جيل جديد من الضباط المصريين يتطلع الى مرحلة جديدة

شكاوى من ضعف الرواتب والمعدات غير المطابقة للمواصفات خلال المرحلة السابقة

TT

خلال عملية التغيير التي أجراها لقيادات الجيش المصري اعتمد الرئيس محمد مرسي على الضباط الأصغر سنا الذين ألقوا باللائمة على الحرس القديم في سلسلة المشكلات داخل الجيش وتورط القوات المسلحة في الشؤون السياسية في البلاد، بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق، حسني مبارك.

وخلال المقابلة التي أجريت معه قال أحد الضباط رفيعي المستوي، إن معنويات الجيش ضعفت إلى حد بعيد بسبب ضعف الرواتب، والمحسوبية، والمعدات غير المطابقة للمواصفات، وغياب فرص الترقي، والتخبط الكبير بشأن دور قادته.

تبلورت تلك الشكاوى الأسبوع الماضي بعد مصرع 16 جنديا مصريا على يد مسلحين في شمال سيناء، وهو ما تسبب في حالة من الحرج بين صفوف قادة الجيش. وقال ضابط، قائد وحدة، لم يكن مخولا بالحديث إلى الصحافة وطلب عدم ذكر اسمه: «الجيش لم يتغير. أعطني معدات كي أعمل، لا يمكنك أن تعطيني سيارات متهالكة، و100 جندي وتطلب مني تأمين 30 كيلومترا في الصحراء».

تغيير القيادات أعد الساحة للتكهنات. فتحول توازن القوى بشكل واضح إلى مرسي، مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة القوي، الذي أدار البلاد في أعقاب ثورة العام الماضي، لم يستقر بعد، لكنها لا تزال في مكانها. ويوم الاثنين الماضي، بعد إقالة جنرالات الجيش، لم تصدر أي إشارات على تعبئة الجيش اعتراضا على ذلك.

دفع ذلك كثيرا من المحللين إلى الشك في أن الرئيس توصل إلى تسوية مع الجيل الجديد من قادة الجيش الراغبين في استعادة مصداقية القوات المسلحة وتحسين صورتها والحفاظ على مكانة الجيش المتميزة في المجتمع.

كان مرسي قد أقال وزير الدفاع المصري، المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان، سامي عنان، وأحال أيضا عددا من قادة القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي إلى التقاعد. وقد حاول المصريون جاهدين البحث عن دلائل حول ما إذا كانت هذه التغييرات بداية لحقبة جديدة من الصراع بين الجيش ومرسي، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين.

وقال الضابط: «تغيير هؤلاء القادة كان خطوة ذكية من مرسي. فقد انتظر التوقيت المناسب، عندما أخذت البلاد بالفعل خطوات على المسار الصحيح».

سواء حدث ذلك في صفقة لمرسي مع الضباط الأصغر سنا في القوات المسلحة أم لم يفعل، فقد عزز ذلك من مصداقيته بين القوى السياسية خارج الإخوان المسلمين الذين كانوا ينادون بإنهاء سيطرة الجيش على مقاليد الأمور. في الوقت ذاته، حصل على ولاء مجموعة من الضباط الذين يدينون بشهرتهم إليه.

منذ الثورة، كانت مكانة الجيش المصري موضع شد وجذب بين الإخوان المسلمين، الحزب السياسي الأقوى في البلاد، والقوات المسلحة، ممثلة في المشير حسين طنطاوي والمجلس العسكري.

تنامى هذا الصراع بشكل أكثر صدامي عندما شعر الإخوان المسلمون ومرسي بالتضييق عليهم في الرئاسة قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت ربيع العام الحالي، الذي تطور إلى صراع حول السلطة السياسية التي أدت إلى مزيد من الاستقطاب لأمة منقسمة بالفعل.

يرى عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن عملية المفاوضات التي جرت خلال عام ونصف العام أثبتت فشلها. وأن الجيل الأصغر من قادة القوات المسلحة، الذين يدركون هذه الحقيقة، قد يكونون قد رحبوا بالتغيير في القيادة.

من بين هؤلاء اللواء عبد الفتاح السيسي، الذي عينه مرسي وزيرا للدفاع خلفا للمشير طنطاوي. وقال شاهين، الذي أكد الحاجة إلى إعادة تحسين صورة الجيش: «أرى عشرات الأسباب في ضرورة تعاون السيسي، ولو أنني في مكانه لقلت: ربما إذا تمكنا من إزاحة هؤلاء الجنرالات العنيدين، لحدث شيء ما».

منح مصرع الجنود سببا إضافيا لصغار الضباط للتحرك. وأضاف شاهين: «كان هذا دون شك فشلا تتحمل مسؤوليته المؤسسة العسكرية».

جعلت الطبيعة المبهمة للجيش المصري من الصعوبة بمكان تحديد طبيعة النقاشات التي جرت، فقال البعض إن عددا قليلا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بمن في ذلك اللواء عبد الفتاح السيسي، أبدوا رغبة في التسوية مقابل سلطات أقل من السلطات الأوسع نطاقا التي كان يتمتع بها المشير طنطاوي وحلفاؤه.

ويقول عمر عاشور، أستاذ في جامعة إكستير البريطانية، والموجود حاليا في القاهرة: «أعتقد أن هناك عددا محدودا في المؤسسة العسكرية ممن يرغبون في امتلاك حق النقض في القضايا الخارجية الحساسة، بما في ذلك القضايا الخاصة بإسرائيل وإيران، أو أي أمر يمكن أن يدفع البلاد في مواجهة مع دول أجنبية. وسوف يرغبون في التفاوض حول استقلال إمبراطوريتهم المالية.

وأضاف عاشور مشيرا إلى السلطات السياسية الواسعة التي حصل عليها الجنرالات في الجزائر في التسعينات وتدخلات الجيش التركي في السياسات الداخلية: «أبدى السيسي ميلا للحصول على سلطات أقل، على عكس السلطات التي حصل عليها عنان وطنطاوي، الذي تمتع بسلطات مشابهة لما حصل عليه الجيش الجزائري ممتزجة بشرعية الجيش التركي».

يبقى أن نرى ما إذا كانت صيغة جديدة ستغير إلى حد بعيد العلاقة بين الجيش المصري والسلطات المدنية. وتساءل روبرت سبرينغبورغ، أستاذ في كلية الدراسات البحرية العليا في مونتري بولاية كاليفورنيا، والخبير في شؤون الجيش المصري: «هل سيكون ذلك انقساما آخر بين الجيش والسلطات المدنية، بوجود مجموعة جديدة في قيادة السلطة العسكرية؟».

وقال: «هل سيسطر الإخوان المسلمون على الجيش؟ أم هل ستكون تلك بداية سيطرة ديمقراطية؟».

ورغم تأكيد سبرينغبورغ على عدم اتضاح الأمور بعد بشأن ما إذا كانت هذه المبادرة قد صدرت عن مرسي أو الضباط الأصغر سنا، كانت هناك مطالبات دائمة بالتغيير من داخل الجيش. وقال: «هناك استياء واسع النطاق في الجانب المهني تجاه طنطاوي ورفاقه».

وأشار سبرينغبورغ إلى أن الأداء لم يكن يكافأ، موضحا أن الضباط كانوا يرسلون للتدريب قبل أن يتم تهميشهم، وقال: «كان الافتراض بأن الجيش للاستعراض فقط. وكان الجنود يقولون: إنهم لا يرغبون في أدائنا أي عمل، لا في التحليق بطائرة أو قيادة دبابة».

وأوضح قائد الوحدة إن رواتب الجنود كانت ضئيلة للغاية، والمعدات متهالكة، وتفشي حالة من السخط على طول بقاء قيادات الجيش في مناصبهم كان كبيرا. وقال: «انتهى الأمر بالنسبة للفريق سامي عنان. نحن نريد التطور، ودماء جديدة، نحن لا نرغب في وزراء يحافظون على مواقعهم لـ30 أو 40 عاما بعد الآن».

ويقول قائد الوحدة، لم يكن أمام مرسي سوى إقالة المشير طنطاوي، فإذا ما سألت أي شخص عمن يحكم البلاد لكانت الإجابة هي: المشير».

هذا لا يعني أن القائد ومواليه من الضباط أكثر ارتياحا للرئيس الجديد.

وأضاف: «الحقيقة أننا قلقون لأنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين. نحن قلقون من إمكانية أن يشكل ذلك خطوة للفوز بولاء قادة جدد، استعدادا لخطوة أخرى في المستقبل. رغم ذلك، كانت خيارات الرئيس حكيمة واختار أشخاصا محترمين يفهمون طبيعة عملنا. فالأفراد هنا سعداء للغاية».

* أسهمت إليزابيث بوميلر في كتابة التقرير من فورت كامبل

* خدمة «نيويورك تايمز»