الفاتيكان يقرر محاكمة كبير خدم البابا وشريك له.. والتحقيق مستمر

أطلق عليها اسم «فاتيليكس» وما زال يلفها غموض كبير

باولو غابرييلي كبير خدم البابا (إ.ب.أ)
TT

أعلنت محكمة في الفاتيكان أمس أنها ستحاكم كبير خدم البابا باولو غابرييلي بتهمة تسريب وثائق سرية، وكذلك ستحاكم شريكا له ظهر اسمه للمرة الأولى ويدعى كلاوديو شاربيليتي وهو خبير معلوماتية في سكرتارية الفاتيكان.

وقال قاضي التحقيق بيارو بوني في بيان نشر في الفاتيكان إن غابرييلي سيحاكم بتهمة السرقة وشاربيليتي، خبير التحليل والبرمجة في سكرتارية الفاتيكان التي تعد حكومته المركزية، بتهمة التواطؤ.

من جهته، قال الناطق باسم الكرسي الرسولي الأب فيديريكو لومباردي في مؤتمر صحافي إن المحاكمة لن تبدأ قبل 20 سبتمبر (أيلول) المقبل، من دون أن يضيف أي تفاصيل. لكنه أوضح أن مسؤولية شاربيليتي «هامشية» ولا يمكن اعتباره «شريكا». وأكد لومباردي أن التحقيق مستمر مع أشخاص آخرين قد يكونون متورطين في قضية «فاتيليكس».

وأضاف أن النائب نيكولا بيكاردي قال إن القضاء وجد نفسه أمام «واقع واسع ومعقد جدا». وتابع: «نعتقد أننا لم ننجز العمل بعد، والقضاء سيواصل عمله، ويبقى التحقيق مفتوحا ضد أشخاص آخرين متورطين على ما يبدو». وتابع أن النيابة والمحامين أجروا فحوصا للحالة العقلية لغابرييلي كشفت أنه في حالة طبيعية لكنها هشة.

وتحدث تقرير أحد الخبراء واسمه تونيو كانتيلمي عن «خلل نفسي خطير يتسم بالقلق والتوتر والغضب والإحباط».

وكشف التقريران عن «تناقض كبير» بين «نية غابرييلي فعل الخير» للبابا و«خطورة الأعمال التي قام بها»، على حد قول لومباردي. وبين الأشياء التي عثر عليها في شقته «كومة من الوثائق الموضوعة بشكل فوضوي» وشيك بقيمة مائة ألف يورو مرسل إلى البابا. وقد وضع باولو غابرييلي (46 سنة) الذي أوقف في 23 مايو (أيار) الماضي، في الإقامة الجبرية بمنزله في الفاتيكان في 21 يوليو (تموز) الماضي بعد اعتقاله 53 يوما في زنزانة في قصر المحكمة وراء كنيسة القديس بطرس لأنه ليس هناك سجن في الفاتيكان.

وفي قضية «فاتيليكس» التي سربت خلالها مئات الوثائق السرية إلى صحافيين إيطاليين منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، يعتبر كبير الخدم المتهم الوحيد. واتهم غابرييلي بأنه سرق من على مكتب المونسنيور جورج غانشفاين السكرتير الخاص للبابا عدة رسائل شديدة السرية بعضها موجه إلى يوزف راتزنغر، وأنه صورها لتسريبها خارج الفاتيكان.

وقد بدأ غابرييلي المتزوج والأب لثلاثة أطفال، وهو رجل متدين يحمل جنسية الفاتيكان، العمل كبير خدم البابا في 2006. وكان مكلفا بإعداد ثياب الاحتفالات ومرافقة البابا في سياراته الخاصة، وكان «أول وآخر من يرى البابا»، حسب مصادر مطلعة في الفاتيكان. وقال مقربون من البابا إن بنديكتوس السادس عشر شعر بألم كبير من هذه الخيانة.

ونفى كارلو فوسكو، أحد محاميه، «قطعا» الفرضية القائلة بأن شخصيات أكثر نفوذا تلاعبت بغابرييلي. وقال إن كبير الخدم كان يريد بمفرده أن «يساعد» البابا بدافع «الحب» وأن يجعل «الكنيسة أكثر حيوية». ويصعب تصديق هذه الفرضية لأن بعض الوثائق سربت حتى بعد اعتقاله.

واستمرت التحقيقات على مستويين: تحقيق داخلي قامت به لجنة من ثلاثة كاردينالات منحت صلاحيات واسعة يمكنها استجواب كاردينالات آخرين، وتحقيق قضائي.

وتمت مقارنة الاتصالات المدرجة على الهاتف الجوال لكبير الخدم والعديد من الوثائق التي عثر عليها في منزله الأمر الذي استغرق بعض الوقت. وتم استجواب ثلاثين مدنيا ورجال دين.

وأثارت هذه الفضيحة غير المسبوقة العديد من الفرضيات في وسائل الإعلام الإيطالية التي تحدثت عن تورط كاردينالات في مؤامرة تهدف إلى عزل الرجل الثاني في الفاتيكان ترسيزيو برتوني. لكن هذه الفرضية لم تلق أي تأكيد من الفاتيكان، بينما أعرب البابا مرارا عن «دعمه الكامل» لمساعده. وفي حال محاكمته، قد يحكم على كبير خدم البابا بالسجن لما بين سنة وست سنوات.

وطلب غابرييلي العفو من البابا الذي قد يقرر في أي وقت أن يعفو عنه، لكن بنديكتوس السادس عشر ربما يعفو عنه شخصيا وليس قضائيا.

ويحرص البابا على احترام سير القضاء بعد سلسلة من فضائح الفساد واستغلال الأطفال جنسيا هزت الكنيسة الكاثوليكية. ولدى نشره كتابا مثيرا بعنوان «سوا سانتيتا» (قداسته) يتضمن عدة وثائق مختلسة، أكد الصحافي الإيطالي جانلويجي نوزي أن تلك الوثائق صدرت عن مجموعة أشخاص «يعملون ويعيشون في الفاتيكان ويعبرون عن الحيرة والانتقادات نفسها». وأكد أحدهم: «كنا نشعر بالإحباط عندما نجد أنفسنا عاجزين أمام مظالم كثيرة ومصالح شخصية وحقائق مخفية». وأضاف: «نحن مجموعة تريد أن تتحرك ولا أحد منا يعرف الآخر، وعندما ستنشر هذه الوثائق ستشهد الإصلاحات التي بدأها بنديكتوس السادس عشر تسريعا حتميا».