مصادر أميركية: العراق يساعد إيران في الالتفاف على العقوبات.. ومقربون من المالكي يستفيدون

مصرف عراقي مشمول بالعقوبات يواصل نشاطه.. وعمليات ضخمة لتحويل الدولار إلى الخارج

TT

كان إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قراره بمنع مصرف «إيلاف» الإسلامي العراقي من إجراء أي معاملات مع النظام المصرفي الأميركي، الشهر الماضي، اعترافا نادرا بالمشكلة الحساسة التي تواجهها الإدارة الأميركية في هذا البلد الذي انسحبت منه القوات الأميركية منذ وقت قصير، حيث دأب العراق منذ شهور طويلة على مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها على خلفية برنامجها النووي.

ليس مصرف «إيلاف» الإسلامي، وهو مصرف غير معروف، سوى جزء من شبكة من المؤسسات المالية وعمليات التهريب النفطية التي زودت إيران بتدفقات كبيرة من الدولارات الأميركية في الوقت الذي تضغط فيه العقوبات بشدة على الاقتصاد الإيراني، حسبما أكد مسؤولون حاليون وسابقون في الحكومتين الأميركية والعراقية وخبراء في القطاع المصرفي العراقي.

ولا تريد إدارة أوباما الدخول في مواجهة علنية مع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول إيران بعد ثمانية أشهر فقط من انسحاب القوات الأميركية من بغداد. ومع ذلك، يؤكد المسؤولون أن الإدارة الأميركية أجرت محادثات سرية مع المسؤولين العراقيين للشكوى من بعض النقاط المحددة في العلاقات المالية واللوجيستية التي تربط العراق بإيران، على الرغم من أن الأميركيين لا ينظرون إلى كل المعاملات التجارية بين البلدين على أنها غير قانونية أو، كما هو الحال في موضوع التهريب، شيئا جديدا تماما. ومؤخرا، وبعدما نمى إلى علم المسؤولين الأميركيين أن الحكومة العراقية تقوم بمساعدة الإيرانيين عن طريق السماح لهم باستخدام المجال الجوي العراقي لنقل الإمدادات إلى سوريا، دعا أوباما المالكي إلى اتخاذ خطوات عملية في هذا الصدد، وهو ما دفع الطائرات الإيرانية لسلك مسار آخر.

وردا على الأسئلة التي وجهتها صحيفة «نيويورك تايمز»، قدم ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بيانا مكتوبا أكد فيه أن إيران «ربما تسعى للتهرب من العقوبات المالية القوية التي فرضناها عليها عن طريق المؤسسات المالية العراقية»، لكنه أردف قائلا «سوف نواصل بذل الجهود الحثيثة الهادفة إلى منع إيران من الالتفاف حول العقوبات المالية الأميركية والدولية سواء في العراق أو في غيره من الأماكن».

ويؤكد مسؤولون حاليون وسابقون في الحكومتين الأميركية والعراقية وخبراء في القطاع المصرفي والنفطي العراقي أن المسؤولين الحكوميين العراقيين يغضون الطرف عن هذه التدفقات المالية الهائلة وعمليات التهريب وغيرها من وسائل التجارة مع إيران. وفي بعض الحالات، يستفيد بعض المسؤولين الحكوميين في العراق من هذه الأنشطة، بما في ذلك مقربون من المالكي. ويقول أحد أبرز المسؤولين السابقين في الاستخبارات الأميركية، والذي يقوم ببعض الأعمال في العراق «حكومة المالكي متورطة تماما في هذا الأمر».

وفي معرض إعلانه عن معاقبة مصرف «إيلاف» الإسلامي، قال أوباما إن المصرف «قام بتسهيل معاملات تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات نيابة عن المصارف الإيرانية التي تخضع للعقوبات نظرا لعلاقاتها بالأنشطة النووية غير المشروعة التي تقوم بها إيران».

لكن المعاملة التي تلقاها المصرف في بغداد منذ إعلان أوباما عن فرض عقوبات عليه لا تؤكد فقط سماح الحكومة العراقية للشركات والأفراد بالالتفاف على العقوبات، وإنما أيضا عدم قيامها بتنفيذ العقوبات الخاصة بعدم الامتثال. وأكد خبراء مصرفيون عراقيون الأسبوع الماضي أنه لا يزال يتم السماح للمصرف بالمشاركة في المزاد اليومي الخاص بالمصرف المركزي العراقي، والذي يتم فيه السماح للمصارف التجارية ببيع الدينار العراقي وشراء الدولار الأميركي. وتعد هذه المزادات وسيلة قوية تمكن الإيرانيين من الدخول إلى النظام المالي العالمي. ويشير المسؤولون الغربيون إلى أن إيران تسعى لتعزيز احتياطياتها من الدولار الأميركي لتحقيق الاستقرار في أسعار صرف العملات وتسديد قيمة وارداتها.

ويقول المسؤولون العراقيون والأميركيون الملمون بالممارسات المصرفية العراقية إن العملاء الإيرانيين يستطيعون تحريك كميات كبيرة من الأرصدة النقدية من خلال تلك المزادات، ثم تسلك هذه الأموال طريقها إلى بعض المراكز المالية الإقليمية، مثل دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة والعاصمة الأردنية عمان، ومنها إلى النظام المصرفي العالمي مرة أخرى.

وأكد مظهر صالح، محافظ المصرف المركزي العراقي، في إحدى المقابلات إنه تم السماح لمصرف «إيلاف» الإسلامي بالمشاركة مجددا في المزادات، بعدما نفى مسؤولو المصرف ارتكاب أي مخالفات. وأضاف صالح «يحضر مصرف (إيلاف) المزادات، حيث أكدوا لنا أنهم لم يخالفوا القوانين ولم يتعاملوا مع المؤسسات الإيرانية».

وفي الوقت الذي يحاول فيه العراق فرض شروط أكثر صرامة قد تؤدي إلى اكتشاف مثل هذه التحويلات غير القانونية، يقول بعض المسؤولين الملمين بالنظام المصرفي العراقي إن المصارف وبيوت الحوالة - وهي شبكة عالمية غير رسمية من تجار الأموال - والعملاء الإيرانيين يبذلون قصارى جهدهم للتوصل إلى طرق جديدة للالتفاف حول العقوبات، وهو ما يتم غالبا عن طريق تزوير المستندات كي تبدو تلك الحوالات المالية كما لو كانت ستستخدم في تمويل التجارة المشروعة بين العراق والبلدان الأخرى.

وبفضل عائدات النفط العراقي المتزايدة، يمتلك المصرف المركزي العراقي نحو 60 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، التي يتم حفظها في حسابات في مصرف الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، كي يستطيع العراق تلبية الطلب المتزايد على الدولار، لكن هذه العمليات التي تؤدي إلى خروج كميات كبيرة من الدولارات من العراق قد أثارت موجة انتقادات ضد المصرف المركزي العراقي والحكومة العراقية.

وأدى اتهام مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة العراقية بالتورط في انتهاك العقوبات إلى إشعال الساحة السياسية في العراق، وهو ما قد ينعكس تأثيره على المالكي، الذي يؤكد عدد كبير من المسؤولين العراقيين أنه يحكم سيطرته على المصرف المركزي العراقي، الذي يتمتع باستقلال شكلي فقط.

وفي إحدى المقابلات، قال علي الصخري، عضو البرلمان العراقي «نريد استجواب المصرف المركزي والمصارف الأخرى المتورطة». واعترف مظهر صالح بوجود عمليات ضخمة لتحويل الدولارات خارج العراق، مؤكدا أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي للعراق عن طريق استنزاف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. وأضاف صالح «لكي نستطيع منع الاقتصاد من الانهيار ينبغي علينا وضع نهاية لهذه التدفقات غير القانونية من الدولارات التي تغادر البلاد». وأكد أن ما ساعد على انتشار علميات غسل الأموال واسعة النطاق هو وجود «بعض الفساد، وهو ما يتطلب من الحكومة فتح تحقيق حول هذا الأمر»، لكنه دافع عن قرارات المصرف المركزي العراقي، مؤكدا أنه «لا يمتلك القدرة على مراقبة كل شيء».

ويشير العديد من المسؤولين الحكوميين والمصرفيين في الولايات المتحدة الأميركية والعراق إلى أن المنظمات الإيرانية تتمتع بنفوذ كبير على أربعة مصارف تجارية عراقية على الأقل عن طريق الوسطاء العراقيين، وهو ما يمكن إيران من الوصول مباشرة إلى النظام المالي العالمي، الذي يحظر على إيران الوصول إليه بموجب العقوبات الاقتصادية.

وفي الوقت الذي تحركت فيه الولايات المتحدة الأميركية لتشديد العقوبات على إيران خلال الصيف الحالي، سعت حكومة المالكي علانية إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية الوثيقة بالفعل مع طهران، حيث يشهد حجم التجارة بين بغداد وطهران، اللتين خاضتا حربا باهظة التكاليف استمرت من عام 1980 وحتى 1988، نموا سريعا منذ الغزو الأميركي للعراق الذي أسقط صدام حسين، حتى وصل إلى ما يقارب 11 مليار دولار تقريبا في العام. ومن بين الكثير من أشكال التجارة المعترف بها علانية، وقع العراق على عقود لشراء كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية من إيران. والأسبوع الماضي، التقى وفد عراقي رفيع المستوى، ضم نائب رئيس الوزراء وكبار المسؤولين في وزارتي المالية والتجارة والمصرف المركزي، بنظرائهم الإيرانيين في طهران للتباحث بشأن زيادة الروابط التجارية التي تجمع البلدين.

وأكد علي الدباغ، المتحدث الرسمي باسم للحكومة العراقية، في مقابلة تليفونية، أن العراق «لا ينوي انتهاك أي قواعد»، لكنه أردف قائلا «لكننا لدينا علاقات جيدة مع إيران ولا نريد قطعها أيضا».

وخلال العام الحالي عبر المسؤولون العراقيون عن مخاوفهم من أن يؤدي حجم التجارة الكبير الذي يربطهم بإيران إلى انتهاكهم للعقوبات المفروضة على إيران، مؤكدين على نيتهم السعي للحصول على إعفاء من تنفيذ هذه العقوبات. وبعد هذه التصريحات الرسمية، وحسب مسؤول أميركي بارز، فإن مسؤولي الإدارة الأميركية أبلغوا حكومة المالكي سرا بأن هناك معاملات تجارية علنية عبر الحدود بين البلدين، وبالتالي فإن العراق لن يبدو وكأنه ينتهك العقوبات الجديدة المفروضة على إيران.

وبصرف النظر عن المساعدات التي قدمها العراق إلى إيران، فإن العقوبات الاقتصادية تشكل ضغوطا كبيرة على طهران، حيث انخفضت صادرات إيران من النفط بنحو 40 في المائة بسبب الجولة الأخيرة من العقوبات، في الوقت الذي تشهد فيه صادرات العراق النفطية ارتفاعا كبيرا. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أنه إذا كانت مساعدة إيران تمثل أولوية حقيقية بالنسبة للحكومة العراقية لما قامت بغداد بزيادة إنتاجها من النفط لملء الفراغ الذي خلفته إيران.

ومع ذلك، تشهد التجارة السرية بين البلدين، بما في ذلك عمليات التهريب واسعة النطاق للنفط والمنتجات النفطية، ازدهارا كبيرا، في الوقت الذي لم تقم فيه الحكومة العراقية بالكثير من الجهود لوضع حد لهذه الأنشطة التي تتمتع بدرجة عالية من التنظيم، نظرا لأنها تجلب الكثير من المنافع المالية على الأحزاب السياسية والزعماء السياسيين في العراق، وفقا لما أكده خبراء وتجار نفط عراقيون وأميركيون.

ويجري تهريب زيت الوقود العراقي، الذي يتم الحصول عليه من خلال عمليات التهريب وثيقة الصلة بالزعماء السياسيين وبأسعار متدنية للغاية بفضل الدعم الحكومي، من العراق عبر كردستان ثم إلى إيران، ومنها يتم تهريب جزء منه مرة أخرى إلى أفغانستان، حيث تتم إعادة بيع هذا الوقود الرخيص بأرباح كبيرة. ويؤكد بعض خبراء النفط العراقيين والإيرانيين أنهم يعتقدون أن قسما من النفط الإيراني يذهب بطريقة ما إلى الموانئ العراقية ليتم تصديره بعد ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»