فابيوس يبحث الملف السوري في الأردن ولبنان وتركيا

هولاند لا يريد «الضغط» علىأوباما في مواقف ومقترحات متشددة تربك حملته الانتخابية

TT

يصل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى عمان اليوم، المحطة الأولى من جولة الأيام الثلاثة التي ستقوده إلى لبنان وتركيا، وتتركز على تطورات الوضع السوري بجانبيه الإنساني والسياسي. ويلتقي فابيوس في الدول الثلاث نظراءه وزراء الخارجية، كما يستقبله ملك الأردن عبد الله الثاني والرؤساء اللبنانيون الثلاثة (الجمهورية والحكومة ومجلس النواب)، بينما تقتصر محادثاته في أنقره على نظيره أحمد داود أوغلو.

ويقوم فابيوس بصحبة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، بزيارة لمخيم للاجئين السوريين القريب من الحدود الأردنية - السورية، حيث أقامت فرنسا مستشفى عسكريا ميدانيا، كما يقوم بالأمر نفسه لاحقا في تركيا. وبحسب البيان الصادر عن الخارجية الفرنسية أمس، فإن فابيوس سيلتقي في جولته ممثلين عن المنظمات والهيئات الناشطة في العمل الإنساني لمساعدة اللاجئين السوريين.

وعلى الرغم من إعادة تأكيد الخارجية على أن الهدف الأول للزيارة هو «التعبير عن دعم فرنسا للاجئين»، فإن باريس حرصت على إعطائها طابعا سياسيا وضعته في إطار المساعي الجارية «للدفع باتجاه تحقيق عملية انتقال سياسي سريعة وذات مصداقية» في سوريا.

وتأتي جولة فابيوس على خلفية انتقادات حادة دأبت المعارضة الفرنسية اليمينية على توجيهها في الأيام الأخيرة لرئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، متهمين إياه بـ«الخنوع والرتابة الدبلوماسية، وغياب أي مبادرة حقيقية»، مقارنة مع الأسلوب الذي كان يسير عليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. وتفاوتت دعوات قادة المعارضة بين من يطلب من هولاند - مثل جان فرنسوا كوبيه، أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني - بأن يضع حدا لعطلته الصيفية ويعود إلى باريس ليقود فعليا دبلوماسية بلاده في الملف السوري.. ومن يلح عليه، كرئيس الحكومة السابق فرنسوا فيون، في أن يسارع بالتوجه إلى موسكو - والأفضل مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بالتخلي عن نظام الرئيس الأسد، وعندها «سيسقط في الحال».

ووفق المعارضة، فإن مسؤولية باريس مضاعفة، لكونها تترأس مجلس الأمن الدولي خلال شهر أغسطس (آب) الحالي، ولذا ترى أنه من «غير المعقول» أن تنتظر الرئاسة والحكومة نهاية العطلة الصيفية (يوم 21) قبل اتخاذ مبادرة دبلوماسية «قوية».

ويرى مراقبون في العاصمة الفرنسية أن حملة اليمين ترتدي طابعا سياسيا داخليا بالدرجة الأولى قبل أن تكون تعبيرا عن حرص على نجاح الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد، خصوصا أن الخط الذي ينتهجه هولاند لا يختلف كثيرا عن سياسة ساركوزي الذي عايش الأزمة السورية طيلة 14 شهرا. وعلى الرغم من أن استطلاعا للرأي أفاد بأن 52 في المائة من الفرنسيين يدعمون تدخلا عسكريا دوليا في سورية، فإن أكثرية واضحة منهم (61 في المائة) ترفض مشاركة فرنسية فيها.

وهكذا، فبعد مائة يوم على بداية عهده، تبدو السياسة الخارجية، وتحديدا إزاء الملف السوري، نقطة الضعف التي تسعى المعارضة لاستغلالها ضد الرئيس هولاند. ومن التفسيرات الرائجة في باريس أن «شحوب» الدبلوماسية الفرنسية في الملف المذكور سببه رغبة هولاند في عدم «ضغط» الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن طريق تلافي التعبير عن مواقف متشددة أو دعوات للتدخل العسكري لا تريدها الإدارة الأميركية في الوقت الحالي.

ويفضل هولاند ومعه اليسار الفرنسي فوز الرئيس أوباما بولاية جديدة، على أن يكون الرئيس الأميركي الجديد يمينيا محافظا ومتشددا. وخلال الفترة القصيرة المنقضية من رئاسة هولاند، نجح في نسج علاقات ثقة مع أوباما الذي يجد فيه حليفا في موضوع الأزمة الاقتصادية والحاجة للتركيز على النمو الاقتصادي طريقا للخروج من حالة الكساد، في مواجهة «المدرسة» الألمانية التي تركز أولا على موضوع الديون السيادية وأولوية خفضها. وثمة «قناعة» فرنسية مفادها أن واشنطن «لن تتحرك» قبل الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ونسبت مصادر فرنسية رسمية استدارة باريس لتفضيل معالجة البعد الإنساني (اللاجئين) في الأزمة السورية بدل إعطاء الأولوية للبعد السياسي، إلى خلاصة مفادها أن روسيا لن تتزحزح عن موقفها الداعم للنظام السوري في القريب العاجل. ولذا، فإن أي جهود سياسية في إطار مجلس الأمن تدفع باتجاه الانتقال السياسي أي تنحية الأسد ستلاقي معارضة موسكو (وبكين)، وبالتالي من الأجدى لتلافي الانقسام في هذه الحال السعي للتعاون مع موسكو انطلاقا من الملف الإنساني «الحيادي». وهذا الأمر يفسر تركيز جولة فابيوس على اللاجئين، وهو ما سيبرز مجددا بمناسبة انعقاد مجلس الأمن في 30 من الشهر الحالي على المستوى الوزاري، وبرئاسة فابيوس نفسه.