تجار العملة الإيرانيون يجدون ملاذا آمنا في السوق الحرة بأفغانستان

يتحاشون العقوبات عبر تحويل ريالاتهم إلى دولارات في كابل ثم إلى مصارف في الخليج

TT

بعد أن تسببت العقوبات الأميركية والأوروبية في حدوث أزمة عملة كبيرة في إيران، يقول المسؤولون إن عدد متزايدا من المواطنين الإيرانيين يقومون بتعبئة الشاحنات بالريال الإيراني، الذي فقد جزءا كبيرا من قيمته منذ دخول العقوبات الدولية حيز التنفيذ، متجهين صوب السوق الحرة لتجارة العملة في أفغانستان المجاورة، التي ما زالت تقبع تحت الاحتلال الأميركي، وذلك لمبادلتها بالدولار.

وقد فقد الريال الإيراني أكثر من نصف قيمته في مقابل الدولار، بينما أصبحت التحويلات المصرفية عبر الحدود وصرف العملات أمرا صعبا، حيث أدت العقوبات إلى خفض عائدات إيران الحيوية من النفط وخروج البلاد من الأسواق المالية الدولية. وتبذل الشركات والمواطنون في إيران جهودا يائسة لمحاولة تجنب حدوث المزيد من الخسائر، حيث يقومون بتحويل أموالهم وإخراجها من البلاد لحمايتها، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإيرانية العثور على وسائل بديلة للحصول على العملة الصعبة.

وتدخل الأموال الإيرانية إلى أفغانستان، حيث يعد الدولار الأميركي عملة وطنية ثانية عقب سنوات من الإنفاق الغربي في أفغانستان التي تتمتع برقابة مالية هشة للغاية، مما يتسبب في خروج مليارات من الدولارات النقدية سنويا من البلاد. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأفغان والغربيين يقولون إنهم لا يستطيعون تحديد أرقام دقيقة للتجارة مع إيران، فإنهم يشددون على أن مثل هذه العمليات تعتبر تحديا محتملا للعقوبات المفروضة على إيران، والتي ساعدت الولايات المتحدة الأميركية، المتبرع الرئيسي في أفغانستان، على وضعها.

يقول أحد المسؤولين الأميركيين إن الإيرانيين «يقومون في الأساس باستخدام أموالنا، فضلا عن أنهم يقومون بالالتفاف على ما نحاول تنفيذه».

يعد هذا الأمر تكرارا جديدا لمشكلة راسخة في أفغانستان، حيث يكافح المسؤولون الغربيون بالفعل لمواجهة عاصفة الفساد الذي تؤدي إلى تقويض جهود الحرب. وفي الأعوام الأخيرة التي أعقبت الغزو الأميركي لأفغانستان، أصبحت البلاد حلما لكل المهربين، نظرا لازدهار اقتصاد الأفيون وانتشار الفساد الحكومي الذي يعتقد على نطاق واسع أنه العامل الرئيسي وراء وصول أموال المساعدات الغربية إلى حركة طالبان.

وعلى الجانب الآخر، فمن غير المرجح أن تكون عمليات تهريب الأموال الإيرانية إلى أفغانستان كافية لتقويض العقوبات المفروضة عليها، والتي تعد حجر الزاوية في الجهود الغربية للضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي. لكن من الواضح أن المسؤولين الأميركيين يشعرون بالقلق حيال ذلك، ففي إحدى الإشارات على ذلك، قام الرئيس الأميركي باراك أوباما بتعزيز هذه العقوبات بصورة هادئة الشهر الماضي عن طريق إعطاء وزارة الخزانة الأميركية الحق في معاقبة أي شخص يقوم بشراء الدولارات أو المعادن النفيسة، مثل الذهب، بالنيابة عن الحكومة الإيرانية.

يقول ديفيد كوهين، وهو وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية «نقوم باتخاذ بعض التدابير لتصعيب الأمر على الحكومة الإيرانية في تلبية الطلب المتزايد على الدولار، ونوضح جليا لأي شخص يقوم بتزويد الحكومة الإيرانية بالدولارات أنه سيواجه عقوبات».

يقول تجار العملة الأفغان إن المسؤولين الأميركيين قد أخبروهم هذا الشهر بعدم عقد صفقات تجارية مع «مصرف آرين»، وهو مصرف أفغاني تعود ملكيته إلى اثنين من المصارف الإيرانية. وأبقت وزارة الخزانة الأميركية العقوبات التي تم فرضها على المصارف الأفغانية والإيرانية في الأعوام القلية الماضية، في الوقت الذي أكد فيه التجار أنهم تم إخبارهم مؤخرا بأن الحكومة الإيرانية قد قامت باستخدام المصارف الأفغانية لنقل الأموال من وإلى أفغانستان. ويؤكد المسؤولون الغربيون والأفغان فضلا عن بعض التجار في الأسواق المالية الأفغانية أن عددا من المواطنين الإيرانيين يسعون لشراء الدولار واليورو بالريال الإيراني، عقب تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران في السنوات القلية الماضية. وتعد عمليات الشراء هذه جزءا من الجهود التي يبذلها المواطنون الإيرانيون الأثرياء أو الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى لحماية مدخراتهم وأرباحهم التجارية عن طريق تحويل هذه الأموال إلى خارج إيران. لكن عمليات نقل الأموال المشروعة إلى خارج إيران قد أصبحت مستحيلة تماما في ظل العقوبات المفروضة على إيران، لذا يقوم الإيرانيون بدلا من ذلك بتحويل ريالاتهم إلى أفغانستان ثم تحويلها إلى المصارف الموجودة في الخليج أو غيرها من المصارف.

وصرح جواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة فرجينيا للتكنولوجيا والخبير في شؤون الاقتصاد الإيراني «الطبقة الوسطى مصابة بحالة من القلق الشديد حول ما ينبغي عليها القيام به في الوقت الحالي».

أما الأمر الذي ينظر إليه المسؤولون الغربيون بمزيد من القلق فيكمن في سعي الحكومة الإيرانية إلى تعزيز احتياطياتها من الدولار واليورو والمعادن النفيسة لتحقيق الاستقرار في أسعار صرف العملات وضمان قدرتها على سداد قيمة وارداتها. وبلغت قيمة الاحتياطيات الإيرانية من العملات الأجنبية والمعادن النفسية نحو 110 مليارات دولار في عام 2011، لكن من المعتقد أن هذه الاحتياطيات بدأت في التراجع في الوقت الراهن.

وقد أثبت التجار الأفغان استعدادهم التام لاستبدال الدولار الأميركي بالريال الإيراني، الذي يتم استخدامه كعملة في مناطق عديدة من غرب أفغانستان، مقابل الحصول على أسعار صرف مغرية. يقول حجي نجيب الله اختاري، رئيس اتحاد الصرافة الأفغاني، وهي جمعية تتكون من شركات الصرافة وتحويل الأموال التقليدية التي تعرف باسم «حوالات»، إنه وأعضاء الاتحاد قد لاحظوا وجود زيادة مطردة في أعداد الإيرانيين الذين يقومون بجلب الأموال إلى أفغانستان خلال العام الماضي. تأتي هذه العمليات على رأس التحويلات الروتينية التي يقوم بها الأفغانيون الذين يعيشون ويعملون داخل إيران، بما في ذلك أكثر من مليون لاجئ فقير، فضلا عن الإمدادات المنتظمة من الريالات الإيرانية التي يتم تداولها في أفغانستان.

ويؤكد اختاري أن هذه الأموال «تأتي عبر الحدود في شاحنات»، حيث يقوم بعض الوسطاء الأفغان بتنظيم عمليات تحويل الأموال تلك في مقابل حصولهم على عمولة تتراوح بين 5 و7 في المائة. ويشير اختاري إلى أن الإيرانيين ينشطون في تحويل ريالاتهم إلى دولارات في مدينة كابل وهرات التي تقع على الحدود الغربية لأفغانستان، فضلا عن مدن قندهار وغزنة الجنوبية. ويتم إجراء هذه العمليات بصورة كبيرة عن طريق الحوالات، التي تسمح للأشخاص بتحويل مبالغ كبيرة من الأموال في مقابل رسوم قليلة لأقربائهم أو شركائهم التجاريين في الأماكن البعيدة في غضون دقائق معدودة. ويقوم التجار في العديد من الأماكن بتغطية بعضهم البعض لإنجاح هذه العمليات، ثم يقومون بعقد تسويات بينهم في ما بعد.

عادة ما تكون الأحوال في الأسواق متداعية، وهو ما يعطي لمحة بسيطة عن المبالغ الكبيرة التي يتم تحويلها. فسوق كابل للحوالات، على سبيل المثال، ما هي إلا مجموعة من المسارات القذرة التي تختبئ على ضفتي نهر كابل، الذي يحتوي على قليل من المياه النتنة التي تدخل في هذه المصارف القذرة، لكنها تقوم بأعمال تجارية ضخمة. فخارج واجهات المحالات في كابل يجلس الرجال على الرصيف خلف طاولات متهالكة ومكدسة بالعملات الأفغانية والروبية الباكستانية والدولار الأميركي والريال الإيراني وغيرها من العملات الأخرى.

ويقول حجي أحمد شاه حكيمي، أحد تجار الحوالات، إن الأموال الإيرانية تدخل أفغانستان من خلال طريقين رئيسيين، أولهما عن طريق الحدود مع إيران مباشرة وثانيهما عن طريق باكستان.

وأصر حكيمي واختاري أنهما ليسا متورطين في عمليات تهريب الأموال النقدية الخاصة بالإيرانيين أو سواهم، لكن تجار الحوالات هم من يقومون بهذا الموضوع. ويؤكد حكيمي أن المواطنين الأفغان يعتقدون أن الولايات المتحدة الأميركية هي من تقف وراء فرض هذه العقوبات على إيران، وهو السبب في أن بعض الأفغان ليست لديهم أدنى مشكلة في تهريب الأموال للإيرانيين. ويتفق بعض المسؤولين الأفغان مع وجهة النظر هذه، مؤكدين أن تدفق الأموال الإيرانية ليست هي المشكلة الرئيسية، على الرغم من ضخامة عمليات تهريب الأموال عبر الحدود. ويشير مدقق حسابات قضائي أوروبي قام بتعقب الجرائم المالية في أفغانستان، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن عمليات تدفق الأموال من وإلى أفغانستان تتم من دون مراقبة أو عوائق تذكر، معتبرا إياها عملية غسل أموال تتم «على مستوى الدولة».

وفي عام 2011، تم وضع ما يناهز 4.6 مليار دولار، وهو ما يوازي ثلث إجمالي الناتج المحلي في أفغانستان تقريبا، داخل حقائب أو لفه داخل شاحنات أو تعبئته داخل صناديق أو نقله جوا من مطار كابل على متن رحلات شركات الطيران التجارية التي اتجهت معظمها إلى إمارة دبي، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقا للبنك المركزي. ويقول مسؤول أفغاني يقوم بتعقب المعاملات المالية المشبوهة، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه على الرغم من أن القواعد الجديدة والتنفيذ الأفضل للقانون قد تسببا في تقليل كميات الأموال التي يتم نقلها خارج كابل، فإن أي شخص يستطيع تخمين كمية الأموال التي خرجت من أفغانستان برا على متن شاحنات أو عن طريق الرحلتين الجويتين اللتين يتم تسييرهما أسبوعيا بين إمارة دبي ومدينة قندهار الواقعة جنوب أفغانستان. ويضيف المسؤول الأفغاني نفسه «قندهار، ليس لدينا أدنى فكرة عما يحدث هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»