ميليس زيناوي يترك وراءه إثيوبيا أكثر ثراء وأقل تسامحا

رحل.. ونائب رئيس الوزراء يتولى رئاسة الحكومة بالوكالة

رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي (أ.ب)
TT

أعلنت الحكومة الإثيوبية أمس أن نائب رئيس الحكومة الإثيوبي هايليمريام ديسيلين سيتولى رئاسة الوزراء بعد وفاة رئيس الوزراء ميليس زيناوي. وقال الناطق باسم الحكومة بركات سايمن «بموجب الدستور الإثيوبي سيتوجه نائب رئيس الوزراء إلى البرلمان ليؤدي القسم»، مؤكدا أن الحكومة تعمل على دعوة البرلمان إلى الانعقاد «في أسرع وقت ممكن». وأكد الناطق الذي أعلن من قبل وفاة زيناوي عن 57 عاما «أؤكد لكم أن كل الأمور مستقرة».

وكان زيناوي يرأس حكومة واحدة من أكثر دول أفريقيا سكانا لما يزيد على 20 عاما وأخذ بيدها على طريق النمو الاقتصادي.. لكنه لم يبد قط تهادنا مع المعارضة.

توفي ميليس - وهو شخصية بارزة في الخريطة السياسية بأفريقيا - في وقت متأخر الاثنين عن 57 عاما في مستشفى بالخارج كان يعالج فيه من مرض لم يكشف عنه طوال شهرين.

ولد ليجيسي زيناوي عام 1955 في أدوا موقع أشهر انتصار إثيوبي ضد الغزاة المستعمرين الإيطاليين عام 1896. وغير اسمه إلى ميليس تيمنا بميليس تيكلي وهو ناشط شاب قتلته الحكومة.

لكن حين أطلق الكولونيل منجيستو هيلا مريم رئيس المجلس العسكري الشيوعي الذي حكم البلاد من 1974 إلى 1987 حملة تطهير عرفت بحملة «الرعب الأحمر» عام 1977 تخلى ميليس عن دراسته الجامعية في كلية الطب وبدأ محاربة النظام من الأحراش.

برز ميليس في جبهة تحرير شعب تيغراي التي ساعد على تأسيسها عندما كان عمره 20 عاما والتي تحالفت مع جماعات أخرى لتشكيل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية.

ودخلت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية أديس أبابا عام 1991 مما أثار اندهاش السكان المحليين.

قاد ميليس البلاد أولا باعتباره رئيسا في فترة انتقالية ثم لاحقا كرئيس للوزراء بعد انتخابات جرت عام 1995 ولم يكن بها منافسة تذكر. وأعلن قيام جمهورية إثيوبيا الاتحادية الديمقراطية وفاز في عامي 2005 و2010 بانتخابات وصفتها جماعات لحقوق الإنسان بأنها شهدت كثيرا من المخالفات.

ورحب الغرب بحماس بأصغر زعماء أفريقيا، وشعر بالامتنان لإطاحته بنظام شيوعي وأعجب بأسلوبه الحضري. كما حمل الغرب له تقديرا خاصا نظرا لدور بلاده المحوري في الأمن بالمنطقة وبالقارة الأفريقية إذ إن لديها أحد أكبر جيوش القارة.

قال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إن ميليس جزء من «جيل جديد» من الزعماء الأفارقة ووجهت له الدعوة للمشاركة في مبادرة رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت توني بلير للتنمية في أفريقيا.

وفي الداخل سعت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية إلى انتشال إثيوبيا من الفقر ووعدت بتحقيق نمو وبتحسين حياة المزارعين. وطبقت الجبهة نظاما اتحاديا عرقيا فتحت فيه برلمانات الأقاليم ومنحت الجماعات العرقية الرئيسية فرصة حكم المناطق التي تمثل أغلبية فيها.

وخلال قيادة ميليس عكفت إثيوبيا أيضا على مشاريع ضخمة للطاقة والبنية الأساسية كما زادت أعداد المستشفيات والمدارس في أنحاء البلاد لعشرة أمثالها.

ويتوقع مسؤولون أن تحقق إثيوبيا نموا بنسبة 11 في المائة خلال السنة المالية 2011/ 2012 التي انتهت في يونيو (حزيران) بفضل زيادة الإنتاج الزراعي وهو سابع عام مالي على التوالي يشهد نموا. لكن التضخم ما زال مرتفعا إذ بلغ 20 في المائة في يوليو (تموز). ووثق ميليس العلاقات التجارية مع الهند وتركيا وكذلك مع الصين التي دفعت تكلفة المقر الجديد الضخم للاتحاد الأفريقي والتي بلغت 200 مليون دولار.

وأسهم المتمرد السابق إسهامات رئيسية في أمن المنطقة إذ أرسل قوات إلى الصومال مرتين لمحاربة متشددين إسلاميين وتم نشر قوات إثيوبية لحفظ السلام في عدد من المناطق الأفريقية المضطربة مثل منطقتي دارفور وأبيي في السودان.

لكن سجل ميليس في تحقيق نمو اقتصادي قوي والحد من الفقر وتوثيق العلاقات مع الغرب شابه قمع كبير للمعارضة. فبعد انتخابات متنازع على نتائجها في 2005 احتجزت السلطات كل قيادات جماعة معارضة حصلت على أعداد غير مسبوقة من المقاعد البرلمانية وصدرت عليهم أحكام بالسجن المؤبد بتهمة الخيانة.

وفي 2009 صدر قانون لمكافحة الإرهاب ألقي القبض بموجبه على أكثر من مائة شخصية معارضة. وتؤكد الحكومة أنها تتعامل مع جماعات متمردة مرتبطة بتنظيم القاعدة وإريتريا.. عدو إثيوبيا اللدود.

وتقول لجنة حماية الصحافيين إن أكثر من عشرة صحافيين وجهت لهم اتهامات أيضا بموجب هذا القانون وتشير إلى أن إثيوبيا توشك أن تحل محل إريتريا باعتبارها الدولة الأفريقية التي بها أكبر عدد من الصحافيين المحبوسين.

وسجن صحافيان سويديان لمدة 11 عاما بتهمة دخول البلاد بشكل غير مشروع ومساعدة جماعة متمردة.

وانتقدت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان هذا الحكم قائلة إن الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين يواجهون «مناخا من الترويع». ورد ميليس بتحد ووصف الصحافيين بأنهما «رسولان لجماعات إرهابية».

وخلال قمة مجموعة الثماني في شيكاغو في مايو (أيار) الماضي قاطع أحد الحاضرين ميليس أثناء تحدثه، وقال: «أنت ديكتاتور. لقد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية». بدت علامات الصدمة على ميليس في البداية وحاول مواصلة الحديث قبل أن ترتسم على وجهه ملامح لا تعبر عن أي مشاعر.

إلى ذلك، رحبت حركة الشباب الإسلامية الصومالية المتشددة بوفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي، وقالت إن هذا «يوم تاريخي» وإن إثيوبيا ستنهار الآن. وقال الشيخ علي محمود راجي المتحدث باسم حركة الشباب لـ«رويترز»: «نحن سعداء جدا بوفاة ميليس.. من المؤكد أن إثيوبيا ستنهار».