مصادر فلسطينية رسمية: السلطة ترجح اعتماد المخرج الذي اقترحه أمين عام الجامعة العربية

أبو مازن يقدم طلب الانضمام إلى الجمعية العامة في سبتمبر.. والتصويت بعد الانتخابات الأميركية

TT

كشفت أحداث سيناء وغزة الجدل الدائر حاليا في أوساط صناعة القرار الفلسطيني حول التوقيت الأجدى لتقديم منظمة التحرير ورئاسة السلطة الفلسطينية طلبا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لقبول فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية.

وقالت مصادر فلسطينية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إنه بعد «ضياع عام كامل» على المحاولة المجهضة التي قام بها الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن الدولي، فإن (هاجس) الفلسطينيين اليوم «تحاشي معاودة التجربة الفاشلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة» التي لا يطلب منها الفلسطينيون الاعتراف بدولتهم عضوا في الأمم المتحدة بل قبولها دولة غير عضو.

ولا يتخوف الفلسطينيون من عدم حصولهم على الأكثرية اللازمة في الجمعية العامة، حيث لا يوجد حق استخدام «الفيتو» لقبول طلبهم، إذ إن هذه الأكثرية مضمونة تماما إذا احتسبت الأصوات العربية والإسلامية والأفريقية وأصوات بلدان أميركا اللاتينية والآسيوية التي من شأنها توفير أكثرية مريحة، بل من «العقوبات» التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في حال مضت السلطة الفلسطينية في مشروعها.

وأفادت المصادر الفلسطينية بأن السلطة «تواجه ضغوطا كبيرة» من جانب واشنطن وبعض العواصم الأوروبية والعربية لتأجيل قرارها، بحجة أن تقديم الطلب يمكن أن يتم في أي لحظة كما يمكن دعوة الجمعية العامة للاجتماع في أي يوم كان.

ويريد الفلسطينيون مبدئيا، تقديم طلب إلى الجمعية العامة بمناسبة الخطاب الذي سيلقيه الرئيس محمود عباس أمامها الشهر المقبل. وبحسب هذه الأوساط، فإن أبو مازن سيلقي خطابه الذي سيضمنه طلب الاعتراف يوم 27 سبتمبر (أيلول). وبحسب الجانب الفلسطيني، فإن هذا التوقيت «لا تراجع عنه تحت طائلة فقدان ما تبقى من المصداقية السياسية للسلطة لدى الشعب الفلسطيني إذا ما عمدت، تحت الضغوط، إلى تأجيل جديد».

وترفع بوجه الفلسطينيين حجج عديدة، أولها ضرورة «عدم حشر» الرئيس الأميركي باراك أوباما بالموضوع الفلسطيني قبل 5 أسابيع على المنازلة الانتخابية الكبرى، خصوصا أن وضعه «غير مريح»، وبالتالي سيكون «مضطرا» لمجاراة الموقف الإسرائيلي الرافض تحت ضغط حاجته للأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية.. فضلا عن ذلك، يشهد الكونغرس تصاعد حملة الضغط على الإدارة لحملها على قطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية التي بقيت العام الماضي تحت سقف الـ50 مليون دولار بعد أن كانت تتراوح ما بين 150 و500 مليون دولار في السنوات السابقة. ويترافق ذلك مع ضغوط مالية إسرائيلية لمعاقبة السلطة على سعيها العام الماضي للانضمام إلى المنظمة الدولية عبر مجلس الأمن، وللمعركة «الناجحة» التي خاضتها لاعتراف اليونيسكو بها كدولة عضو كاملة العضوية. وعمدت إسرائيل إلى حجب العائدات المالية التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية عن الواردات والصادرات بغرض تركيعها وشل حركتها. وكل ذلك يفسر إلى حد بعيد الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها إدارة الرئيس أبو مازن العاجزة حتى الآن عن دفع رواتب موظفيها عن شهر يوليو (تموز)، إذ إن هذه العائدات تشكل ثلثي الميزانية.

إزاء هذا الوضع، تسعى السلطة إلى بناء خط دفاعي يقوم أولا على الاحتماء بالجامعة العربية التي أعربت عن دعمها لرغبة الفلسطينيين بالتقدم بطلب إلى الجمعية العامة. ومن المنتظر أن تتبنى الجامعة رسميا في اجتماعها بتاريخ 5 سبتمبر في القاهرة، الطلب الفلسطيني وتقوم بتقديمه إلى الجمعية العامة. ومن «فضائل» هذا الحل أنه يضع واشنطن في موقف حرج، إذ سيقول لها الفلسطينيون إنه «يتعين عليها معاقبة الجامعة العربية التي تقدمت بالطلب» وليست السلطة.

بموازاة ذلك، تسعى السلطة لاجتذاب عدد واسع من الدول الأوروبية لموقفها، بحيث تدحض الحجة الإسرائيلية التي تتحدث عن «الأكثرية العددية الآلية» و«الأوتوماتيكية» التي تقف باستمرار إلى جانب الفلسطينيين وضد إسرائيل. وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن السلطة تريد تنسيق التحرك في الجمعية العامة مع باريس التي كانت عرضت العام الماضي عليها التخلي عن مجلس الأمن والتوجه مباشرة إلى الجمعية العامة. وقد فاتح أبو مازن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالموضوع ولقي منه تشجيعا.

ويتخوف الأوروبيون من أن الحصول على وضعية الدولة غير العضو، سيمكن الفلسطينيين من الانضمام إلى جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وخصوصا التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل، ويريدون من الفلسطينيين ضمانات بعدم سلوك هذا الدرب. وترى المصادر الفلسطينية أن التوصل إلى صيغة «تسوية» مع الأوروبيين سيحفز 24 دولة أوروبية «من أصل 27 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي» لتصوت لصالح الاعتراف وعلى رأسها الدول الأوروبية الكبرى «فرنسا، بريطانيا، ألمانيا.. ».

ورجحت المصادر الفلسطينية أن تتبنى السلطة المخرج الذي قدمه أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي الذي اقترح أن يقدم أبو مازن الطلب في شهر سبتمبر على أن يتم التصويت عليه في الجمعية العامة في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. ومن شأن هذا الحل أن يحافظ على ماء وجه الفلسطينيين وألا يحرج أوباما لأنه سيأتي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وفي تعميم وجه للبعثات الفلسطينية في الخارج اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، اعترفت الرئاسة بأن ثلاثة من الشروط الأربعة الضرورية للاعتراف بالدولة الفلسطينية متوفرة، حيث «وجود سكان دائمين، وأرض محددة للدولة، أي الضفة والقطاع، والقدرة على إقامة علاقات مع سائر الدول»، لكن الإشكالية تكمن في البند الرابع الذي ينص على وجود «حكومة معترف بها وذات سيادة» بسبب الانقسام ما بين الضفة وغزة. إلا أن المصادر الفلسطينية ترى أن هذه العقبة يمكن تجاوزها، والدليل على ذلك أن لجنة مجلس الأمن التي فحصت الطلب الفلسطيني العام الماضي لم ترفضه بسبب الشرط الرابع، بل رفض الطلب لعدم توفر أصوات الثلثين في المجلس.

هل ستسير القيادة الفلسطينية في هذا الخيار حتى النهاية؟ المصادر الفلسطينية ترد بالإيجاب، ليس من باب التحدي بل بسبب غياب أي خيار آخر، وهمها هذه المرة ألا يجهض الطلب الفلسطيني في منتصف الطريق بعد تجربة العام الماضي الفاشلة.