وزيرة المرأة التونسية: يزعجني وجود مزايدات بقضايا المرأة دائما

سهام بادي: 29% من المجلس التأسيسي نساء.. وأي عبارات في الدستور قد تفتح أبوابا للتأويل أدعو لإيضاحها * الحرية استعملت مطية من قبل السلفيين لتمرير المشروع المجتمعي الذي يريدونه

وزيرة المرأة التونسية سهام بادي
TT

قالت سهام بادي وزيرة المرأة التونسية لـ«الشرق الأوسط» أن أكثر ما يزعجها هو أن هناك دائما مزايدات بقضايا المرأة التي تستغلها الأحزاب المعارضة، وأضافت أنه «كلما تثار قضية حول المرأة، يركبون عليها.. وأقول يكفي هذه المتاجرة». وحول الفصل 28 الذي تضمنته مسودة الدستور التونسي والذي يقول إن المرأة والرجل «يتكامل دورهما في الأسرة» قالت الوزيرة التونسية «أنا لا أرى سببا للحساسية». واستدركت: «ولكن ورغم هذا، فإنه يجب أن يرضي الدستور الجميع، لذلك أدعو لأن يتم توضيح كل الجمل والإشارات التي قد تحدث لبسا من حيث المضمون والتي يمكن أن تؤدي إلى تأويلات. ومن حيث المبدأ، أنا أوافق أن يكون الدستور بسيطا ودقيقا وواضحا وأن تكون العبارات فيه غير قابلة للتأويلات. وأي عبارات قد تفتح أبوابا للتأويل، أنا أدعو لإغلاقها، وأيضا إذا أزعجت الناس وحملت مفاهيم أخرى لا مجال لها».

وحول السلفيين في تونس ومطالبهم بتحديد صلاحيات المرأة وتدخلهم في لباسها وحياتها الخاصة، قالت بادي: «الحرية استعملت مطية للسلفيين لتمرير المشروع المجتمعي الذي يرغبون في تحقيقه، لكن كان هذا في البداية، لكن الآن فهموا، حتى إنهم بدأوا يتراجعون بعد الردع والزجر، ويجب أن تعلم أي امرأة تتعرض لأي نوع من الإزعاج أو الاعتداء أن السلطات التي ستحاسبهم، وسيتراجعون أكيد».

«الشرق الأوسط» التقت وزيرة المرأة التونسية بلندن على هامش زيارة قامت بها لتشجيع الرياضيين التونسيين في الأولمبياد وأجرت معها حوارا هذا نصه:

* ما الذي قدمته الحكومة الائتلافية للمرأة منذ انتخابها إلى الآن؟

- أنا سأعكس السؤال لأنه يوحي بأن المرأة التونسية كائن سلبي في انتظار أن يقدموا لها، وأريد أن أسأل: ماذا فعلت المرأة التونسية بعد الثورة من أجل الحفاظ على مكتسباتها في أن تطالب بمزيد من الحريات وأن يكون لها الحق في مستحقات الثورة وأن تكون معنية بتحقيق مستحقات الثورة من كرامة وشغل وعيش كريم؟ المرأة التونسية في علاقة إيجابية مع محيطها لأنها مساهمة في كل ما يحدث في تونس، واليوم يوجد حراك في المجتمع المدني جيد جدا، والعديد من النساء نظمن أنفسهن في العديد من الجمعيات ذات الطابع السياسي، هدفها التشجيع على الانتخابات والانخراط في العمل السياسي ككل، والاقتصادي، الذي يهم خاصة لجان الأعمال والمرأة الريفية، والاجتماعي عبر كل ما هو مساعدة للدولة بشكل عام على رفع الفقر والتهميش والإقصاء.. وهي انخرطت فاعلة في المنظمات والأحزاب. وناشطة أيضا في صياغة وكتابة الدستور باعتبار أن 29% من المجلس التأسيسي التونسي مكون من النساء. وهي نسبة عالية مقارنة بدول أخرى، مما يجعلها موجودة في مواقع الفعل في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وفي السلطة المدنية والاجتماعية من أجل تضافر كل هذه الجهود أولا للمحافظة على مكتسبات المرأة، وثانيا لمزيد من تفعيل بعض الحقوق غير الواضحة في الدستور والقوانين، والمسكوت عنها أو التي تطمح المرأة لأن تكون موجودة في البلاد.

* تحدثتم عن أن نسبة وجود المرأة التونسية في المجلس التأسيسي هي 29%، لكن المتابعين للوضع في تونس يرون أن أغلبهن يتم توجيههن ويوظفن سياسيا، فقط من أجل «طمأنة» الداخل والخارج بأن المرأة تشارك فعلا في السياسة في تونس..

-لا أتصور أن هذا الأمر صحيح. في المجلس التأسيسي، هناك نساء محاميات ومختصات في القانون وهناك طبيبات، ونساء أستاذات مثقفات ولهن مستوى علمي يسمح لهن بإبداء الرأي، ومنهن مناضلات من أطياف وألوان مختلفة لإسماع صوتهن.. يعني لدينا أناس حداثيون، ووجود من التيار الحداثي مع نساء من التيار الإسلامي يحدث نوعا من الاحتكاك الحوار والاختلاف الإيجابي الذي يولد تطورا وحوارا في العديد من القضايا.. يعني هناك حركية فكرية وحركية من أجل تفعيل الآراء والمواقف.

* بدأتم عملكم منذ ما يفوق 8 أشهر، ما المبادرات أو الإنجازات التي تعملون على تحقيقها؟

- نحن عملنا بالتعاون مع مكونات من المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية مثل منظمة العفو الدولية، والأحزاب، وطرحنا العديد من النقاط التي من أهمها ضرورة دسترة حقوق الطفل، ونظمنا اجتماعات مع نائبات «التأسيسي» بحضور مختصين للتشاور حول دسترة حقوق المرأة، وكانت حاضرة معنا رئيسة لجنة الحريات والمرأة، وتناقشنا مع العديد من الجمعيات مثل « التونسيان» «التونسيات من أجل التنمية» و«النساء الديمقراطيات»، في حوار حول الدستور وحقوق المرأة التي سنضمنها في الدستور وحقوق الأسرة. وما زال العمل جاريا وهناك جلسة استماع، وستتم جلسة مع كل نواب المجلس التأسيسي، ومعي شخصيا حتى أنقل إليهم كل تصوراتنا حول ما يهم الطفل والأسرة والمرأة.. يعني منفتحون، والنائبات على اختلافهن نحن في حوار معهن من أجل الخروج بصيغة للدستور عليها توافق.. رغم التجاذبات.

* أثار الفصل «28» الذي جاء في مسودة الدستور التونسي حول أن للمرأة «دورا مكملا» في الأسرة، حفيظة كل الشرائح في تونس، وكتبت العديد من الصحف حول الموضوع، كما اعتبرته الأحزاب ذات التوجهات العلمانية الخطوة الأولى إلى الوراء في مجال حقوق المرأة في تونس، ما موقفكم من هذا الفصل؟

- ما يزعجني من حيث المبدأ أن هناك دائما مزايدات بقضايا المرأة التي لا تتحرك بعض الأحزاب بحماس لها إلا عندما تصبح هناك مشكلة تهم المرأة ليستغلوها، ولا نسمع أصواتهم للنهوض بالمرأة أو تعزيز حقوقها، وكلما تثار قضية حول المرأة يركبون عليها، وتصبح هناك منتديات سياسية بين الأحزاب ومختلف التيارات والفعاليات.. وأطالبهم بأن يكفوا عن هذه المتاجرة.

وعندما نعود للفصل «28» هو يقول حرفيا لا للتمييز للمرأة على أساس جنسي، وينبذ العنف، ويدعو للمساواة التامة بين المرأة والرجل، ويقول: «يتكامل دورهما في الأسرة» ولا أرى سببا للحساسيات.

وأرى أن هذا طبيعي لأن المرأة هي التي تنجب وترضع طفلها وهذا لا يمكن طلبه من الرجل، والرجل يمكن أن يعتني ببقية الأطفال مثلا أو يساعد بأعمال أخرى.. التكامل، بالعكس، مطلوب، ونحن نراه من زاوية أخرى، وهي أن الرجل غير مضطلع بدوره داخل الأسرة وغير قائم بواجبه، ويمكن أن أرى فيها تحميل مسؤولية للرجل داخل الأسرة، وهذه الأمور تتم بالوفاق؛ فمثلا إذا كان مرتب المرأة أعلى من مرتب الرجل، فمن يجلس في البيت يجب أن يكون الرجل وليس المرأة.

ولكن، ورغم هذا، فإنه يجب أن يرضي الدستور الجميع، لذلك أدعو لأن يتم توضيح كل الجمل والإشارات التي قد تحدث لبسا من حيث المضمون والتي يمكن أن تؤدي إلى تأويلات. ومن حيث المبدأ، أنا أوافق على أن يكون الدستور بسيطا ودقيقا وواضحا، وأن تكون العبارات فيه غير قابلة للتأويلات.. ولأن تكون الجمل واضحة، وأي عبارات قد تفتح أبوابا للتأويل، أنا أدعو لإغلاقها، وأيضا إذا أزعجت الناس وحملت مفاهيم أخرى لا مجال لها، ويجب أن لا يحتمل الدستور أي باب للتأويل في اتجاه أو في عكسه.. ولا مجال للشك والريبة في حقوق المرأة ومكانتها والمشروع المجتمعي الذي نطمح له اليوم في تونس. وأدعو في صياغة الدستور إلى أن نتجنب في هذا الفصل وكل الفصول كل ما يدعو للتأويلات.

* تميزت المرأة التونسية ولعقود بتقدمها في مجال حقوق المرأة مقارنة بالمرأة العربية وحتى الغربية، وحملت مجلة الأحوال الشخصية مكاسب منذ 1956، و«النهضة» وفي خطابهم؛ بل الانتخابات، وعدوا بعدم المس بمكاسب المرأة؛ بل على العكس تعزيزها، فكيف ستعززون حقوق المرأة؟

- اليوم ما زالت المرأة وفي العديد من القطاعات، خاصة الخاصة تتقاضى أجرا أدنى من أجر الرجل، ونتساءل: كيف وفي 2012 تقوم بالعمل نفسه والمجهود نفسه وعدد الساعات نفسها وتتقاضى أجرا أدنى من الرجل، خاصة في القطاع الفلاحي وفي قطاع الصناعات الحرفية مثلا؟ ونحن نعمل ونناضل من أجل تحسين وضعية المرأة وتحقيق مساواة ملموسة.. مثلا أيضا المرأة المطلقة ليس من حقها السفر بأبنائها من دون تصريح الأب، في حين أن له الحق في ذلك، وهذه الأمور يجب أن تتغير.

وكل ما اكتسبته منذ 1956 إلى الآن لم ولن يمس.. نحن نطمح للرقي والتقدم، ونقول لمن يخاف من نساء النهضة إن نساء النهضة أيضا فيهن العاملات وأصحاب الشهادات الجامعية والمثقفات، وإذا شجعن على التراجع، فهن أول المتضررات. إنها مسألة وعي وثقافة وتاريخ كامل للمرأة، ولا يمكن قبول غير ذلك، والجيد في تونس أنه إذا مست شعرة من حقوق المرأة في تونس، سينهض التونسيون رجالا ونساء للدفاع عنها.

* قلتم في أحد تصريحاتكم إن الحركات الإسلامية لن تؤثر على عملكم، لكنهم الآن في تونس، خاصة «الجماعات السلفية المتطرفة» أصبحوا أكثر انتشارا، ويعتدون لفظيا وأحيانا جسديا على المرأة، أو بالتدخل في شؤونها من خلال نصحها بالتزام بيتها أو ارتداء الحجاب أو النقاب، ماذا تفعلون لحماية المرأة بهذا الخصوص، وهل تتعاونون مع الأجهزة الأمنية؟

-هذا الأمر كان ضمن جو كامل للبلاد الذي، أمنيا، كان غير مستقر بعد الثورة، والمرأة كانت من الفئات المستهدفة أكثر لأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها، لكن الأمن استتب في كل الطرقات والأماكن تقريبا، ووزارة الداخلية قائمة بواجبها، على مستوى الحدود، الحالة الأمنية في «الديوانة»، وإذا عاد الأمن فسيعود على النساء والرجال.

والحرية استعملت مطية للسلفيين لتمرير المشروع المجتمعي الذي يرغبون في تحقيقه، لكن كان هذا في البداية، لكن الآن فهموا حتى إنهم بدأوا يتراجعون بعد الردع والزجر، ويجب أن تعلم أي امرأة تتعرض لأي نوع من الإزعاج أو الاعتداء أن السلطات هي التي ستحاسبهم.. وسيتراجعون بالتأكيد.