الهند: «الوحدة الوطنية» على المحك بسبب موجة نزوح الأقليات

الذعر يكتنف البلاد مع انتشار الأنباء عن تجدد الصراع في آسام

الآلاف من بنغالور يفرون خوفا من تجدد الصراع العرقي في آسام (إ.ب.أ)
TT

كسرعة انتشار النار في الهشيم، عمت المخاوف الهند الأسبوع الماضي وباتت «الوحدة الوطنية» على المحك، بدءا من المدن الكبرى مثل بنغالور، إلى البلدات الأصغر حجما مثل ميسوري. انتشرت الرسالة كالعدوى: فروا، توجهوا إلى بلادكم، اهربوا. دفعت هذه الرسائل آلاف المهاجرين من الولايات الشمالية النائية في الهند إلى التكدس في محطات القطارات في هجرة جماعية على نقيض ما تمثل القيم الهندية من التسامح والتنوع.

وما بدأ كنزاع محلي منعزل هنا في ولاية آسام النائية، قتال شرس، إن لم يكن ملغزا، على الأرض والسلطة بين مسلمين وقبيلة بودو، السكان الأصليين، تسبب بصورة غير متوقعة في انطلاق موجة من الذعر بين المهاجرين الشماليين الذين انتقلوا إلى المدن الأكثر رخاء للتمتع بجزء من الثروة المتنامية للهند.

وانتشرت دوامة من الشائعات غير المبررة عبر الرسائل النصية والإعلام الاجتماعي، تحذر من هجمات يشنها مسلمون ضد المهاجرين القادمين من شمال شرقي الهند، لتبث الذعر في قلوبهم وتحفزهم على العودة الجماعية إلى ديارهم. وقد أبدى زعماء الهند انزعاجا كبيرا وطالبوا الأفراد بالهدوء. ودفعت الأحداث رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ لحضور جلسة البرلمان يوم الجمعة ليدين مروجي الشائعات ويعمل على طمأنة أبناء الولايات الشمالية الشرقية. وقال سينغ «إن وحدة وتكاتف الدولة والتناغم المجتمعي تقف جميعا على المحك الآن».

أكدت هذه الحالة التي سادت العديد من المراكز الحضرية الأكثر تقدما في البلاد على الجذور العميقة للتوترات العرقية في الهند التي عادة ما يتم تبسيط الصراعات المجتمعية فيها على أنها مجرد نزاع بين هندوس ومسلمين، لكنها عادة ما تكون أكثر تعقيدا. وقد نجح قادة الهند على مدى عقود على الأغلب في تفادي الصراعات العرقية الإقليمية، حتى وإن لم تتمكن من حلها، لكن المخاوف الشعبية هذا الأسبوع تأتي دليلا على أن الاستراتيجيات القديمة كانت أقل فاعلية في عصر المعلومات.

بدأت الحكومة المركزية الأسبوع الماضي التحرك لفرض الاستقرار في آسام، حيث قتل ما لا يقل عن 78 شخصا وترك أكثر من 300.000 شخص منازلهم باتجاه معسكرات اللاجئين. ثم قام المسلمون بمظاهرة حاشدة غاضبة في مومباي، العاصمة الاقتصادية للبلاد. وبدأت موجة من الخوف تجتاح مجتمعات المهاجرين بعد تعرض العديد من أبناء ولايات الشمال الشرقي في بوني، التي لا تبعد كثيرا عن مومباي، للضرب.

بدأت عملية النزوح الجماعي يومي الأربعاء والخميس، ولذا تقاطر الكثير من الأفراد إلى محطات القطارات في بنغالور وتشيناي، وأضافت وزارة المواصلات الهندية المزيد من القطارات المتجهة إلى مدن الولايات الشمالية. لكن على الرغم من الهدوء في المدن الأضخم بحلول الجمعة، فإن أعداد المغادرين من المدن الأصغر بما في ذلك ميسوري ومانغالور لا تزال في تزايد.

ويرى الكثير من مهاجري ولايات الشمال الشرقي، الاندفاع للعودة إلى الديار - على الرغم من وقوع المشكلة في آسام - تذكيرا بالعزلة التي يشعر بها الكثيرون في الهند. فدائما ما كان الشمال الشرقي للهند، الذي يربطه ببقية البلاد شريط ضيق من الأرض، يشعر بأنه ليس في ذاكرة الحكومة. تعيش في هذه المنطقة مجموعة متناغمة من المجموعات العرقية، وقد ابتليت ولايات الشمال الشرقي السبع بحركات التمرد والصراعات، حيث تتصارع المجموعات المختلفة على السلطة.

في آسام تدور الصراعات للسيطرة على الأراضي، وضغوط الهجرة والصراع على السلطة السياسية. كانت وحشية الصراع وجديته مروعة، فبعض القتلى تعرضوا للذبح، وتم إحراق أكثر من 14.000 منزل. كثير من النازحين توجهوا إلى معسكرات اللاجئين ممن فروا من دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية هربا من الاضطهاد العرقي، وهو ما تسبب في وقوع أزمة إنسانية.

وتقول سولبا موشاري (35 عاما)، التي تعيش مع ابنتيها المراهقتين في مخيم للبودو «إذا عدنا وهاجمونا مرة ثانية فمن الذي سينقذنا؟ قمت بزيارة منزلي، لم يتبق منه شيء».

يبلغ تعداد ولاية آسام 31 مليون نسمة، وتحفل بتاريخ طويلا من الصراعات العرقية، ويتركز العنف الحالي في المنطقة الغربية من الولاية التي يزعم البودو أنها وطنهم. وعلى مدى سنوات قامت المجموعات الانفصالية من البودو بالقتال من أجل نيل الحكم الذاتي، مع سعي البعض إلى إقامة ولاية وسعي آخرين إلى إقامة دولة بودو المستقلة.

في عام 2003 توصلت الحكومة المركزية التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، إلى اتفاق وافق بموجبه متمردو البودو على إلقاء السلاح مقابل الحصول على حكم ذاتي خاص للإقليم المعروف الآن باسم بودو لاند، نفس الأسلوب الذي استخدمه الكثير من زعماء الهند السابقين للتعامل مع حركات التمرد الإقليمية، عبر إقناع المتمردين بمقايضة قوة السلاح بقوة صندوق الاقتراع.

يهمين البودو في الوقت الراهن على الحكومة التي تشرف على مناطق الحكم الذاتي، على الرغم من كونهم لا يشكلون أغلبية السكان في المنطقة، حيث يشكلون نسبة 29 في المائة من السكان، فيما تقسم النسبة الباقية بين المسلمين والمجموعات القبلية من السكان الأصليين، الهندوسية والآسامية. ويعتبر التنافس على ملكية الأراضي مصدرا للنزاع والاستياء، فحقوق الأراضي للمسلمين تخضع لقيود صارمة إلى حد بعيد داخل مناطق محددة على الرغم من تشكيلهم ثاني أضخم مجموعة عرقية في البلاد بعد البودو.

ويقول مولانا بدر الدين أجمل، عضو البرلمان وزعيم المسلمين في مقاطعة مجاورة «هذا القتال كله يتمحور حول ملكية الأراضي والصراع على السلطة. هي ليست حربا دينية». وقد نشبت هذه النزاعات في يوليو (تموز) وأوائل أغسطس (آب)، وتصاعدت دورة العنف بين المسلمين والبودو، وسرعان ما تعرضت قرى بكاملها لعمليات النهب والحرق. وقد اعتقلت السلطات عددا من الأفراد، وألقى كل طرف باللائمة على الآخر. فيقول البودو إن المهاجرين غير الشرعيين من المسلمين من بنغلاديش يتوافدون إلى مناطق الحكم الذاتي ويستولون على الأراضي الشاغرة، فيما يؤكد المسلمون على أن هذه المزاعم ليست سوى ذر للرماد في العيون للتعتيم على حملتهم لطرد المسلمين من أراضيهم في ما يشبه أعمال التطهير العرقي.

بدت الحكومة في آسام عاجزة عن مواجهة أسوأ عمليات عنف تشهدها الولاية، نظرا لأن الكثير من متمردي البودو السابقين لم يتخلوا عن أسلحتهم الأوتوماتيكية، ويقول الكثير من المسلمين الذين طردوا من منازلهم إن البودو أرهبوهم ببنادق «AK-47» الآلية.

عند زيارة بعض القرى لمعاينة نتائج الصراع لا يواجه المرء الصمت المخيف لأرواح اغتيلت بوحشية، ففي براجاخال، تعرضت المنطقة التي أقيمت بها منازل المسلمين للحرق والنهب، فيما لم تمس منازل غير المسلمين، وفي قرية تشينغادالا القريبة، كانت التأثيرات واضحة من كلا الفريقين على الآخر - حيث دمرت منازل كلا الطرفين ولم ينج سوى عدد قليل من المنازل لا يجاوز عدد أصابع اليد.

لم يتحدد بعد توقيت عودة النازحين إلى قراهم مرة أخرى، لكن الوحدات شبه العسكرية وقوة شرطة آسام أزالت نقاط الحراسة المؤقتة خارج العديد من القرى التي تعرضت للتدمير أو النهب، ووعدت بتحقيق الأمن. وتزداد الحياة في المعسكر صعوبة على نحو متزايد، وقد زار اثنان من اللجنة الوطنية للأقليات المنطقة وقاما بتوثيق المشكلات التي تتعرض لها المنطقة من مشكلات الصحة العامة وسوء التغذية والأوضاع المعيشية في المعسكرات المختلفة وبخاصة تلك التي يقيم بها المسلمون. فأقيم في المعسكر 10 مراحيض مؤقتة لخدمة 4.300 شخص. وفي معسكر آخر، تحدث البعض عن تكدس 6.500 شخص في مدرسة ثانوية، بما في ذلك 30 سيدة حاملا.

كان المشهد مختلفا بعض الشيء في مخيم المسلمين الذي أقيم في مدرسة سريرامبور، حيث يعيش أكثر من 5.200 شخص على الأرض مكدسين في ظل الأشجار للاحتماء من حرارة الشمس القائظ وقد جلب جوي محمد شيخ (39 عاما)، زوجته وأبناءه الخمسة، لكنه يعود إلى القرية أثناء الليل لحماية منزله، الذي تعرض للنهب لكنه لم يحرق. وقال «نريد حماية منازلنا. لكن العودة إلى بعض القرى مستحيلة لأن ذلك يمثل خطورة كبيرة. لكننا لن نترك قرانا. وإذا حاولوا قتلنا، فليقتلونا، كيف نترك أرضنا؟!».

• خدمة «نيويورك تايمز»