الفلسطينيون يتدفقون على إسرائيل والقدس «سرا وعلانية».. بعد تسهيلات محل تساؤل

الخطيب: لا يوجد اتفاق وهذا حقنا.. هواش: غير بريئة سياسيا واقتصاديا

TT

على أبواب مكاتب الارتباط المدني الفلسطيني في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية يتجمهر يوميا مئات من المواطنين في طوابير لا تخلو من المشكلات، يتقدمون بطلبات لتصاريح لدخول إسرائيل. وهذا المشهد غير مألوف منذ أكثر من 12 عاما، غير أن تغييرا ملحوظا في السياسة الإسرائيلية فيما يخص دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل، فتح شهية الجمهور الفلسطيني، الذي لاحظ أيضا تسهيلات غير مسبوقة في عملية دخول القدس المحتلة، للصلاة في المسجد الأقصى في أيام الجمع في رمضان.

وقال شبان حصلوا على تصاريح حتى 25 من أغسطس (آب) الحالي، إنهم أبدا لم يتوقعوا ذلك، ومتفاجئون. وأكد طارق عبد الرحمن (24 عاما) أنه حصل على تصريح يسمح له بدخول إسرائيل حتى العاشرة مساء، من الآن وحتى 24 أغسطس. وقال: «ذهبت إلى الأقصى إلى حيفا وإلى يافا، وكل يوم أزور القدس، لقد كان الأمر بمثابة حلم، وتحقق».

ومثل طارق يستعرض مئات الشبان على «فيس بوك» صورا لهم، إما في المسجد الأقصى أو على شاطئ البحر المتوسط في يافا وفي أماكن أخرى، ويتباهون أنهم زاروا المناطق التي كانوا ممنوعين منها لسنوات طويلة.

ومنذ بدأت الانتفاضة الثانية عام 2000، منعت إسرائيل الفلسطينيين من تخطي بوابات الجدران الكبيرة التي تحيط بالضفة، ولم تمنح التصاريح إلا لعدد قليل ضمن شروط معقدة، تستلزم أن يكون المتقدم تجاوز حاجز الـ35 ومتزوجا ولديه أولاد ويريد التصريح لأسباب تجارية أو صحية، وحتى كثير من هؤلاء رفضوا لأسباب أمنية.

أما اليوم فإن شبابا صغارا ونساء وأطفالا وشيوخا يجوبون القدس ويافا وحيفا وتل أبيب بشكل «قانوني». وحتى أولئك الذين لم يتقدموا للحصول على تصاريح، فقد نجحوا بدخول القدس بسبب «التطنيش» الإسرائيلي على الطرق الالتفافية.

وقال معتصم (28 عاما): «أمسكونا على طريق التفافي حول القدس، طلبوا منا الهويات، والمغادرة، ثم ذهبوا وأكملنا الطريق». وأضاف: «كان مفاجئا لنا، لأننا في ظروف غير هذه كنا نتوقع ضربا مبرحا واعتقالات».

وتقول إسرائيل إنها طبقت سلسلة من التسهيلات في شهر رمضان. وكانت الإدارة المدنية الإسرائيلية قد أعلنت بداية رمضان أنها قررت عددا من التسهيلات تتمثل في عدم تقييد عدد التصاريح التي سيتم إصدارها للراغبين في دخول القدس لأداء صلوات الجمعة وليلة القدر، وإعفاء الرجال والنساء الذين تفوق أعمارهم الأربعين من الحصول على تصاريح، والسماح لـ5 آلاف شخص بدخول القدس لأداء الصلوات خلال أيام الأسبوع، وإصدار التصاريح للراغبين في زيارة أقربائهم من الدرجتين الأولى والثانية داخل إسرائيل لمدة أقصاها شهر واحد، وإصدار 200 تصريح للفلسطينيين الراغبين في التوجه إلى الخارج عبر مطار بن غوريون الدولي، وإصدار 500 تصريح لدخول البلاد عبر معبر الكرامة، وتمديد الدوام في المعابر بحيث يعمل معبرا ريحان والجلمة حتى منتصف الليل.

وأمس، سمحت الشرطة الإسرائيلية في القدس للفلسطينيين من أهل الضفة بدخول القدس لإحياء ليلة القدر، وقالت الناطقة بلسان الشرطة: «إن دخول المصلين الفلسطينيين من سكان الضفة يتم وفقا لنفس الإجراءات التي اتخذت في أيام الجمعة خلال شهر رمضان الحالي».

وعلى الرغم من التدفق الكبير للفلسطينيين، فإن ثمة مخاوف وكثيرا من الأسئلة حول ما إذا كانت الإجراءات الإسرائيلية تخفي وراءها أهدافا سياسية أو اقتصادية أو أمنية. وسألت «الشرق الأوسط»، الناطق باسم الحكومة الفلسطينية غسان الخطيب، حول تقديراتهم للموقف، أو إذا كان هناك اتفاقات ما بين الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية على هذه التسهيلات، فقال: «لا توجد اتفاقات». وأضاف: «نحن نقول إن حق التنقل هو حق لكل فلسطيني، أي مس بذلك هو إجحاف بحق الفلسطينيين، والتخفيف من هذا الإجحاف لا يستوجب الثناء». وتابع: «القدس جزء من الأرض الفلسطينية والدولة، ومن حقنا زيارتها وقتما نشاء، وأي تقييد لذلك هو مخالفة وانتهاك لحقوقنا». وأردف: «يجب السماح للفلسطينيين بالتنقل في كل الأرض الفلسطينية بما في ذلك التنقل بين غزة والضفة».

وردا على سؤال حول أهداف محتملة، مثل تشجيع السلام الاقتصادي، أو تهميش أكبر لدور السلطة ومكانتها عبر التعامل مباشرة مع الإدارة المدنية للجيش وتقوية نفوذها عند الفلسطينيين، قال الخطيب إنه يجب انتظار انقضاء شهر رمضان، لمراقبة كيف ستتصرف إسرائيل، لمعرفة أي أهداف كامنة وراء التسهيلات، إن وجدت.

غير أن المحلل السياسي، محمد هواش، يرى أن التسهيلات الإسرائيلية غير بريئة أبدا. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تندرج في إطار رؤيا محددة بأن السلام مع القيادة الفلسطينية غير ممكن. ولهذا فإن الحكومة الإسرائيلية تتوجه إلى الناس مباشرة، وهذا يعني أنها لا تعترف بحل الدولتين، وتتصرف كما أنها مسؤولة عن السكان في مناطق (أ) التي تخضع لسيطرة السلطة».

وأضاف: «هذا تجاوز مهم وخطير للسلطة الفلسطينية، وفيه تضخيم لدور الإدارة المدنية كسلطة فعلية على الفلسطينيين».

وسبب ثان غير سياسي يراه هواش، وهو دفع الحركة الاقتصادية في إسرائيل على حساب الفلسطينية. وقال: «عندما يصدرون آلاف التصاريح على أبواب العيد، فهذا يعني انتعاشا للسوق في إسرائيل، هذه دعوة للتسوق من إسرائيل وليس من التجار الفلسطينيين، وهذا من شأنه أيضا أن يخلق أشكالا من الاحتجاج من اقتصاديين وتجار ضد السلطة».