بحث كتبه رئيس الأركان المصري الجديد يكشف طريقة تفكيره

قال في بحثه عام 2005 إن أي عملية لنشر الديمقراطية يجب أن تنبع من الداخل ويكون لها شرعية دينية

صدقي صبحي
TT

قال الرجل الثاني في القيادة العسكرية المصرية الجديدة في ورقة كتبها عام 2005، إن القوات الأميركية يجب أن تسحب من الشرق الأوسط وإن أي عملية لنشر الديمقراطية بالمنطقة يجب أن تنبع من الداخل وأن تكون لها شرعية دينية، حسب «رويترز».

ورغم أن الورقة نشرت قبل انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن هذه الوثيقة التي كتبها رئيس الأركان الجديد الفريق صدقي صبحي حين كان يدرس في الولايات المتحدة تقدم فكرة نادرة عن تفكير ضابط كبير في الجيش المصري المتكتم تقليديا.

وبقي قادة الجيش في الظل لعشرات السنين، لكنهم برزوا إلى واجهة الأحداث حين أطاحت انتفاضة العام الماضي بالرئيس حسني مبارك، وهو نفسه قائد سابق للقوات الجوية، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.

وانتخب الإسلامي محمد مرسي رئيسا للبلاد في يونيو (حزيران). وبسط سلطته على الجيش هذا الأسبوع بإحالة أكبر قائدين فيه إلى التقاعد وباسترجاع سلطات مهمة كان العسكريون احتفظوا بها لأنفسهم قبل انتخابه.

ورغم أن القادة العسكريين عقدوا مؤتمرات صحافية وأجريت معهم مقابلات كثيرة وهم في السلطة، فإنهم لم يكشفوا علانية الكثير عن أفكارهم بشأن السياسة الأوسع خارج حدود عملية نقل السلطة، مثل العلاقة المهمة مع الولايات المتحدة التي تقدم لمصر مساعدات عسكرية تقدر بـ1.3 مليار دولار سنويا وتقدم تدريبا لكثير من الضباط.

وكتب صبحي الذي كان يحمل رتبة عميد وهو يدرس للحصول على الماجستير بكلية الحرب الأميركية، يقول: «أوصي بأن يكون الانسحاب الدائم لقوات الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والخليج هدفا للاستراتيجية الأميركية في المنطقة».

وأضاف في التوصيات الختامية للورقة التي ضمت 16 ألفا و600 كلمة أن «الولايات المتحدة يجب أن تعمل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة من خلال الوسائل الاجتماعية والاقتصادية والتطبيق غير المنحاز للقانون الدولي»، في إشارة إلى ما وصفه صبحي من قبل بأنه علاقة واشنطن المنحازة مع إسرائيل.

وقال حسب «رويترز»، إن وجود القوات الأميركية في المنطقة جرى استغلاله من جانب الإسلاميين الراديكاليين كتبرير للكفاح المسلح.

ورغم أن الكثيرين في الشرق الأوسط يعترضون على نشر الجنود الأميركيين هناك، فمن غير المعتاد سماع هذا الرأي معلنا بمثل هذه الصراحة من شخصية كبيرة في جيش مصر وهي حليف وثيق للولايات المتحدة.

وشغل صبحي، (56 عاما)، منصبه الجديد في التغييرات المفاجئة التي أجراها في قيادة الجيش يوم الأحد الرئيس مرسي الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها تتعرض بانتظام للملاحقة والسجن خلال العقود الستة الماضية من جانب مبارك والرؤساء الآخرين الذين جاءوا كلهم من الجيش.

وأرغم المشير محمد حسين طنطاوي الذي رأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الفترة الانتقالية والذي شغل منصب وزير الدفاع لمدة 20 عاما في حكومة مبارك على التقاعد، وخلفه اللواء عبد الفتاح السيسي رئيس المخابرات الحربية بعد أن رقي إلى رتبة فريق أول.

وقال صبحي في الورقة التي كتبها قبل أن يسعى أوباما إلى تغيير في السياسة الخارجية الأميركية من خلال مد يده إلى العالم العربي والإسلامي بخطابه المهم في القاهرة عام 2009: «هناك نقص كبير في التفاهم والاتصال بين صناع السياسة الخارجية في الإدارات الأميركية والحكومات في المنطقة».

وقال القائد العسكري المصري إن من بين أسباب ذلك أن صناع السياسة الأميركية يعملون في نظام ديمقراطي علماني صارم، لكن الدين الإسلامي مرتبط بشدة بدرجات مختلفة بأداء معظم الحكومات العربية ومجتمعاتها.

وكتب صبحي يقول «إن عملية نشر الديمقراطية لا بد أن يكون لها - وأن تمثل - شرعية سياسية واجتماعية وثقافية ودينية. وبتعبير آخر، هذه العملية لنشر الديمقراطية لا بد أن يكون لها أصل داخلي صرف وأن ينظر إليها على هذا النحو».

وكتب الكلمات (دينية) و(ينظر إليها) و(داخلي صرف) بحروف مائلة لتمييزها.

وقال إنه لكي تستعيد واشنطن نفوذها فيجب أن تحول اهتمامها إلى مشروع مارشال جديد يحاكي برنامج المساعدات الضخم الذي ساعد أوروبا في إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية.

ونشرت ورقة صبحي في موقع تابع لوزارة الدفاع الأميركية على الإنترنت، وسلط الضوء عليها أساسا المدون والمحلل أيساندر العمراني.

وجاءت التغييرات المثيرة في الجيش المصري بعد خطأ عسكري فادح في الخامس من أغسطس (أ.ب) على حدود سيناء مع إسرائيل حين قتل مسلحون 16 من أفراد حرس الحدود، مما أتاح لمرسي فرصة للتحرك وسط غضب شعبي وتذمر بين بعض العسكريين ضد قيادة الجيش، حسب ما قاله بعض الضباط الأقل رتبة.

وتصور دبلوماسي غربي ومراقبون آخرون أن القادة الجدد ربما كانت لهم ميول إسلامية أو يعتنقون قيما محافظة يمكن أن تكون جذبت لهم الإخوان المسلمين. لكن آخرين، منهم روبرت سبرنجبورج وهو أستاذ في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا» قللوا من شأن ذلك.

وكتب سبرنجبورج في مجلة «فورين بوليسي» يقول: «إن السبب الأكبر لعزل طنطاوي ليس الالتزام الإسلامي، لكن السخط المتراكم نظرا لما أصاب مؤسسته وقدراتها بسبب مناورته السياسية غير الكفؤة».

وقال الدبلوماسي الغربي إن التغيير ربما نتج عن بعض الاستياء بما في ذلك من جانب ضباط درسوا في الولايات المتحدة وتشربوا بفكرة أن الجيش يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة.

وأضاف أن رئاسة السيسي للمخابرات الحربية يفترض أن تكون أعطته معرفة عميقة بأوضاع أفراد الجيش، مما قد يكون جعله حليفا جذابا لمرسي. وقال إنه أفضل شخص يكون بجانبك. إذا رقيته فأنت تملكه.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند: «المعينون الجدد، وهم القادة الجدد للجيش، كلهم أناس عملنا معهم من قبل، وكثيرون منهم تدربوا هنا في الولايات المتحدة أيضا».

ومن بين من شملتهم الترقية أيضا اللواء محمد العصار الذي عين مساعدا لوزير الدفاع. وكان العصار مسؤولا عن العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يكون من أسباب ترقيته، بجانب انتقاده المبكر للرئيس السابق بعد الإطاحة به.