النيجر تتحول إلى ساحة لحرب الإرهاب بسبب «بوكو حرام» والجماعات المتطرفة

مناجم اليورانيوم الضخمة تقع إلى جوار المناطق التي تنشط فيها «القاعدة»

مقاتلون من حركة التوحيد والجهاد الموالية لتنظيم القاعدة يجوبون شوارع غاو في شمال مالي أمس (رويترز)
TT

بالكاد تبدو مدينة ديفا، في دولة النيجر غرب أفريقيا، ميدان المواجهة للحرب على الإرهاب. فسوق المدينة تعج بالمتسوقين، والشباب يستمعون إلى موسيقى الراب الفرنسية، والأولاد يلعبون كرة القدم على الأرض غير الممهدة.

لكن نقطة التفتيش الحدودية القريبة مع نيجيريا، التي كان المئات يعبرونها جيئة وذهابا كل يوم، أغلقت. وتحولت شوارع المدينة إلى مسرح لدوريات على مدار الساعة. وأرسلت الولايات المتحدة فريقا من القوات الخاصة الذين حاربوا في العراق وأفغانستان، لتدريب الجيش النيجري المهلهل.

يقول كولو ليغاري كاتيلا، المسؤول الأمني الإقليمي بالأمم المتحدة ومسؤول الشرطة السابق في النيجر: «نحن عالقون وسط أزمات كبرى».

شن المتطرفون الإسلاميون، خلال السنوات الأخيرة، هجمات انتحارية وعمليات اختطاف لغربيين في شمال وغرب أفريقيا. لكن في أعقاب ثورات الربيع العربي، بات القتال ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في هذه الرقعة المعتدلة من أفريقيا ضرورة ملحة، حيث أثارت سيطرة مقاتلين مرتبطين بـ«القاعدة» على شمال مالي، بمساعدة الأسلحة التي حصلوا عليها من ليبيا، المخاوف من قيام مزيج متفجر من التمرد والإرهاب والتطرف الديني قد يمتد عبر الحدود.

مثل هذه المخاوف تتضح بشدة في ديفا والمدن الصغيرة الأخرى الواقعة على طول الحدود مع مالي وشمال نيجيريا، حيث تنشط جماعة «بوكو حرام»، التي يشتبه في صلتها بـ«القاعدة»، والتي كثفت من هجماتها هذا العام. في مثل هذه الأماكن، يقول المسؤولون المحليون وعمال الأمم المتحدة إن الإسلام الأصولي حل محل الصوفية التي يعتنقها أبناء النيجر منذ قرون.

تحاول «بوكو حرام» نشر عقيدتها المتطرفة ونهجها العنيف في هذه المدن، ويستخدم مقاتلوها النيجر بوابة للحاق بالإسلاميين في شمال مالي، بحسب مسؤولين محليين وخبراء أمنيين تابعين للأمم المتحدة. تقع ديفا، على وجه الخصوص، على بعد 100 كيلومتر من قاعدة «بوكو حرام» الرئيسية في نيجيريا، المعروفة بكونها معقل قادة الجماعة وأعضاء آخرين فارين من السلطات في نيجيريا.

ويقول كاتيلا: «هناك (القاعدة) في شمالنا و(بوكو حرام) في جنوبنا. السكان هنا يعيشون في خوف لأنهم يواجهون كثيرا من التهديدات».

تبدي الولايات المتحدة وحلفاؤها في العالم قلقا متزايدا إزاء المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في أفريقيا، التي يمكن أن تشكل ملاذات جديدة للجهاديين من أنحاء العالم. وعلى الرغم من تراجع الهجمات الإرهابية العام الماضي مقارنة بعام 2010، بما في ذلك العراق وأفغانستان، فإن وتيرة الهجمات في أفريقيا زادت بنسبة 11.5 في المائة، بحسب أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب.

تؤثر هذه الحالة من عدم الاستقرار هذه على المنطقة التي تزداد أهميتها الاقتصادية للولايات المتحدة والغرب. حيث تصدر نيجيريا نفطا إلى الولايات المتحدة يفوق ما تصدره أغلب الدول العربية، إضافة إلى أن النيجر واحدة من أضخم منتجي العالم لليورانيوم، المستخدم في صناعة الأسلحة ووقود المنشآت النووية، الذي تقع مناجمه في المناطق التي تنشط فيها الميليشيات التابعة لـ«القاعدة». ويخطط الاتحاد الأوروبي أيضا لإرسال خبراء لتدريب قوات الأمن النيجرية لقتال «القاعدة».

ويقول ملازم القوات الخاصة، داني، الذي رفض التصريح باسمه الأخير، بحسب مقتضيات البروتوكول: «استقرار هذه المنطقة مهم لنا جميعا».

كان سقوط القذافي قد تسبب في عودة الآلاف من مقاتلي الطوارق الذين حاربوا إلى جانبه حاملين معهم ترسانة ضخمة من الأسلحة إلى شمال مالي، مسقط رأسهم. ومن هناك انضموا إلى متمردي الطوارق الآخرين ومتطرفي «القاعدة» ليسقطوا الحكومة في الجزء الشمالي من البلاد. وخلال أسابيع سيطر الإسلاميون على منطقة بحجم ولاية تكساس.

يفرض الإسلاميون في مالي الشريعة الإسلامية فيحرمون مشاهدة التلفزيون وكرة القدم ويأمرون النساء بارتداء النقاب، وقد أجبرت وسائلهم العنيفة - الجلد بالسياط والضرب والقتل - عشرات الآلاف من الماليين على الهرب إلى الدول المجاورة بما في ذلك النيجر، التي يعاني شعبها بالفعل من أزمة جوع خانقة.

هناك قلق مشابه بالنسبة للنيجر، ويتمثل في الانفصاليين الطوارق الذين ثاروا في السابق، ونشاط مقاتلي «القاعدة»، وخطف الغربيين. وقدرة كلا الفريقين على الوصول بسهولة إلى أسلحة القذافي، يجعل النيجر أكثر عرضة لخطر الإرهاب.

في الوقت ذاته، أحدثت هجمات جماعة «بوكو حرام» ضد الكنائس والمصارف والمؤسسات الحكومية في شمال نيجيريا اضطرابا اقتصاديا في شمال النيجر. وقد أدت العودة المفاجئة لعشرات الآلاف من العمال بعد سقوط القذافي إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد النيجري مما يضيف مزيدا من المجندين المعوزين إلى المقاتلين الإسلاميين في أفريقيا.

الرحلة الطويلة التي استغرقت أسبوعين مؤخرا إلى حدود مالي وعلى طول الحدود الجنوبية للنيجر مع نيجيريا كشفت المعاناة التي تعيشها هذه الدولة غير الساحلية في ظل تهديدات التطرف الإسلامي، فيقول مارو أمادو، وزير العدل في النيجر: «نحن نتعرض لضغوط من جميع الجهات».

* تدفق المقاتلين

* خلال الشهرين الماضيين، شاهد يوسوغا مايغا بقلق معسكر اللاجئين القريب من حدود مالي يتضخم، ونظرا لكونه حاكم إقليم تيلابيري، أحد أكثر الأقاليم تأثرا بأزمة الجوع، فقد أبدى قلقا إزاء إمكانية تصارع الوافدين الجدد مع أبناء إقليمه الفقراء على الغذاء والموارد الأخرى.

لكن مايغا، وهو لواء أيضا بالجيش، يبدي قلقا أكبر بشأن تسلل جماعة «أنصار الدين»؛ الجماعة الإسلامية التي تسيطر على شمال مالي ووثيقة الصلة بـ«القاعدة في المغرب الإسلامي»، التي تعمل في شمال وغرب أفريقيا. ويوجد مقاتلون من كلا الجماعتين إضافة إلى فصائل إسلامية أخرى عبر الحدود، ويقوم جنود مايغا بدوريات في المنطقة ليل نهار.

منذ مارس (آذار) الماضي، عندما خضع شمال مالي لسيطرة الإسلاميين، جرى تحويل 80 مليون دولار من ميزانية البلاد إلى الدفاع والأغراض الأمنية، بحسب مسؤولين حكوميين بارزين، أوضحوا أن هذه الأموال كان تخصص في السابق للتعليم والعدل والصحة والتنمية الاجتماعية.

على الرغم من ذلك، فإن مايغا اعترف بصعوبة منع تدفق المقاتلين والأسلحة. فهذه الحدود التي يبلغ طولها 510 كيلومترات، هي في أغلب المناطق خطوط وهمية في رمال الصحراء يسهل عبورها دون أن يدري أحد. وأضاف مايغا: «أي مشكلة تؤثر على مالي ستؤثر على النيجر، فنحن ننتمي إلى المجموعة العرقية نفسها، ونرتدي الثياب والعمائم ذاتها، ونشرب الشاي نفسه.. ولذا سيكون من الصعب التعرف على المقاتلين التابعين لـ(أنصار الدين)». المشكلة ذاتها على حدود النيجر البالغة 930 كيلومترا مع نيجيريا، حيث تعيش أيضا العديد من القبائل على كلا الجانبين من الحدود.

غير أن الحكومة النيجرية صادفت بعض النجاح في كبح طموحات «بوكو حرام»، فمنذ مارس الماضي تم اعتقال ما لا يقل عن 13 عنصرا أو مواليا للجماعة على الطريق إلى شمال مالي، كان الواضح أنهم في طريقهم إلى هناك لدعم التمرد أو تلقي التدريب في صفوف «القاعدة في بلاد المغرب العربي»، بحسب أمادو وزير الإعلام. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أشار تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن سبعة من أنصار جماعة «بوكو حرام» اعتقلوا خلال عبورهم أراضي النيجر كانوا يحملون أسماء وتفاصيل اتصالات بأعضاء في «القاعدة في بلاد المغرب العربي».

وبحسب مسؤولين حكوميين وتابعين للأمم المتحدة ألقت السلطات في ديفا القبض على سبعة أفراد يشتبه في صلتهم بجماعة «بوكو حرام» في فبراير (شباط) وبحوزتهم قنال ومتفجرات مصنوعة محليا، وقالت الحكومة إن المجموعة كانت تحاول إنشاء خلية في المنطقة.

ويبدي المسؤولون في واشنطن والأمم المتحدة قلقا من وصول ترسانة القذافي، التي تضم قذائف «آر بي جي»، ومدفعية خفيفة مضادة للطائرات، وصواريخ تطلق من على الكتف، إلى جماعة «بوكو حرام». وعلى الرغم من الأدلة غير المؤكدة التي تربط بين «بوكو حرام» و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والجماعات الإسلامية في مالي، فإن الخبراء الأمنيون يشيرون إلى أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هناك علاقة قد تشكلت فعليا بين هذه الجماعات الثلاث.

في النيجر، لا توجد مثل هذه الشكوك.

فيقول مايغا: «إنهم جميعا جزء من الشبكة نفسها».

* المخاوف في صفوف المسيحيين

* على بعد مئات الأميال، يسيطر الخوف في مدينة زيندر على القس برنس أوزويغوي، ففي عيد الميلاد الماضي هددت جماعة «بوكو حرام» باستهداف الكنائس في جنوب النيجر، وقد أرسلت الشرطة 20 جنديا لحماية كنيسته الصغيرة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، هاجم مجهولون بالحجارة مجمع الكنيسة ودمروا أضواءها الأمنية، وألقى آخرون بالشتائم على من بالداخل. في واحدة من تلك الحوادث، تم رشق زوجته بالحجارة خلال مغادرتها الكنيسة. وألقى أوزويغوي باللوم على جماعة «بوكو حرام» والمتعاطفين معها في النيجر.

وقال القس: «إنهم يخططون لشن هجمات يومية ضدنا، وهم بحاجة إلى يوم واحد للتخلص من جميع المسيحيين في النيجر». وأضاف: «زيندر مركز الإسلام في النيجر. إنهم يكرهون المسيحيين. إنهم يكرهوننا».

ويشير مسؤولو الأمم المتحدة والمحليون إلى أن المتطرفين يزحفون جنوب النيجر حيث يوجد كثير من المساجد التي تقوم بتدريس الشريعة الإسلامية والأفكار المتشددة. ويدرس كثير من الطلبة الآن في مدارس «القرآن»، كما زادت نسبه ارتداء النقاب بين السيدات، ونسبة الملتحين بين الرجال.

ويقول غوديو كورنالي، مسؤول صندوق الطفولة في الأمم المتحدة: «ديفا مكان راحة المقاتلين، أما زيندر، فهي معقل الجانب الديني من (بوكو حرام) التي اكتسبت زخما هناك»، حيث يعبر بعض السكان عن دعمهم الصريح للجماعة.

ويقول الحاج عبدو مهاراجو، تاجر من مدينة مارادي يقوم برحلات متكررة إلى شمال النيجر: «لو أنني تعرضت لهجوم من قبل جماعة (بوكو حرام)، فكأنني تعرضت لعقاب من الله. إنها إرادة الله. ولا غضاضة في ذلك».

وفي مدينة غوري، يعيش عشرات الآلاف من الأشخاص الذين عملوا في السابق في ليبيا عاطلين عن العمل. كانوا هؤلاء في السابق يعيلون عشرات من الأقارب بحوالاتهم، والآن يعيش أغلب أقاربهم عاطلين عن العملين ويبحثون عن الطعام. ويلقي المسؤولون المحليون باللائمة على العائدين في الارتفاع الحاد في السرقة والهجمات الأخرى.

ويقول آلاسان مامام، مساعد عمدة غوري: «إنهم قلقون من إمكانية انضمام بعضهم إلى المتطرفين في نيجيريا أو مالي. إنهم لا يملكون عملا ثابتا أو أي شيء، ويسيطر عليهم الجوع والفقر».

إلى جانب هذه المصاعب، تأتي هجمات «بوكو حرام»؛ حيث يعتمد غالبية سكان الجنوب على البضائع الآتية من شمال نيجيريا، لكن الانفلات الأمني هناك وإغلاق الحدود والحملات الأمنية الكثيفة ساهمت في رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة بنسبة 60 في المائة. ويقول علاجي رابي علي، تاجر في مارادي: «عندما أصل إلى نيجيريا هذه الأيام، أتحمل مخاطر كبيرة، ولذا علي أن أرفع أسعاري».

أرسلت جماعة «بوكو حرام» هذا العام العديد من رسائل التهديد إلى أئمة المساجد الذين يخالفون العقيدة المسلحة للجماعة. وكما هي الحال في المناطق الأخرى، هناك كثير من أتباع «بوكو حرام» هنا، حيث ترفض بعض العائلات تطعيم أطفالها ضد الأمراض لأنهم يرون في ذلك مؤامرة غربية، وبعض العائلات ترفض ذهاب فتياتها إلى المدرسة، كما سافر رجال من ديفا إلى نيجيريا للقتال في صفوف «بوكو حرام».

إزاء هذه الخلفية، يقوم الملازم داني وفريقه من القوات الخاصة بتدريب الجنود النيجريين للقيام بدوريات على حدودهم على نحو أفضل وللتواصل بشكل أفضل مع السكان المحليين، لكن مسؤولين بارزين في الحكومة يعتقدون أنهم يستحقون مزيدا من التعاطف والدعم الدولي في حربهم ضد الإسلاميين. ويقولون إن التدخل العسكري في مالي هو الوسيلة الأفضل للقضاء على هذا التهديد وإرسال تحذير قوي إلى جماعة «بوكو حرام».

ويقول أمادو، وزير العدل: «نحن نسيطر على الموقف حتى الآن، لكني لست على يقين إلى متى يمكن أن نحتفظ به كذلك. عندما نصرخ، ينبغي أن يسمعنا العالم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»