رئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة السوداني: المظاهرات بداية الغيث.. وسوف تتصاعد

قالت لـ «الشرق الأوسط» : القوى السياسية استفادت من تجارب دول «الربيع» وقدمت «البديل الديمقراطي» الذي سيحكم الفترة الانتقالية

سارة نقد الله رئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة السوداني
TT

بعد مظاهرات احتجاجية أخيرة ضد نظام «الإنقاذ» الحاكم في السودان منذ 23 عاما، خفت صوت المحتجين، البعض فسر ذلك بأنه جاء نتيجة لمواجهات أمنية بأساليب قمعية غير معهودة في السودان، بالإضافة إلى تقاعس القيادات الحزبية المعارضة وعدم نزولها مع المتظاهرين الشباب للشارع. كما أثار بيان صدر من الشيخ عبد المحمود أبو، أمين عام هيئة شؤون الأنصار، يقول إن الهيئة غير معنية بالنشاط السياسي، مانعا انطلاق المظاهرات من مسجد الإمام عبد الرحمن المهدي الذي كان أقوى نقاط التظاهر، كثيرا من ردود الفعل. «الشرق الأوسط» سألت سارة نقد الله، رئيسة المكتب السياسي في حزب الأمة، وسليلة البيت الأنصاري السياسي المعروف، عن «الضبابية» التي لازمت مرارا مواقف حزب الأمة تجاه حكومة الإنقاذ. وكان الحوار التالي..

* لا تزال مواقف حزب الأمة بمثابة قدم بالداخل وأخرى بالخارج، أو «كراع بره وكراع جوه» كما يقول الشارع السوداني الذي يصف مواقفكم كقيادة بـ«عصا قائمة وعصا نائمة» تجاه حكومة الإنقاذ..

- حزب الأمة القومي واضح الرؤية عميق التحليل مستوعب لمشكلات السودان، لذلك فإنه متقدم دائما في طرح حلول واقعية تعبر عن واقع أهل السودان «وكراعينا الاثنين جوه السودان»، وفي عمق مشكلاته ومشاركة أهله البحث الدؤوب لتجنيب البلاد الانهيار التام والإطاحة بكيانها. ودليلنا على ذلك من كلامنا المستمر عن ضرورة قومية الحل ومشاركة قواه السياسية والمدنية في خارطة طريق كاملة عرضت على كل الأحزاب السياسية وهي مشروع اتفاقية سلام عادل وتحول ديمقراطي كامل وبناء آلية قومية تتولى الشأن في فترة انتقالية تعبر بالبلاد إلى انتخابات حرة نزيهة ودستور يحكم البلاد.

* ما تعليقك على الاتهامات بأن رئيس الحزب، الصادق المهدي، يعارض «الإنقاذ» بقوة عبر مواقف بناته، لا سيما كتاباتهن الناقدة في أكثر من صحيفة يومية وإلكترونية، بينما يحابي الحكومة بمواقف أبنائه، لا سيما العقيد عبد الرحمن الذي تم تعيينه مساعدا للرئيس البشير، وابنه بشرى الذي يعمل في جهاز الأمن؟

- بنات وأبناء الصادق المهدي مواطنات ومواطنون يمارسون حقوقهم المشروعة ويمارسون نشاطاتهم عبر المؤسسات التي ارتضوا الانضمام إليها كل حسب إرادته الشخصية وتوجهه، والصادق المهدي لا يحتاج أن يتوارى خلف أقلام بناته أو مواقف أبنائه، فرأيه في الحل والمخرج للبلاد عبر مؤتمر قومي شامل يشبه كودسا جنوب أفريقيا لا يستثني أحدا ويجنب البلاد ويلات الانقسام والتدويل، ولكن أهل النظام في آذانهم وقر، وإن شاء الله يستبينوا النصح قبل ضحى الغد.

* الاحتجاجات والمظاهرات رغم قوتها خرجت من جمعة إلى جمعة، وعموما كانت شبابية لم تنخرط فيها القطاعات كافة كما حدث في ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وانتفاضة أبريل (نيسان) 1985.. ما الأسباب في رأيكم؟

- نعم المظاهرات والاحتجاجات طلابية شبابية ولكنها بداية الغيث وقد شارك فيها عدد كبير من الكهول والشيوخ وفيهم من أصيب بالرصاص الحي مثل الحبيب الصادق أبكر في أول جمعة، وكانت وتيرتها في تصاعد، وقد شملت كثيرا من الولايات وأيضا شملت المحامين والأطباء وتقديم مذكرة للسيد رئيس الجمهورية، وسوف تتصاعد لأن سياسات النظام الخاطئة غير المدروسة ستصل بالمواطن إلى أن يكون داخل منزله ميتا وفي الشارع ميتا، وبالطبع أفضل له أن يموت في الشارع. وما حدث في نيالا يوم 31 يوليو (تموز) 2012 خير دليل على ذلك.

* هل كانت تعبيرا عن غضب لعمل حكومة الإنقاذ كي ترعوي وتشكم أمرها بتغييرات حاسمة وإصلاحات مطلوبة، أم أن الشارع السوداني لا يزال مترددا لعدم يقينه من البديل ولانفراط الثقة في القيادات التقليدية ولخشيته أن تعود الأحزاب التقليدية بذات هيئتها القديمة التي أضاعت الديمقراطية أكثر من مرة؟

- لم تكن غضبة عابرة.. هي فعل حقيقي ويا ليت حكومة الإنقاذ تسمع للرأي العقلاني المطروح لإخراج البلاد من الانهيار، وذلك بتغيير السياسات والمؤسسات لأن ما تم في الـ23 سنة الماضية كان خرابا تاما وتدميرا شاملا لكل مقومات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبنيوية وتحتاج لكل بنات وأبناء الوطن لإعادة بنائهم.

أما الكلام عن البديل فإن القوى السياسية السودانية استفادت من تجارب دول «الربيع العربي»، لذلك فقد توافقت على برنامج وطني سمته «البديل الديمقراطي» وهو البرنامج الذي سيحكم الفترة الانتقالية، والآن خلصت من دراسة الإعلان الدستوري الذي أيضا يحكم الفترة الانتقالية وهو يشمل كل القوى السياسية والمجتمع المدني، والآن بعد الانتهاء منه سوف يعرض على الحركات المسلحة باعتبارها أحد أضلع الشأن العام السوداني. أما القيادات وأنا أتحدث عن قياداتنا وهي قيادة ديمقراطية لم تتولى منصبا إلا عبر انتخابات حرة ديمقراطية داخل الحزب أو الكيان أو في الشأن العام السوداني.. ولن نسبق الأحداث، ننتظر حتى يأتي الصباح ونرى إن كان الشعب السوداني سينتخبنا أم لا، ويكون ذلك خيار الشعب السوداني الحر.

* ما الذي يمكن أن يقدم حزب الأمة لما بعد «الإنقاذ» ولم يقدمه من قبل؟

- حزب الأمة في فترة الـ23 سنة الماضية كان البوصلة بما يقدمه من دراسات ورؤى وحلول لقضايا البلاد الشائكة ولكن أهل النظام لا يسمعون.. والموتى يبعثهم الله..

منذ المذكرة الأولى التي كتبها رئيس الحزب في أيام الانقلاب الأولى مرورا بأسمرا للقضايا المصيرية.. نداء الوطن (جيبوتي).. تحليل ونقد اتفاقية السلام الشامل (CPA).. التراضي الوطني.. الأجندة الوطنية.. والآن لدينا مقترح مؤتمر السلام السوداني وهو مشروع اتفاقية سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل. وقد طرح لكل القوى السياسية، بما فيها المؤتمر الوطني وطرح للمجتمع الدولي عبر هيئاته الدبلوماسية الممثلة في الخرطوم، وعلى الإخوة حملة السلاح، وعلى المجتمع المدني السوداني. والفكرة أن يحصل إجماع سوداني على قرار الكوديسا في جنوب أفريقيا.. إجماع لا يستثني أحدا، وإلا «أسمرا 2» أي اصطفاف كل القوى السياسية والاجتماعية والمدنية السودانية في جهة، وأهل الإنقاذ في جهة. فحزب الأمة يسعى للحل السلمي الحقيقي للبلد بقيادة الإمام.

* إلى أين وصلت الاجتهادات لتوحيد صف الحزب بدلا مما تعيشونه من انشقاقات ما بين الأمة الأصل، والأمة مبارك (البلدوزر) والأمة مسار ونهار، والأمة الصادق الهادي.. وغيرها من أفرع وغصون؟

- الإخوة الذين خرجوا من الحزب حاولوا بكل السبل والطرق للنيل منه ولكن بحمد الله لم يستطيعوا، فمنهم من أصبح إنقاذيا أكثر من أهل الإنقاذ ولم تشفع له، ومنهم من آثر أن يحتفظ بما نال من مغانم، ومنهم من حاول شمالا ويمينا وتاه في المنتصف. والحزب قد فتح قلبه وعقله لكل الإخوة الذين رأوا الرجوع إليه والمشاركة فيه وممارسة العمل الديمقراطي الحقيقي.

* لا يزال عبد الرحمن الصادق المهدي في موقعه مساعدا للرئيس البشير.. ما الذي أسهم به في رأيك؟ وهل تتوقعين أن يستقيل من منصبه ويعود لسربه؟

- الحبيب عبد الرحمن حينما قرر أن يعود إلى القوات المسلحة قدم استقالته من كل مناصبه في الحزب، وحينما قبل أن يكون مساعدا للرئيس كان قراره وبالتالي ليس لحزب الأمة أي علاقة بمشاركة الحبيب عبد الرحمن، وقد ذكر هذا الكلام كما ذكرته قيادة الحزب ممثلة في الرئيس ورئيسة المكتب السياسي وبعض القيادات. وبخصوص تقديم استقالته من منصبه كمساعد، فهو الذي يقدر ذلك.

* لم يستسغ أحد «حكاية» أن عبد الرحمن قد اختار، ومعلوم أن الأب السوداني له تأثير حتى عند اختيار الابن لمجال دراسته وزواجه، فما بالك أن يكون هذا الأب هو إمام الأنصار وأن يختار ابنه البكر أن يكون مساعدا لرئيس النظام الذي يعارضه؟

- الإمام الصادق أب ديمقراطي حقا وصدقا وعدلا، وقد ذكر أبناؤه وبناته الدرجة العالية جدا من الشفافية والمرونة في التعامل معه، وإذا جاز لي أن أقول لا أظنها متوفرة في أي أسرة من الأسر السودانية، لذلك ولكون أن الإمام الصادق صاحب المدرسة التنويرية المتفردة في التربية والسياسة والدين والتعامل والحكمة والخلق فقد منح عبد الرحمن حق الاختيار الكامل.

* إبان المظاهرات الأخيرة وعقب مظاهرة «جمعة الكنداكة» تعرض منزلكم وغرفة شقيقكم الأمير شفاه الله لهجمة من الغازات المسيلة كيف هي صحته الآن؟

- الحمد لله رب العالمين الذي حافظ على صحة الأمير واستقرارها، ونتضرع لله ليل نهار أن يشفيه ويعيده لنا ولأهله ووطنه سالما معافى. أما ما حدث يوم الجمعة 13 يوليو فهو خارج الإطار القانوني والإنساني والديني، فقد اعتدت قوة من الشرطة والأمن على المنزل بـ20 عبوة من الغاز المسيل للدموع «وغاز الأعصاب» بأنواع مختلفة، وضرب بالحجارة والرصاص المطاطي، ويوجد مع حالة الأمير شقيقتاه إحداهن أجريت لها عملية كبيرة في القلب والأخرى تعاني من حالة أزمة مزمنة وطفل حديث الولادة.

* هل عليك رقابة لصيقة؟

- بعض الأحيان أحس بها ولكن بعد أحداث جمعة 13 يوليو رجع الوجود الأمني على مستوى شارع المنزل، وتسجيل أرقام لوحات السيارات التي تقف بالمنزل والمراقبة من سقف المنزل.

* أليس غريبا أنهم لم يعتقلوك كما لم يعتقلوا مريم رغم دوركما في قيادة المظاهرات.. فهل شفع لكما عبد الرحمن أم بشرى؟

- عدم اعتقالنا يرجع لأن النظام إذا اعتقلنا فسيثبت أن المظاهرات ليست عشوائية، ويعطي دفعة نوعية للمظاهرات، لذلك أعتقد أنهم قرروا أن يكون الاعتقال على مستوى القيادات الشبابية والطلابية.

* من منكما بي نظير بوتو السودان.. سارة بت الأمير أم مريم بت الإمام؟

- بي نظير بوتو قيادة نسائية باكستانية إسلامية توفرت لها معطيات وعوامل وأسباب باكستانية فأنتجت بي نظير. ومريم الصادق قيادية سياسية نسائية إسلامية سودانية توفرت لها معطيات وعوامل وأسباب سودانية فأنتجت مريم.. مؤسسة في امرأة.

* ما الذي يطمئن الشارع السوداني أن حزب الأمة لن ينسحب من وثيقة البديل الديمقراطي التي وقعها وأحزاب المعارضة كما سبق وانسحب من التجمع؟

- حزب الأمة من المؤسسين للتجمع الوطني الديمقراطي وهو من آليات العمل الجماعي للشعب السوداني وإسهامات حزب الأمة في التجمع بشقيه الداخلي والخارجي أساسية، ولكن حينما وصل تجمع الخارج إلى درجة التكلس طرح حزب الأمة ضرورة مراجعة الهيكل حتى يصبح فاعلا، ومراجعة البرنامج حتى يصبح نابضا، ولكن الإخوة في التجمع اعتبروا أن ذلك يعني أن الصادق يريد أن يصبح رئيسا للتجمع، وهم يعلمون تماما أن فعل الصادق الفكري والتعبوي والسياسي لا يحتاج إلى تأطير. وحزب الأمة لم ينسحب من التجمع، ولكن تم التآمر عليه. وثيقة البديل الديمقراطي نبعت من حزب الأمة في ضرورة الحديث عن البديل الديمقراطي والهيكل الذي يتولى إدارة هذا الشأن وتدارستها قوى الإجماع الوطني وعدلت فيها وفي النهاية وقع على الورقة التي اتفقت عليها كل القوى السياسية في الإجماع الوطني وأيضا أدارت حوارا عميقا حول الإعلان الدستوري الذي سوف يوقع عليه حين الانتهاء من التشاور حوله.

* يتوقع كثيرون أن يغرق السودان في حمامات دم، خصوصا أن الرئيس البشير سيقاتل بشراسة حتى لا يؤخذ إلى لاهاي، كما أن الشقة بين الشارع وقيادات إنقاذية وصلت حد المطالبة بالقصاص؟

- نحن في حزب الأمة، كما ذكرت، رؤيتنا في تجنيب البلاد الانزلاق في حمامات الدم و«الصوملة» أو «السوررة»، والحل أن يستجيب أهل الإنقاذ لمؤتمر السلام المطروح.

* بماذا نفسر خفوت صوت الاحتجاجات والمظاهرات المعارضة لحكومة الإنقاذ رغم المعاناة، أم أن الغلبة (كما تقول الحكومة) لأعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم؟

- الشعب السوداني صبر على «الإنقاذ»، لكنه لم يخف، وحينما تصل الأمور إلى مآلاتها لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ولا بد أن يستعيد الشعب السوداني الأبي كرامته وعزته ووحدته ومبادئه وقيمه ونزاهته.