قادة الدول الإسلامية يصدرون «ميثاق مكة» لتثبيت التضامن الإسلامي ونبذ الفتن

خادم الحرمين الشريفين أنهى القمة بطلب التسامح .. وكرم ضيوفه قادة ورؤساء وفود الدول الإسلامية

خادم الحرمين الشريفين خلال مأدبة السحور فجر أمس وإلى يساره أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح (واس)
TT

أصدر قادة الدول الإسلامية «ميثاق مكة» بعد الاجتماع لمدة يومين في مكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة الاستثنائية لتعزيز التضامن الإسلامية. وشدد ميثاق مكة على اهمية درء الفتن وإصلاح الأمة الاسلامية، اذ لفت القادة الى «الواقع الخطير الأليم» الذي يواجه الأمة الاسلامية مطالبين بالالتزام بالحكم الرشيد. وأعلنت منظمة التعاون الاسلامي في بيان في ختام قمتها بمكة المكرمة فجر اليوم انها قررت تعليق عضوية سوريا في المنظمة مشيرة الى حملة القمع العنيفة التي تشنها حكومة الرئيس بشار الاسد لقمع الانتفاضة. وقال البيان الختامي ان المؤتمر قرر تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية في منظمة التعاون الاسلامي وجميع الاجهزة والمؤسسات المتخصصة التابعة لها.

وكان وزراء خارجية المنظمة قد وافقوا على هذه الخطوة في اجتماع تمهيدي يوم الاثنين وأقرها الزعماء في الليلة الثانية من اجتماع القمة على الرغم من معارضة ايران.

وقرأ الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي اكمل الدين احسان اوغلي نص الميثاق في الجلسة الختامية فجر أمس وهو مكون من 11 نقطة رئيسية، اذ بدأ بالقول: «نحن انفسنا اليوم امام واقع خطير أليم يحتم علينا الوقوف وقفة صادقة مع النفس». واضاف ان: «مهمتنا اصلاح شأن هذه الأمة»، بما في ذلك مسؤولية القادة «تجنب الطائفية والمذهبية لخدمة سياساته. ولفت الى ضرورة «تجنب بعضنا استخدام الطائفية والمذهبية لخدمة سياسته وأهدافه بدلا من استخدام السياسة لخدمة الدين». وتم تكرار ضرورة الوقف ضد الطائفية والفتن مرات عدة في نص الميثاق، بناء على ما قاله خادم الحرمين الشريفين في افتتاح القمة أول من أمس مذكرا المشاركين في القمة ان «الأمة الإسلامية تعيش اليوم حالة من الفتنة والتفرق، التي بسببها تسيل دماء أبنائها في هذا الشهر الكريم في أرجاء كثيرة من عالمنا الإسلامي متناسين حول الحق تعالي (والفتنة أشد من القتل)».

وكان البند الأول من البنود الـ11 للميثاق يشدد على «مسؤولية جسيمة درء الفتن.. وإقامة الحكم الرشيد بما يعمق قيم الشورى والحوار والعدل»، بينما البند الثاني يؤكد على «الادراك بأن الأخذ بالاصلاح مدرك العقلاء»، بينما البند الثالث شدد على اهمية «بناء قدرات هذه الأمة في كافة المجالات». وشدد البند الرابع من الميثاق على ان «هذه الامة امة وسط»، مما يعني اهمية اتباع الوسطية والابتعاد عن الغلو السلوكي، «ومحاربة الإرهاب والفكر الضال. « وشدد البند الخامس على اهمية «الوقوف صفا واحدا في محاربة الفتن التي اخذت تستشري بجسد الأمة الإسلامية»، ولكن في الوقت نفسه تم التأكيد على «عدم التدخل في الشؤون الداخلية»»للدول الإسلامية. واثنى المجتمعون على مقترح خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية والذي سيكون مقره في العاصمة السعودية الرياض.وحمل البند السادس من الميثاق ترحيبا رسميا بهذه المبادرة. وشدد البند السابع من الميثاق على درء الفتنة وتحمل وسائل الإعلام التابعة للدول الإسلامية مسؤوليتها بهذا المجال. وتم ذكر 3 قضايا خاصة بدول اسلامية في الميثاق، اذ كان البند الثامن من الميثاق حول اهمية «الوقوف صفا واحدا مع الشعوب الاسلامية» التي تتعرض للقهر وخاصة الشعب السوري الذي يواجه القصف المدفعي.

وحمل ميثاق مكة في بنده التاسع اسرائيل مسؤولية توقف عملية السلام، مذكرا ان «قضية فلسطين القضية المحورية للأمة الإسلامية».

اما البند العاشر فجاء به استنكار «سياسة التنكيل وممارسات ميانمار تجاه المسلمين»، بينما تم اعتبارها جرائم ضد الإنسانية. وكان البند الأخير من الميثاق التأكيد على مسؤولية منظمة التعاون الإسلامي في وضع الخطط الضرورية للأمة الاسلامية والالتزام بالجدية في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية ضمن اطار رؤية جديدة.

وبعد القاء الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لنص ميثاق مكة، تحدث باختصار الرئيس السوداني عمر البشير، معبرا عن امتنانه لخادم الحرمين الشريفين لجمعه قادة الدول الاسلامية في شهر رمضان الكريم. وشدد الميثاق على اهمية تعزيز التعاون والحوار مع الدول غير الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي التي تتواجد بها مجتمعات وجماعات مسلمة، وكذلك مع الممثلين الحقيقيين لهذه المجتمعات بما يحفظ حقوقها ومواصلة مراقبة أي تطور عن كثب ويستنكر في هذا الصدد سياسة التنكيل والعنف التي تمارسها حكومة اتحاد ميانمار ضد مسلمي الروهينجا والتي اشار إلى أنها تتنافى مع كل مبادي حقوق الانسان والقيم والاخلاق والقوانين الدولية.

وتم عرض تسجيل لمدة 3 دقائق حول المقر الجديد لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي تبرع به خادم الحرمين الشريفين في الجلسة الختامية التي عقدت فجر أمس. واختتم خادم الحرمين الشريفين القمة الاستثنائية بالقول «ارجوكم اذا حصل اي قصور التسامح.. وكل عام وأنتم بخير».

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز استقبل في وقت سابق من مساء أمس في قصر الصفا بمكة المكرمة قادة ورؤساء وفود الدول الإسلامية المشاركين في أعمال قمة التضامن الإسلامي، وخلال الاستقبال رحب خادم الحرمين الشريفين بالجميع متمنياً لاجتماعهم التوفيق والنجاح.

حضر الاستقبال الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود، والأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والأمير عبد الإله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير مقرن بن عبد العزيز المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين.، وققد اصطحب الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مؤتمر قمة التضامن الإسلامي ضيوفه القادة ورؤساء الوفود إلى قاعة المؤتمر حيث بدؤوا جلسة عملهم المغلقة الثانية، حيث تم خلال الجلسة استكمال مناقشة القضايا والموضوعات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر.

وكان خادم الحرمين الشريفين قد كرم ضيوفه قادة ورؤساء الوفود وأعضاء الوفود المشاركين في مؤتمر قمة التضامن الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة، وأقام لهم مأدبة سحور في الديوان الملكي بقصر منى.

حضر المأدبة الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود، والأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية، والأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير، والأمير مقرن بن عبد العزيز المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين، والأمراء والوزراء وكبار المسؤولين.

وكان خادم الحرمين الشريفين افتتح مساء أول من أمس الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قمة التضامن الإسلامي، حيث ألقى كلمة دعا فيها القادة والشعوب الإسلامية إلى التضامن والتسامح والاعتدال، تلاه الرئيس السنغالي ماكي سال الذي ألقى كلمة شكر فيها خادم الحرمين الشريفين على مبادرته بجمع الأمة الإسلامية بعد القمة السابقة التي عقدت في مكة المكرمة والخدمات الجليلة والكبيرة التي يقدمها ويقوم بها في مكة المكرمة والمدينة المنورة لخدمة ضيوف الرحمن، وقال: «نحن نعرف أن العالم الإسلامي يواجه صعوبات وأزمات كبيرة وعلينا الوقوف والتكاتف من أجل حل هذه الأزمات والمشكلات الاقتصادية» داعيا إلى وقف عمليات القتل التي تحدث في سوريا، وإلى الوقوف مع الشعب السوري، وكذلك العمليات التي تحدث لقتل المسلمين في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي وفي ميانمار الذين يواجهون أزمات حقيقية، كما نريد مواجهة الإرهاب الدولي في العالم. وأضاف الرئيس السنغالي: «كما تعلمون أن الإسلام كما علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الحكمة والتواضع والاعتدال، ونحن نعرف أن الجهات المتطرفة تقف عقبة أمامنا، ولكن يجب ألا يكون لها وجود بيننا»، وطالب الرئيس السنغالي أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.

وأفاد أن منظمة التعاون الإسلامي في قمتها الثالثة طالبت بأن يكون هناك تعاون وتضامن إسلامي حقيقي للقضاء على الفقر في العالم الإسلامي، وقال: «إنني أطالب المنظمات والبنوك الإسلامية التابعة لها والدول الغنية أن تقوم بدعم الدول الفقيرة تحت عنوان التضامن، وآمل أن تقوم قمتنا بتشجيع البنك الإسلامي للتنمية ليتمكن من القيام بواجبه والمهام الموكلة إليه بالإضافة إلى دعوة القطاع الخاص للتعاون في هذا المجال».

من جانبه أعلن الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي البروفسور إحسان أكمل الدين أوغلي في كلمته عن توقيع المنظمة مع وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية، دولة المقر، وثيقة اتفاقية المقر، وكذلك صدور توجيهات خادم الحرمين الشريفين لبناء مقر دائم لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي هدية من الملك عبد الله للأمة الإسلامية ولمنظمة التعاون الإسلامي، مزجيا شكره لخادم الحرمين الشريفين على هذه المكرمة السامية.

وقال أوغلي: «في مهبط الوحي وفي أطهر بقاع الأرض، ها هم قادة الأمة الإسلامية ورموزها يلبون دعوتكم يا خادم الحرمين الشريفين لحضور الاجتماع الاستثنائي الثاني للقمة الإسلامية، الذي بادرتم بالدعوة له، وها هم ملايين المؤمنين يسعون ويطوفون بالبيت العتيق يمثلون أكثر من مليار ونصف من المسلمين في أرجاء العالم ويتضرعون إلى الله أن يجمع القادة على تجاوز الغمة، وأن تكون هذه القمة وسيلة النجاة للأمة من المخاطر التي تواجهها».

وأضاف: «في خطابكم أمام قمة 2005 وفي نفس هذا المكان المبارك قلتم إنه تكمن في أعماق الأمة الإسلامية رغبة إسلامية في التغيير إلى الأفضل، وعزم صادق على إنهاء أوضاع الأمة، وقلتم أيضا: إنكم تتطلعون إلى أمة إسلامية موحدة وحكم رشيد يقضي على الحروب والقهر ويفضي إلى تنمية شاملة تضع حدا للعوز والفقر وتؤدي إلى انتشار وسطية تمثل سماحة الإسلام، وأعربتم عن رغبتكم في وجود المؤسسات الواعدة تعيد للأمة الإسلامية وضعها الطبيعي في سياق الحضارات ومعدلات القوى».

وبين الأمين العام للمنظمة أن القمة اليوم تأتي في وقت تتطلع الأمة إلى قادتها لينهضوا بالمسؤولية التاريخية لتجاوز هذه الظروف العصيبة، وقد بات واضحا أنه لا يمكن للعالم الإسلامي الاستمرار على نهجه الحالي؛ والواجب أن يكون عالمنا الإسلامي أحد رواد هذا العصر، وممتلكا مقومات الكفاية وقدرة الأداة الذاتية، لا سيما أن المسلمين يمتلكون مقومات كبيرة من الناحية البشرية والخيرات التي تمكنهم من أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس.

وأكد أن الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي حققت خلال السنوات السبع الماضية الكثير من الإنجازات في المجال التنموي والاقتصادي وتقوية الأواصر الاقتصادية بين الدول الأعضاء عن طريق نظام الأفضلية التجارية، موضحا أن صندوق التضامن الإسلامي للتنمية وصندوق التضامن الإسلامي قد بلغ مجموع تمويلهما مليار دولار خصص لبرنامج التخفيف عن حاجة الفقر وتطوير البنية التحتية، كما بذلت الأمانة جهودا حثيثة في مجال التعاون والتضامن السياسي للدفاع عن القضايا العادلة للدول الأعضاء في المنابر السياسية الدولية مثل نصرة القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الأقليات والمجتمعات الإسلامية عبر العالم، وطالت الجهود كذلك محاربة الإرهاب والدعوة إلى التمسك بالصفة التي تميز الإسلام، ألا وهي صفة الاعتدال والوسطية والتسامح.

بعدها أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن تحويل الجلسة إلى مغلقة، وقال: «أعلن تحويل الجلسة إلى مغلقة، وأشكر الإخوة المدعوين، وأدعوهم إلى مغادرة القاعة».