وكيلة وزارة الخارجية الأميركية: الشعب السوري نفسه سيحدد مستقبله

شيرمان أكدت لـ «الشرق الأوسط» أن أوباما يركز على «الدبلوماسية» مع طهران.. لكنه لن يسمح بسلاح نووي إيراني

شيرمان
TT

في وقت تشهد فيه الدول العربية تحولات تاريخية، وخاصة مع الثورات السورية والمصرية والتونسية، يجد قادة الولايات المتحدة مرة أخرى أنفسهم أمام امتحان في خلق التوازن المطلوب من حيث مراعاة مصلحة بلادهم ومصلحة حلفائهم من جهة، والعمل في إطار دولي أوسع للابتعاد عن الاستقطاب الدولي الذي حدث بسبب حرب العراق عام 2003. وتعمل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على التوصل إلى صيغة تعاون دولي مناسب لحل الأزمة السورية التي تعتبر الآن الأكثر إلحاحا على الساحتين الإقليمية والدولية، مع العلم بأن الأمور تزداد تعقيدا منذ اندلاع الثورة السورية قبل 17 شهرا. وبينما تقف روسيا والصين ضد أي قرار دولي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد يفسر بأنه يسمح لتدخل خارجي في سوريا، تسعى الولايات المتحدة إلى إقناع الدولتين العضوين في مجلس الأمن بأهمية العمل على إنهاء الأزمة بأقرب وقت ممكن وتسهيل عملية انتقال سياسي تعني تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة. وكانت سوريا على رأس أجندة محادثات وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان التي زارت بكين وموسكو الأسبوع الماضي، قبل أن تتوجه إلى لندن حيث التقتها «الشرق الأوسط». ولم تخف المسؤولة الأميركية صعوبة المرحلة الانتقالية في سوريا، قائلة: «سيكون الطريق مليئا بالصعوبات»، ولكن شددت على أن «الشعب السوري نفسه سيحدد مستقبله».

وأكدت وكيلة الوزيرة أن خطة النقاط الست، التي كان يعمل على إنجاحها المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان المستقيل، ما زالت تشكل النموذج الأفضل لإنهاء الأزمة السورية. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «إنها وثيقة أساسية للتحرك باتجاه انتقال، وما زالت ذات قيمة، والمجموعات المعارضة تؤمن بأن لها قيمة»، مضيفة أن «المبادئ التي تحددها الوثيقة في غاية الأهمية». وتدعم واشنطن المبعوث المقترح الجديد الأخضر الإبراهيمي، ولكن لم تحدد مهمته بعد.

وكانت شيرمان قد بدأت جولتها الخارجية الأسبوع الماضي في بكين، حيث ترأست «حوار الشرق الأوسط» مع نظيرها الصيني، جاي جون، حيث استمر اللقاء ست ساعات لمناقشة «كل موضوع مرتبط بالشرق الأوسط»، بحسب قولها. ولفتت إلى أن «لدى الصينيين نظرة تفصيلية واستراتيجية للشرق الأوسط.

وبينما تلتزم بكين بموقفها التقليدي الرافض للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لأي دولة، تتطلع واشنطن إلى إقناع القيادة الصينية بأخذ موقف أكثر حزما ونفوذا تجاه ما يحدث في سوريا. وعلى الرغم من أن روسيا والصين حتى الآن صوتتا معا في رفض أي قرار من مجلس الأمن حول سوريا، فإن دبلوماسيين غربيين لا يعتقدون أن موقفهما متماثل تماما، ولكن هناك وعيا بأن التنسيق بينهما مهم، إذ قالت شيرمان: «إنهما يعملان معا كثيرا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهما يفعلان ذلك بالتأكيد فيما يخص سوريا».

وشرحت شيرمان وجهة النظر الأميركية للمسؤولين الصينيين خلال زيارتها الأسبوع الماضي، إذ أوضحت: «إننا نؤمن بأن مساعداتنا غير القتالية ومساعداتنا الإنسانية وتصريحاتنا العملية تعطي صوتا لطموحات الشعب السوري، والدعم الدولي للشعب السوري.. وكنا نأمل لقرار من مجلس الأمن لديه القدرة على دفع نظام الأسد أن يقوم بالعمل الصائب وألا يواجه نتائج ذلك، ليس التدخل العسكري بل العقوبات الاقتصادية، وهذا هو الدور المسؤول والمناسب لقوة عالمية». وأضافت: «سعيت إلى إقناع الصين للعب دورها كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن وكمشارك فعال وإيجابي في المجتمع الدولي». وأشادت شيرمان بموقف الصين، خلال زيارة مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان إلى بكين، عندما دعت حكومة الأسد إلى وقف القتل. وقالت شيرمان: «كان من المهم أن يقولوا علنا بأن النظام (السوري) لديه مسؤولية لوقف مقتل مواطنيه».

وفي غياب تنسيق دولي واضح للسيطرة على التردي الأمني على واقع الأرض في سوريا، يبقى الخيار الأكثر ترجيحا في واشنطن ولندن وغيرهما من عواصم غربية، هي تقوية المعارضة السورية على إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد من الداخل. وردا على سؤال «الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت تتوقع انهيار النظام السوري من الداخل، قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية: «بالتأكيد يجب أن يكون هذا هو الطريق لأنه يجب أن يكون الأمر بناء على ما يريده الشعب نفسه». وأضافت: «في الأول، كان الكثير من المعارضة في الخارج، ولكن الآن نرى تحركا في الداخل يحدث بشكل طبيعي». وتوقعت شيرمان المزيد من الانشقاقات من النظام السوري، خاصة بعد الانشقاقات المتتالية، ومن بينها انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب. وقالت: «إنه بداية الانهيار من الداخل.. الأسد بدأ يفقد الأفراد من حوله.. أتوقع بالتأكيد المزيد من الانشقاقات». وخلصت إلى القول: «سيكون الشعب السوري نفسه من سيحدد مستقبله».

وعلى الرغم من المخاوف من تداعيات الأزمة السورية، هناك تركيز أميركي على التطورات الأخرى في المنطقة، من بينها التطورات في مصر، وخاصة بعد التوتر الأمني على الحدود المصرية - الإسرائيلية. وقالت شيرمان: «يواجه الرئيس (المصري محمد) مرسي قضايا في سيناء من حيث الأمن وهو يحاول التغلب عليها.. هناك تحديات عدة أمامه ونحن نريد أن ندعمه بأي طريقة ممكنة». وترفض إدارة أوباما الادعاءات بأن فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة ووصولهم إلى السلطة سيؤثر على العلاقات مع مصر، وأكدت شيرمان ذلك قائلة: «علاقة وثيقة مع مصر مهمة جدا لنا».

ومن جهة أخرى، امتنعت شيرمان من التكهن بخصوص إمكانية توجيه ضربة إسرائيلية لإيران خلال الفترة المقبلة. وقالت: «إسرائيل ستتخذ قرارها حول ما تحتاج إلى أن تقوم به من أجل أمنها القومي، كما يجب على كل دولة». ولكنها لفتت إلى أن «الرئيس (أوباما) قال إنه يؤمن بأنه ما زال هناك الوقت للدبلوماسية، وأن علينا التركيز على أسلوب المسارين»، أي مسار المحادثات من جهة ومسار فرض العقوبات والضغط على طهران من جهة، ولكنها أردفت قائلة بأن «الرئيس قال أيضا بأن كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة، وعلى الرغم من أنه يؤمن بأن هناك وقتا ومجالا لنجاح الدبلوماسية، فإن هذا الوقت ليس من دون نهاية». وأضافت بحزم ومن دون تردد: «الرئيس قال إنه لن يسمح بحصول إيران على سلاح نووي وهو يعني ما يقوله».

ويذكر أن شيرمان شاركت في محادثات الدول الدائمة العضوية وألمانيا مع إيران حول برنامجها النووي بداية العام. وعلى الرغم من توقف المحادثات، فإن شيرمان قالت: «لم تكن محاولة عقيمة، فقد حققنا بعض التقدم من حيث معرفة موقف الآخر». ولفتت إلى أنها «عملية تفاوض، ونحن نؤمن بأسلوب المسارين». ومن الواضح أن إدارة أوباما لم تتخل بعد عن التفاوض، ولكنها ملتزمة بالضغوط على إيران.