كوريا الجنوبية تسعى لإعادة توازن القوى

مع افتتاح مدينة جديدة تحفز النمو خارج العاصمة

TT

على هذه القطعة من الأرض الأكثر إثارة للجدل في الدولة، يضع 10 آلاف عامل حجر الأساس لمدينة جديدة طموحة من شأنها إما أن تحفز النمو خارج العاصمة المكتظة بالسكان أو أن ينتهي بها الحال إلى إهدار غير مدروس للمال.

تحاكي مدينة سيجونغ شكل موقع بناء أكثر منها مدينة مزدهرة - الروافع المدهونة باللون البرتقالي تمتد إلى عنان السماء والشاحنات كئيبة المظهر تدوي على الجسور الميدانية - لكن في الشهر المقبل، سوف يبدأ مسؤولو كوريا الجنوبية في الانتقال هنا في مجموعات.

سوف يأتون كجزء من خطة ظلت موضع خلاف لفترة طويلة والتي تقسم حكومة كوريا الجنوبية إلى نصفين، مع نقل 36 وزارة ووكالة إلى جنة بيروقراطية جديدة كانت فيما سبق عبارة عن مجموعة من المصانع.

لكن حتى مع بدء حدوث التحول، لا يبدو المسؤولون متأكدين مما إذا كانت هذه فكرة جيدة أم لا. إذا أقيمت سيجونغ على النحو المخطط له، بتعداد سكان يتوقع أن يصل إلى 500 ألف نسمة بحلول عام 2030، فيمكن أن تعيد توازن القوة في دولة طالما هيمنت عليها العاصمة سيول. غير أن منتقدين - من بينهم الرئيس لي ميونغ باك، الذي لم يحضر آخر حفل عشاء أقيم هنا - يقول إن جعل أجزاء من الإدارة على بعد 75 ميلا من العاصمة درب من الجنون.

يقول أون تشان تشونغ، رئيس الوزراء الكوري الجنوبي في عامي 2009 و2010 والذي عمل تحت قيادة لي وكان معارضا للفكرة: «ليس الانتقال إلى سيجونغ بمثابة إجراء غير فعال فحسب، وإنما شبه معوق لعمليات الحكومة».

بيد أن خطة سيجونغ التي تعود لعقد مضى تعكس تغيرا في أسلوب تفكير كوريا الجنوبية بشأن تطورها. فمع وصول الدولة إلى مصاف دول العالم الأول، على حد قول الخبراء، أصبح شعبها أقل اهتماما بمعدل النمو وزاد اهتمامهم بمن سيعود عليه المكسب. إنهم لا يتحسرون فقط على اتساع الفجوة في الدخول، وإنما أيضا على الفجوة الجغرافية بين سيول وبقية أجزاء الدولة. تضم منطقة سيول الكبرى، في الشمال الغربي، نصف تعداد السكان ونصف الشركات والمؤسسات.

وقد حاول الساسة، دون أن تكلل جهودهم بقدر كبير من النجاح، تحفيز النمو في المناطق واسعة الانتشار بالحوافز الضريبية وخطة لعشر «مدن ابتكار»، كأرض خصبة للصناعة والبحث الخاص.

يقول يوك دونغ إيل، أستاذ بجامعة تشونغنام الوطنية، التي تبعد 15 دقيقة بالسيارة عن سيجونغ: «كانت هناك نحو 500 سياسة للمساعدة في إعادة توازن الدولة، وجميعها باءت بالفشل». ويضيف: «لكنها كلها كانت سياسات صغيرة، لم تكن هناك أي خطة كبيرة كخطة سيجونغ».

المخطط المعدل بدأت سيجونغ بتعهد في عام 2002 من قبل الرئيس المستقبلي روه مو هيون في حملته، التي أراد فيها كسب أصوات الناخبين في منطقة تأرجح حرج ووعد بنقل العاصمة بالكامل. انتقد البعض في سيول الفكرة، لكن آخرين اكتشفوا أن المدينة يمكن أن تنتعش أيضا من دون الحكومة.

غير أن الخطة سرعان ما أثارت الجدل. فقد أصدرت محكمة دستورية حكمها بضرورة بقاء العاصمة في مكانها. قام روه بإلغاء نصف الخطة؛ على سبيل المثال، أن يظل البرلمان وبعض الوزارات الرئيسية في أماكنها. بعدها حاول لي، خليفة روه، وقف هذه الخطة واقترح بديلا لم يحظ بتأييد من قبل الأعضاء الرئيسيين في حزبه، ألا وهو الدعوة لأن تصبح سيجونغ مركزا للتعليم والصناعة.

إذن، فإن المخطط لسيجونغ أقل مما أراده روه في البداية ويمثل النقيض تماما لما يريده لي. وقد كانت لدى روه، الذي انتحر في عام 2009، «فلسفة تطوير وطني متوازنة»، على حد قول رئيس وزراء سابق يدعى لي هاي تشان.

وقد سبق وأن تعهد الرئيس الحالي، الذي كان عمدة لسيول فيما مضى، بوقف التطوير في سيجونغ حتى إذا ما كان عليه «تعبئة الجيش».

تقدم العمل لقد تحولت سيجونغ منذ ذلك الحين إلى مشروع تكلفته 20 مليار دولار ليس من السهل إنجازه. يصل قطار سريع من سيول إلى محطة شمال سيجونغ في 38 دقيقة، لكنه ما زال يستغرق 25 دقيقة بالسيارة الأجرة للوصول إلى المدينة نفسها، ومن الصعب العثور على سيارات أجرة. تأتي الحافلات مرة واحدة كل ساعة، مع أن المسؤولين يعدون بأن يتحسن النقل سريعا، مع زيادة عدد الوافدين.

سوف يتعامل عدد محدود من المجمعات السكنية الشاهقة المقامة حديثا عند أطراف المدينة مع الموجة الجديدة من المهاجرين: 900 بيروقراطي في سبتمبر (أيلول) وأربعة آلاف بنهاية العام. ويوجد بالمنطقة، التي يفصلها عن موقع البناء الضخم حاجز من طابقين، متجر بقالة ومجموعة من المطاعم وست مدارس. غير أن سيجونغ لا يوجد بها مستشفى أو سينما أو متاحف. وأشار استطلاع رأي أجرته الحكومة مؤخرا إلى أن 12 في المائة من البيروقراطيين النازحين سوف يرحلون من سيول وأن البعض يحدوهم الخوف من أن تصبح سيجونغ - على غرار العاصمة كانبيرا المخطط لها في أستراليا - مدينة أشباح في نهاية الأسبوع.

«سوف يستغرق الأمر نحو 20 عاما قبل أن تتخلص المدينة من سمات موقع بناء»، هذا ما قاله سونغ كي سوب، رئيس مجلس إدارة وكالة بناء المدينة الإدارية متعددة الوظائف، المسؤولة عن تطوير سيجونغ.

تمتلك سيجونغ الآن عنصر جذب، ألا وهو مكتب علاقات عامة فخم مكون من ثلاثة طوابق. وهناك، يستطيع الزائرون القراءة عن المنافسات في مجال التصميمات من أجل إنشاء وحدات سيجونغ السكنية وعن أسماء العصر الحديث لمساحاتهم الخضراء المضمنة (سوف يضم أحد المجمعات السكنية «منطقة استشفاء»). بإمكان الناس السير حول نموذج لسيجونغ ودراسة طرقها الرئيسية، التي تحيط بالمدينة، والمبنى الحكومي الرئيسي، الذي توجد حديقة على سقفه. يمكنك مراجعة الجدول الزمني لتطوير سيجونغ، الذي يبدأ في عام 2003 بالخطة الأساسية ويمضي قدما بشكل سريع نحو المستقبل.

تخطط المدينة لإنشاء مكتبات وملعب رياضي وفنادق بحلول عام 2015. وفي عام 2020، سوف تكون بها متاجر شاملة وسوف يبلغ تعداد سكانها 200 ألف نسمة. أما في عام 2030، فسيصل تعداد سكانها إلى 500 ألف نسمة وستصبح مدينة مكتفية ذاتيا.

يقول سونغ: «سوف نكتشف ما إذا كانت تلك الخطة ستكلل بالنجاح أم لا. لكن هدفنا هو إنشاء مدينة يطمح الجميع للعيش فيها».

* ساهم يونجونغ سيو في كتابة التقرير

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ «الشرق الأوسط»