كردستان تستقبل السياح العراقيين بالحلوى.. وشوارعها «تتكلم عربي»

عددهم وصل إلى ربع مليون.. وهيئة السياحة تحشد طاقاتها لتسهيل إقامتهم

TT

كالعادة مع قدوم موسم الأعياد في كردستان، تمتلئ شوارع مدنها بالسياح العراقيين الهاربين من حرارة أغسطس (آب) الذي يسميه العراقيون «آب اللهاب»، ومن التدهور الأمني الذي شهدته معظم المدن العراقية خلال الشهر الفضيل، فبحسب الإحصاءات الرسمية، قدم خلال الأيام الأربعة الماضية أكثر من 60 ألفا من السياح العراقيين من مدن وسط وجنوب العراق إلى مدينة أربيل، وتتوقع الجهات الحكومية أن يصل العدد إلى 100 ألف، خاصة مع امتداد عطلة عيد الفطر السعيد إلى أكثر من 10 أيام هذا العام.

وفي السليمانية، وصل عدد السياح في اليوم الأول من العيد إلى 14 ألفا معظمهم من إيران، بينما أبلغ مصدر في مديرية الإقامة بوزارة الداخلية «أن ما يقرب من ربع مليون سائح من مختلف بلدان العالم ومن الداخل العراقي طلبوا خلال النصف الأول من العام الحالي الإقامة في مدن كردستان».

هذه الأعداد الهائلة دفعت هيئة السياحة العامة في حكومة الإقليم إلى قطع عطلة العيد عن جميع موظفيها، وأعلنت حالة الطوارئ القصوى استعدادا لرعاية المقبلين وخدمتهم. وعرض المتحدث الرسمي باسم الهيئة نادر روستي جملة الإجراءات التي اتخذتها الهيئة لاستقبال السياح في تصريح خص به «الشرق الأوسط»، قائلا: «قبل فترة، أعددنا خطة محكمة ومتعددة الأطراف لتوفير الخدمات للسياح المقبلين من العراق ومن بقية دول الجوار، وعقدنا سلسلة من الاجتماعات أصدرنا خلالها كثيرا من التوجيهات والتعليمات استعدادا للعيد وتدفق السياح، حيث ألزمنا جميع المطاعم التي رخصت بالعمل خلال شهر رمضان الفضيل باستمرار فتحها خلال أيام العيد لاستقبال السياح، وهذا إجراء نتخذه لأول مرة، حيث كانت شوارع المدن تخلو من المطاعم خلال عطلة العيد في السنوات السابقة، مما كان يضيق على السياح، كما أنشأنا مراكز للمعلومات في معظم مدن وأقضية ونواحي كردستان ونشرنا أرقام هواتفها في وسائل الإعلام لتقديم التسهيلات للسياح، وألزمنا أصحاب المطاعم والفنادق برفع قوائم الأسعار لكي يكون السائح مخيرا في ارتياد المكان الذي يناسبه، وسيرنا لجانا فرعية للتفتيش والمراقبة في جميع المرافق السياحية والمطاعم والفنادق لضمان خدمة السياح».

وأضاف روستي: «منذ الساعات الأولى من أيام العيد أرسلنا فرقا من الهيئة إلى المنافذ الحدودية والسيطرات لاستقبال السياح، حيث قدمت تلك الفرق حلويات وقناني مياه الشرب ونسخا من الدليل السياحي الذي أصدرناه في الهيئة لتسهيل جولات السياح وتعريفهم بالمرافق والأماكن السياحية في عموم أرجاء كردستان».

شوارع المدن وكافيتريات السوبر ماركت والمولات والكازينوهات الملحقة بالمطاعم الفاخرة في عموم مدن كردستان أصبحت تتحدث العربية، ففي مقابل كل عائلة كردية خرجت للنزهة أو لتناول الطعام أو التسوق في المولات تجد هناك عائلتين عربيتين، تتنوع لهجاتهم بين البغدادية التي هي الغالبة، واللهجة المصلاوية (نسبة إلى أهل الموصل) ولهجات الجنوب. وأطفال تلك العوائل وجدت لها ملاعب جميلة داخل بعض مراكز التسوق وفي الباركات المتعددة المنتشرة في محافظات كردستان.

الكل يبحث في هذه المناسبة عن الراحة والاستجمام وإمتاع الأطفال بالملاعب المحببة إليهم في مثل هذه المناسبات، وغابت السياسة وأزمتها الحالية عن أذهان الجميع، فيستذكر كاكامد محمد (58 سنة) أيام كانت أربيل بمصايفها الجميلة (مصيف صلاح الدين وشقلاوة وشلالات كلي علي بيك وبيخال) تستقبل في منتصف السبعينات آلاف السياح العراقيين، وكيف تقطعت بهم السبل أثناء حصار نظام الرئيس السابق صدام حسين على كردستان، وحرموا من زيارة مصايف كردستان منذ بداية التسعينات إلى حين سقوط نظامه عام 2003، ويقول: «كنا قد تعودنا على حضورهم في صيف كل عام، وكانت أربيل بمواطنيها وتجارها يستعدون لهذا الحدث الصيفي كل عام، فكنت ترى هؤلاء السياح يأتون بعوائلهم إلى مدينتنا ويملأونها فرحا وسرورا، وعندما يعودون إلى بغداد كانوا يأتون إلى سوق القيصرية القديمة ويشترون الجبن الأربيللي الشهير ومن السما السليماني وقدورا كبيرة من لبن أربيل الأشهر، ويأخذونها معهم إلى بغداد وغيرها من محافظات الجنوب والوسط». ويتابع: «نحمد الله أن صدام ولى وفتحت الأبواب من جديد أمام إخواننا العراقيين، يأتوننا أفواجا كل عام ويشاركوننا كل المناسبات».

ويسخر الشاب الثلاثيني صلاح من القادة السياسيين في العراق الذين يرى أنهم لا يحبون العراق ولا يريدون الخير له بسبب الأزمات المتتالية التي يحدثونها كل حين، ويقول: «أنا وصديقي مصطفى البغدادي نجلس هنا نرتشف الشاي، وليذهب التحالف الشيعي والسني والكردستاني ليتعاركوا في بغداد».

صلاح ومصطفى تعرفت عائلتاهما في أحد متنزهات المدينة العام الماضي بنفس هذه المناسبة، وهي عيد الفطر، عندما جاءت عائلة مصطفى إلى أربيل لأول مرة، وتصادفت مع عائلة صلاح الذي كان والده جنديا في بغداد، وكان يحدثهم عن جمال بغداد وكرم أهلها، ولذلك عندما تصادفت العائلتان في بارك «شاندر» سرعان ما تآلفت قلوبهما وتوطدت علاقتهما.

ويقول مصطفى: «وجدت من هذه العائلة الكريمة كل المحبة والمودة التي أصبحنا نفتقدها في مدينتي بغداد، فالصراع الطائفي البغيض أبعد العوائل العراقية بعضها عن بعض، والعمليات التفجيرية التي تحدث بين فترة وأخرى هناك تزيد مشاعر الكراهية بينهم، ولكني لا أشعر بأي شيء من هذا القبيل في كردستان، لذلك فإني أعتبر كل مناسبة عيد بالنسبة لي عيدين خاصة عندما آتي إلى كردستان وألتقي بصديقي صلاح وعائلته الكريمة».

يستعد صلاح ومصطفى لقضاء أيام العيد السعيد برفقة عائلتيهما في ظل أجواء جهدت حكومة الإقليم في توفير الأمان لها، فيما تتنوع الفعاليات الرسمية بهذه المناسبة، حيث أشار نادر روستي متحدث هيئة السياحة إلى أن «الهيئة ستنظم حفلات موسيقية في ثالث أيام العيد في جميع محافظات كردستان وفي الباركات الرئيسية بتلك المحافظات للترفيه عن السياح المقبلين».