قائد «جبهة النصرة» في حلب يؤكد أن عدد الذين يعملون تحت إمرته 300 رجل

زيارة المدينة لا تظهر انشقاقا واضحا بين مقاتلي «الجبهة» والمقاتلين العلمانيين

TT

بدأت منظمة جهادية غامضة، ظهرت في البداية على الإنترنت من خلال إعلان مسؤوليتها عن تنفيذ تفجيرات انتحارية في حلب ودمشق، تخرج من الظلام وتلعب دورا بارزا في الصفوف الأمامية خلال المعارك في المدن السورية.

هنا في حلب، تستعين «جبهة النصرة لأهل الشام»، التي تعرف اختصارا باسم «جبهة النصرة»، بعدد كبير من المقاتلين - بعضهم أجانب - في المعركة التي تهدف إلى السيطرة على العاصمة التجارية لسوريا، والتي ستعد نصرا كبيرا في معركة الاستنزاف المريرة التي تدور رحاها في مختلف أنحاء البلاد.

وتقول الجماعة التي يشتبه في علاقتها بتنظيم القاعدة إنها تقاتل في مواقع أخرى من بينها مدينة حمص وإدلب وريف دمشق. وأثار دورها المتنامي القلق من اتجاه الثورة، التي اندلعت منذ 17 شهرا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، نحو التطرف مع تزايد الدماء المراقة. في صباح أحد الأيام، كان ثلاثة مقاتلين جهاديين يملأون خزائن بنادقهم من طراز «إيه كيه 47» بالرصاص، بينما يجوب بهم سائقهم الملتحي في شوارع حلب في سيارة بيضاء مضادة للرصاص.

قال أحد الجهاديين والسيارة في طريقها إلى حي صلاح الدين المتأجج وتنضم إلى سيارات مقاتلين آخرين تحمل آثار المعارك تجوب الشوارع: «إذا بدأ إطلاق النار، فأخفضوا رؤوسكم». ويعد تزايد ظهور (جبهة النصرة) في شوارع المدن السورية من أسباب تردد الولايات المتحدة وحلفائها في تسليح الثوار السوريين، على الرغم من إصرار مسؤولي الإدارة الأميركية المستمر على ضرورة رحيل الأسد. وتساور الحكومات الغربية المخاوف من أن تقع الأسلحة التي يتم إرسالها إلى الثوار في أيدي المتطرفين وتوجه ضد المتبرعين بها في منطقة تعج بالخصومات الطائفية والجيوسياسية.

في مقابلة بمسجد يعرف بأنه مقر له في حي الشعار بحلب، قال قائد «جبهة النصرة»، أبو إبراهيم، إن عدد الذين يعملون تحت إمرته 300 رجل. وشوهد نحو خمسين من رجاله المقاتلين ملتفين حول المسجد، ويرتدي الكثير منهم السراويل الفضفاضة التي تصل إلى ربلة الساق ولهم لحى طويلة (يلتزم بها الكثير من الإسلاميين)، بينما كان الآخرون بالداخل.

أكثر هؤلاء الذين يقاتلون من أجل أبو إبراهيم، الرجل ضخم الجثة وقوي البنيان البالغ من العمر 32 عاما المقبل من قرية قريبة، سوريون من حلب والمناطق المحيطة بها، لكن البعض من المتطوعين العرب، ومن بينهم المئات من المنطقة وخارجها يعتقد أنهم تسللوا تباعا إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية من أجل الاشتراك في القتال ضد نظام الأسد. وقال أبو إبراهيم إن من بين رجاله، الذين يعتمد عليهم، رجالا من المغرب وليبيا وتونس ولبنان، وكذا سوري قاتل في العراق ضد الأميركيين.

و«جبهة النصرة» هي المجموعة الوحيدة من الثوار السوريين التي تنشر أخبارها على منتدى على شبكة الإنترنت الذي يستخدمه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وتابعون معروفون للشبكة الإرهابية. ويشير هذا إلى وجود علاقة بين الجبهة وتنظيم القاعدة الرئيسي، على الأقل من خلال الجناح الإعلامي. وتضفي هذه العلاقة على الجبهة بين الجهاديين المصداقية التي تفتقر إليها الجماعات الأخرى، على حد قول آرون زيلين، الزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. ويقول زيلين: «إنها التنظيم الجهادي الأبرز في سوريا حاليا».

وتنضوي أكثر المجموعات الثورية الأخرى التي تشارك في المعارك ضد الدبابات والطائرات التابعة للنظام في حلب، تحت لواء الجيش السوري الحر، وهم علمانيون بالأساس. ومع ذلك لا تكشف زيارة إلى المدينة عن انشقاق واضح بين مقاتلي «جبهة النصرة» والمقاتلين العلمانيين.

ويقول أبو إبراهيم إن رجاله جزء من «لواء التوحيد»، وهي كتيبة تم إنشاؤها مؤخرا، وتضم مجموعات من الثوار يقاتلون في حلب وما حولها. وقال: «نحن نعمل معا. وهناك تنسيق جيد بيننا».

ويقول أبو فراس، الناطق باسم المجلس الثوري في حلب: «وعلى الرغم من قول الكثيرين في الجيش السوري الحر إنهم يرفضون النهج الإسلامي المتطرف، فإنه ينظر إلى مقاتلي (جبهة النصرة) في حلب باعتبارهم (أبطالا). إنهم يقاتلون دون خوف أو تردد».

ولا يوجد ما يشير إلى امتلاك «جبهة النصرة» إلى أي أسلحة متطورة أو ثقيلة، لكن تبدو بنادق «إيه كيه 47» التي يحملها رجال أبو إبراهيم أحدث من تلك التي يحملها المقاتلون في المجموعات الأخرى التابعة للجيش السوري الحر التي تقاتل في حلب. ويقود أبو إبراهيم شاحنة «تويوتا - هايلكس» حديثة يجوب بها شوارع حلب، حيث يري صحافيين بعض مناطق القتال الذي اندلع خلال الشهر الماضي.

وقال: «الأمانة تقتضي مني القول إننا حصلنا على بعض الدعم، لكنني لا أعرف مصدره»، مضيفا أن المساعدة كانت عبارة عن نقود وصلت عبر تركيا.

وظهرت «جبهة النصرة» على شبكة الإنترنت في يناير (كانون الثاني) معلنة عزمها الإطاحة بنظام الأسد من «خلال القتال والأسلحة»، ودعت «المجاهدين» إلى التطوع في المعركة. بعد ذلك بشهر، أكدت مسؤوليتها عن تنفيذ تفجيرات انتحارية بدأت في دمشق وامتدت إلى حلب، وهي هجمات قال عنها المسؤولون الأميركيون إنها تحمل بصمات تنظيم القاعدة.

ويقول أكثر المحللين إن دور المجموعة في حركة المظاهرات والاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية التي شهدتها سوريا العام الماضي، كان صغيرا نسبيا. وأي شعبية تتمتع بها «جبهة النصرة» بين السوريين هي شعبية «نفعية»، سببها الرئيسي هو خيبة الأمل الناتجة عن غياب الدعم الدولي، على حد قول إيميلي هوكايم، المحللة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن. وتوضح من بيروت قائلة: «لن يكونوا هم العامل الأساسي. ربما يعجلون بالنهاية العسكرية للنظام، لكنهم لن يكونوا أهم عامل أساسي هنا».

مع ذلك، ومع تزايد تبني «جبهة النصرة» لهجمات أخرى من بينها عمليات اختطاف وتفجيرات في أنحاء البلاد، يتضح أكثر أن المجموعة تعزز وجودها على الأرض ونفوذها، على حد قول زيلين من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

مع ذلك لا يوجد دليل يؤكد وجود علاقة لوجيستية أو مالية بين الجماعة وتنظيم القاعدة، على حد قول زيلين. ونفى أبو إبراهيم، الذي يمنحه السروال والقميص الرياضي ولحيته الخفيفة غير المشذبة مظهرا أكثر علمانية من بعض رجاله ذوي اللحى الطويلة، وجود أي علاقة بين الجماعة وهذا التنظيم الإرهابي. وقال إن رجاله الذين يتمركزون في حلب لم ينفذوا أي هجمات انتحارية، على الرغم من عدم إدانته لهذه الطريقة. وقال: «إذا نفذنا هجوما بسيارة مفخخة، نعتقد أنه سيكون مبررا»، واصفا ضربة جوية شنتها القوات الموالية للنظام مؤخرا على قرية قريبة وأسفرت عن مقتل 11 شخصا وتركت حفرة يصل عمقها إلى 30 قدما، فيما يقول رجاله إنهم انضموا إلى المعركة فقط لوجه الله.

ويقول عبد الرحمن، الشاب البالغ من العمر 26 عاما الذي انشق من الجيش السوري النظامي خلال فصل الصيف، إنه بحث كثيرا وجمع معلومات عن عدد من المجموعات المنتمية إلى الجيش السوري الحر قبل اختيار «جبهة النصرة» لينضم إليها. تعيش أسرته في الولايات المتحدة منذ سنوات، وقد قضى تعليمه الابتدائي هناك قبل أن يعود إلى سوريا ويدرس اللغة الإنجليزية في جامعة حلب. وأوضح قائلا: «كانت هذه الجماعة هي الأفضل بالنسبة لي، حيث تقاتل من أجل ما أومن به وهو الله».

* شارك فيلا في إعداد التقرير من حلب وسلاي من إنطاكيا بتركيا

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»