تونس: إضراب عام في سيدي بوزيد.. والحكومة تعتبره «غير مبرر»

متظاهرون في العاصمة وصفاقس نددوا بتهديد المكتسبات الحداثية للمرأة

عناصر من الشرطة التونسية تشارك في مسيرة للدفاع عن حقوق المرأة، وسط تونس، أمس (أ.ب)
TT

لاقت الدعوة للإضراب العام في مدينة سيدي بوزيد (وسط غرب) مهد الثورة التونسية أمس إقبالا كبيرا في حين سار مئات المتظاهرين رافعين شعارات ضد الإسلاميين الذين يقودون الائتلاف الحاكم، ومنددين بقمع السلطة مؤخرا لمظاهرات، في حين اعتبرت الحكومة أن الإضراب العام «غير مبرر».

وجاء الإضراب العام استجابة لدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد عمالي)، على خلفية مطالب اجتماعية وتنموية لم تتم الاستجابة لها، والمطالبة بإطلاق سراح ثمانية موقوفين من أبناء المدينة لا يزالون رهن الاعتقال منذ يوم الخميس الماضي، وكذلك طرد ثلاثة مسؤولين ممثلين للسلطات المركزية.

وبدورهم نظم المئات من أنصار حركة النهضة، متزعمة الائتلاف الحكومي، مسيرة التقت شعاراتها ومطالبها مع مسيرة المعارضة.

واعتبر سمير ديلو، الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، إن تنظيم إضراب عام في سيدي بوزيد، التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية، أمر «لا مبرر له»، متهما أطرافا حزبية لم يسمها بـ«التوظيف السياسي» لاحتجاجات على تردي ظروف المعيشة شهدتها مؤخرا بعض مناطق البلاد.

وقال ديلو، في تصريح لإذاعة «موزاييك إف إم الخاصة»، إن التحركات التي تشهدها بعض جهات البلاد «يمكن تفهمها نظرا لظروف المعيشة الصعبة، لكن لا أظن أن هناك ما يبرر إضرابا عاما في سيدي بوزيد».

وأضاف: «مطالب التنمية مشروعة، ولا يجب أن تدخل على الخط أطراف سياسية وحزبية لتوظيفها سياسيا. هذه الأطراف عبرت عن هويتها بوضوح في الأحداث الأخيرة، إذ قال مسؤولو هذه الأحزاب إن ما يقومون به هو تصحيح لمسار الثورة وبلغ الأمر ببعضهم حد الحديث عن ثورة ثانية».

وتحدثت مصادر من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد عن مشاركة ضئيلة في الإضراب لم تتجاوز نسبة 30 في المائة. وقالت إن الإضراب لم يؤثر على السير الطبيعي للحياة في المدينة. بينما تحدثت المعارضة عن نجاح كامل للإضراب، وقالت إن الآلاف من سكان المدينة شاركوا فيه. ودعت إلى التظاهر من جديد يوم 22 أغسطس (آب) الجاري، ومحاصرة مقر المحافظة، وطرد الوالي (المحافظ) إذا لم تسارع السلطات إلى الاستجابة لمجموعة من المطالب.

وأغلقت الإدارات والمتاجر أبوابها في مدينة سيدي بوزيد صباح أمس بحسب ما أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية. وتجمع عدة مئات من ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد أصحاب الأعمال، والمجتمع المدني، وأحزاب سياسية معارضة، وساروا في مظاهرة باتجاه قصر العدل الواقع خارج مدينة سيدي بوزيد.

وطالب المتظاهرون بالإفراج عن محتجين كان تم توقيفهم الأسبوع الماضي إثر مظاهرات تم تفريقها بقسوة من قبل الشرطة التي استخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.

وهتف المتظاهرون بعدة شعارات ضد حزب النهضة منها أبرز شعارات الربيع العربي الذي انطلق من تونس «الشعب يريد إسقاط النظام» وشهدت المدينة تعزيزات أمنية، خاصة أمام مقر المحكمة الابتدائية التي شهدت أمس عرض الموقوفين الثمانية على أنظار القضاء، وذلك بعد تحول المسيرة إلى مقر المحكمة للمطالبة بإطلاق سراح الشبان الموقوفين.

واضطرت المحكمة إلى إرجاء النظر في ملفات الموقوفين إلى اليوم، خشية انفلات الأوضاع الأمنية من جديد في صورة إصدار أحكام قضائية ضدهم. وأطلقت خلال الأيام الماضية سراح 11 موقوفا من بين قرابة 40 تم إلقاء القبض عليهم على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي عرفتها مدينة سيدي بوزيد.

وكان آلاف من التونسيين تظاهروا مساء أول من أمس في العاصمة التونسية وفي مدينة صفاقس (وسط شرق) ثاني أكبر مدينة في البلاد، منددين بما اعتبروه «تهديدا» من حركة النهضة الإسلامية للمكتسبات الحداثية للمرأة التونسية، في وقت تواجه الحكومة احتجاجات متزايدة.

وجرت تظاهرتان في العاصمة تونس إحداهما مأذونة والأخرى غير مأذونة، تحت الشعار ذاته، وهو سحب مادة من الدستور الجديد يدعمها الإسلاميون وتنص على أن المرأة «مكملة للرجل» وليست مساوية له في الحقوق والواجبات.

وتجمع آلاف الأشخاص أمام قصر المؤتمرات في تونس اعتبارا من الساعة الثامنة مساء بعد الإفطار للتعبير عن تأييدهم لحقوق المرأة التي تحظى بوضع فريد من نوعه في العالم العربي، وطالبوا بـ«التنصيص» ضمن دستور تونس الجديد على «المساواة» بين الجنسين.

وقالت مايا الجريبي، الأمينة العامة للحزب الجمهوري، «لم يعد يمكن التفكير في مستقبل (تونس) من دون المرأة».

وردد المتظاهرون من الجنسين الذين تجمعوا في شارعي الحبيب بورقيبة ومحمد الخامس شعارات معادية لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، وأمينها العام حمادي الجبالي، رئيس الحكومة، ومحرزية العبيدي، نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة، مثل «التونسية حرة.. حرة.. والنهضة والغنوشي والجبالي على بره» و«المرأة التونسية ليست محرزية» و«التونسية في العلالي لا غنوشي لا جبالي». كما رددوا شعارات أخرى مثل «المرأة التونسية رمز الجمهورية» و«بالروح بالدم نفديك يا تونسية» بينما هتف البعض باسم الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي يعتبر محرر المرأة التونسية.

ودعت إلى التظاهر منظمات حقوقية ونسائية وأحزاب سياسية معارضة اتهمت حركة النهضة بالسعي إلى تمرير فصل ضمن دستور تونس الجديد يعتبر المرأة «مكملة للرجل».

وفي صفاقس على مسافة 260 كلم جنوب العاصمة تظاهر ألف شخص تحت الشعار ذاته، حسب ما أفاد صحافي وكالة الصحافة الفرنسية، كما أفاد مستخدمو الشبكات الاجتماعية عن مظاهرات أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد. وهذه أهم مظاهرات للمعارضة التونسية منذ مسيرة محظورة تم تفريقها بعنف في أبريل (نيسان) في شارع الحبيب بورقيبة.

وجرت المظاهرات في ذكرى إصدار قانون الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة التي لا يزال معمولا بها إلى اليوم، والتي منحت المرأة التونسية حقوقا فريدة من نوعها في العالم العربي منحتها المساواة مع الرجل في عدة مجالات. وعلى الرغم من أن الإسلام يبيح للرجل الزواج بأربع نساء إلا أن القانون جرم تعدد الزوجات والزواج العرفي، ومنع إكراه الفتاة على الزواج من قبل ولي أمرها، وسحبت القوامة من الرجل وجعلت الطلاق بيد القضاء بعدما كان بيد الرجل الذي كان ينطق به شفهيا.

ومنذ وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، تبدي منظمات حقوقية ونسائية باستمرار مخاوف من التراجع عن مكتسبات المرأة التونسية، على الرغم من تعهد الحركة أكثر من مرة بالمحافظة على هذه المكتسبات.

وتقول منظمات نسائية إن حركة النهضة تخفي وراء خطابها التطميني والحداثي مشروعا «رجعيا» أجلت تطبيقه إلى وقت لاحق.

وإزاء الانتقادات يؤكد حزب النهضة الإسلامي الذي يرأس الائتلاف الحاكم تمسكه بحقوق التونسيات وبقانون الأحوال الشخصية مشيرا إلى أن المساواة بين الرجل والمرأة ستنص عليها مقدمة القانون الأساسي المقبل.

ويدور السجال حاليا حول الفصل 28 في مشروع الدستور الجديد الذي اعتمدته إحدى لجان المجلس التأسيسي في الأول من أغسطس ولا يزال يتعين أن يعتمده المجلس بأكمله.

وينص هذا الفصل على أن «تضمن الدولة حماية حقوق المرأة ومكتسباتها على أساس مبدأ التكامل مع الرجل داخل الأسرة وبوصفها شريكا للرجل في التنمية والوطن».