الثانية التي عقدت في لاهور بباكستان خلال الفترة من 22 إلى 24 فبراير (شباط) 1974 وافق ملوك ورؤساء وأمراء وممثلو 35 دولة إسلامية، إضافة إلى فلسطين الممثلة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في أعمال القمة الإسلامية على قرارات خاصة بالقدس والشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وصندوق التضامن الإسلامي والتنمية والعلاقات الدولية وأمور أخرى. أما القمة الثالثة التي عقدت في مكة المكرمة خلال الفترة من 25 ـ 28 يناير (كانون الثاني) 1981 ناقشت قضية فلسطين والشرق الأوسط والوضع في أفغانستان والنزاع العراقي الإيراني. وانعقدت القمة الإسلامية الرابعة في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة ما بين 16 و19 يناير 1984، وشارك في أعمالها ملوك وأمراء ورؤساء وممثلون عن 42 دولة، بينما انعقدت القمة الإسلامية الخامسة في الكويت تحت عنوان «دورة التضامن الإسلامي» في الفترة من 26 - 29 يناير 1987. وذلك بمشاركة ملوك وأمراء ورؤساء وممثلين من 44 دولة عضوا.

وعقدت عدد من القمم الاستثنائية التي جاءت لمعالجة عدد من الموضوعات ذات الأحداث العاجلة، فالقمة الاستثنائية الأولى خصصت لمناقشة قضية جامو وكشمير وفلسطين وعقدت في إسلام آباد عاصمة باكستان في 23 مارس 1997.

وخصصت القمة الاستثنائية الثانية التي عقدت في الدوحة، قطر، في 5 مارس 2003 حيث اجتمع القادة المسلمون لمرة ثانية في قمة استثنائية لتدارس التهديدات باحتمال شن هجوم عسكري على العراق والظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتبنوا بيانين، الأول بشأن العراق حيث أعلنوا رفضهم القاطع لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أي دولة إسلامية وعلى ضرورة حل المسألة العراقية بالطرق السلمية في إطار منظمة الأمم المتحدة وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

كما قرروا امتناع الدول الإسلامية عن المشاركة في أي عمل عسكري يستهدف أمن وسلامة ووحدة أراضي العراق أو أي دولة إسلامية، ودعوا المجتمع الدولي بالعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل.

وعقدت الدورة الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي بمكة المكرمة في 7 و8 ديسمبر (كانون الأول) 2005، وتعد القمة نقطة تحول في تاريخ العالم الإسلامي.

وتبنت القمة بلاغ مكة وتقرير الشخصيات البارزة وبرنامج العمل العشري لمواجهة تحديات الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين وهو إنجاز مهم في حد ذاته، فيما توالت القمم لمعالجة الكثير من الأمور العاجلة والاستثنائية حتى قمة التضامن الإسلامي في مكة المكرمة التي ستعقد اليوم في رحاب مكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وفي القمة الإسلامية السادسة التي عقدت في العاصمة السنغالية داكار خلال الفترة 9 - 11 ديسمبر 1991 وعرفت بدورة القدس والوئام والوحدة، وناقشت عددا من الموضوعات المتعلقة بالجوانب السياسية والثقافية، وركزت القمة الإسلامية السابعة التي عقدت في الدار البيضاء بالمملكة المغربية خلال الفترة من 13 ديسمبر 1994 وتضمنت الكثير من القرارات المهمة التي جاءت في إعلان الدار البيضاء، وفي القمة الإسلامية الثامنة التي عقدت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية - طهران خلال الفترة من 9 - 11 ديسمبر 1997 أكد القادة مجددا عزمهم على دعم التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء، وأملهم في أن تتخذ جميع المنظمات الإقليمية في العالم الإسلامي التدابير العملية والفعالة من أجل توسيع التعاون في جميع المجالات، إلى جانب التأكيد على أهمية إنشاء سوق إسلامية مشتركة تمثل خطوة مهمة نحو تدعيم التضامن الإسلامي وتعزيز حصة العالم الإسلامي في التجارة العالمية.

وركزت القمة الإسلامية التاسعة التي عقدت في دولة قطر - الدوحة خلال الفترة من 12 - 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، على دراسة الأوضاع الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة من جراء الأعمال الوحشية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وتوجت بإصدار بيان تحت عنوان «انتفاضة الأقصى».

أما القمة الإسلامية العاشرة فجاءت بعنوان «دورة المعرفة والأخلاق من أجل تقدم الأمة الإسلامية» وعقدت في مدينة بوتراجايا بماليزيا خلال الفترة من 16 - 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وناقشت عددا من القضايا من أهمها المتعلقة بالقدس وفلسطين، إضافة إلى القمة الإسلامية الحادية عشرة التي عقدت في العاصمة السنغالية - داكار في عام 2008 حيث ناقشت جملة من القضايا المهمة التي تتعلق بالقدس وفضية فلسطين وشؤون الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء وأنشطة الدعوة وإعادة تنشيط لجنة تنسيق العمل الإسلامي.