باريس تقترح «خنق» النظام السوري ماليا

فابيوس يؤكد أن الحرب تكلف الأسد مليار يورو شهريا

TT

بعد جولة من ثلاثة أيام قادتها ثلاث دول مجاورة لسوريا «الأردن، لبنان، وتركيا»، يلتقي وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس صباح اليوم الرئيس فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه لتقديم تقرير عن زيارته ولتقويم الوضع في سوريا قبل أيام من انعقاد مجلس الأمن الدولي «30 أغسطس (آب) الجاري» على المستوى الوزاري برئاسة فابيوس نفسه الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للمجلس.

وحتى هذه اللحظة، تبدو باريس راغبة في أن يركز الاجتماع الدولي المنتظر على معالجة الملف الإنساني، وفق ما أكده فابيوس مجددا أمس، بحيث يتناول الاهتمام بموضوع اللاجئين وتقديم المساعدة لهم الأمر مباشرة أو عبر المنظمات الدولية والمحلية. وبرز ذلك خلال جولة فابيوس حيث زار مخيمين للاجئين السوريين، الأول في الأردن والثاني في تركيا.

وتعي باريس، وفق ما تقوله مصادرها، أن الاهتمام بالملف الإنساني - على أهميته - غير كاف، إذ أن الأصل يكمن في كيفية التعجيل في عملية الانتقال السياسي في سوريا، أي في رحيل الرئيس السوري بشار الأسد وقيام حكومة أو هيئة انتقالية تتولى قيادة المرحلة الدقيقة بانتظار قيام انتخابات عامة. لذا، فإن إعطاء الأولوية للملف الإنساني هدفه محاولة دفع الطرف الروسي للتعاون في مجلس الأمن، والتوقف عن معارضة أي مشروع قرار بحجة الامتناع عن التدخل في الشأن السوري وترك السوريين يحلون مشاكلهم بأنفسهم.

غير أن الوزير الفرنسي قدم أمس طرحا جديدا، بالنسبة لدور روسي ممكن للتعجيل بسقوط الأسد، ويتمثل في مطالبة موسكو بالتعاون من أجل تشديد الخناق المالي على النظام السوري.

وقال فابيوس في حديث إلى إذاعة «آر تي إل»: «نحاول إذا جاز التعبير خنق النظام (السوري) عبر كافة القنوات الممكنة.. ومنها القناة المالية». وأردف الوزير الفرنسي: «الحرب تكلف النظام مليار يورو في الشهر واحتياطه (المالي) يتناقص ولم يعد يكفيه سوى بضعة أشهر؛ لولا الدعم الروسي والإيراني. ولذا ثمة مناقشات يجب أن نجريها مع الجانب الروسي على الأقل، لأن المناقشات مع إيران بالغة الصعوبة ونحن نرى ذلك فيما خص الملف النووي (الإيراني)».

وعرض فابيوس للمحاور الثلاثة للتعامل مع الملف السوري، وهي المحور الإنساني والمحور السياسي والمحور العسكري. وبخصوص النقطة الأخيرة، كرر فابيوس الموقف الفرنسي المعروف الذي يربط التدخل العسكري بوجود قاعدة قانونية لمثل هذا التدخل، وتحديدا صدور قرار من مجلس الأمن الدولي. غير أن فابيوس جاء بجديد إذ قال حرفيا: «موقف فرنسا هو أنه لا نستطيع التدخل في النزاع إلا بموجب انتداب دولي من الأمم المتحدة أو من الحلف الأطلسي. هذا هو موقفنا الثابت». وبخصوص إقامة منطقة حظر طيران، أشار فابيوس إلى أن الوضع أكثر تعقيدا مما كان عليه الحال في ليبيا بسبب الإمكانيات التي تتمتع بها القوات السورية في الميدان الجوي والدفاعات الجوية وبسبب صعوبة الوضع الإقليمي. لكنه لمح لوجود مشاورات بهذا المعنى مع الأميركيين والألمان والبريطانيين، من غير إعطاء مزيد من التفاصيل. وكشف فابيوس أن بلاده تقدم مناظير ليلية للمعارضة السورية المسلحة ووسائل اتصال، غير أنها ما زالت ترفض تقديم أسلحة إليها مخافة صب الزيت على نار الحرب القائمة.

غير أن ما قاله فابيوس عن الرغبة في التعاون مع روسيا في الموضوع المالي لتشديد الخناق على النظام السوري ينم عن تفاؤل لا يبرره شيء في الوقت الحاضر، بالنظر للمواقف الروسية الثابتة الداعمة لدمشق في كافة الميادين. وحتى الآن، أعربت المصادر الفرنسية ومنذ شهور عن تفاؤلها بحصول تطور في مواقف موسكو من دمشق، غير أن هذه الآمال خابت باستمرار إذ أن الترجمة الحقيقية لها يجب أن تكون في مجلس الأمن، حيث استخدمت روسيا والصين ثلاث مرات حق النقض (الفيتو) لإجهاض قرارات تلوح بفرض عقوبات على النظام السوري. ويبدو الوضع داخل مجلس الأمن في طريق مسدود بسبب الانقسامات المستمرة ما يقلص من فرص نجاح المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي.

ويشوب فكرة الوزير الفرنسي جانب من الغموض، حيث لم يعرف ما هو المطلوب من روسيا إن لم يكن قبول فرض عقوبات دولية عليها وهو الأمر الذي رفضته باستمرار حتى الآن.

وترى مصادر سياسية في باريس أن الإشارة إلى موسكو قد يكون الغرض منها الرد على المعارضة الفرنسية الداخلية. وكان رئيس الحكومة فرنسوا فيون وآخرون من اليمين المعارض دعوا الرئيس هولاند للتوجه إلى موسكو «حيث مفتاح الحل»، واقترح فيون أن يقوم هولاند بهذه الزيارة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «لإعطاء هذه المبادرة مزيدا من الوزن».