وفاة زيناوي الزعيم الإثيوبي تسلط الضوء على الهوة بين مصالح واشنطن ومثلها العليا

وجد دعما دبلوماسيا وملايين الدولارات مقابل دوره في الحرب على الإرهاب

ميليس كان يعرف أن أيامه في الحياة باتت معدودة (إ.ب.أ)
TT

لم يكن هناك زعيم في القارة الأفريقية ضرب مثلا على الصراع بين المصالح الأميركية ومثلها العليا أكثر مما فعل رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي. واضطلع زيناوي بدور في الحرب الأميركية ضد الإرهاب على نحو فائق، حيث جعل إثيوبيا، الدولة ذات التاريخ العريق في المسيحية، في الخطوط الأمامية ضد المتطرفين الإسلاميين. لقد حصل على معلومات استخباراتية قيمة، ودعم دبلوماسي كبير، وملايين الدولارات من الولايات المتحدة مقابل تعاونه ضد المسلحين في القرن الأفريقي المتأجج، وهي المنطقة التي تمثل مصدرا كبيرا للقلق بالنسبة لواشنطن. مع ذلك كان يعرف بالقمع، وهو ما يمثل تحطيما لحكمة أوباما القائلة بأن «أفريقيا ليست بحاجة إلى رجال أقوياء، بل إلى مؤسسات قوية».

لقد كان ميليس بلا شك رجلا قويا. وعلى الرغم من كونه واحدا من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فإنه كان يعتقل باستمرار المعارضين والصحافيين ويرهب الخصوم ومؤيديهم من أجل الفوز بانتخابات يهيمن عليها طرف واحد، وحدثت على مرأى ومسمع منه حملات وحشية في المناطق المضطربة من البلاد ارتكب خلالها أفراد الجيش جرائم اغتصاب وقتل بحق المدنيين. ومع ذلك كانت إثيوبيا تحصل على مساعدات أميركية سنوية تزيد على 800 مليون دولار. وتمادى ميليس إلى ما هو أبعد من ذلك حين كمم فاه إذاعة «فويس أوف أميركا» أو «صوت أميركا» حين لم يرق له ما تقدمه. وتحث منظمات حقوق الإنسان منذ سنوات الولايات المتحدة على منع المساعدات عن إثيوبيا.

والآن بعد أن رحل، هل ستضيق الفجوة بين الأهداف الاستراتيجية الأميركية وأهدافها الآيديولوجية في هذه الدولة المحورية المعقدة؟

وقالت ليزلي ليفكو، الباحثة في مؤسسة «هيومان رايتس ووتش»: «هناك فرصة هنا. إذا كان المتبرعون أذكياء، فسيستغلون هذه الفرصة المتاحة في تعزيز وضع حقوق الإنسان والحاجة إلى الإصلاح».

مع ذلك لا يتوقع أكثر المحللين خطوات مفاجئة، فبعد وفاة ميليس أشادت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، «بالتزامه الشخصي» تجاه دعم الاقتصاد الإثيوبي، و«دوره في تعزيز الأمن والسلام» في المنطقة. ولم تذكر سجله في حقوق الإنسان، واكتفت بالإشارة من بعيد إلى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في إثيوبيا. كذلك أوضحت أن الاهتمام بأمن المنطقة لم يتغير. وقال أحد كبار المسؤولين الأميركيين يوم الثلاثاء إن هذا لا يؤثر على السياسة على المدى القصير، لكنها أشارت إلى وجود عدد من الأمور المجهولة.

من تلك الأمور المجهولة الرجل الذي تم اختياره لقيادة ثاني أكبر دولة في أفريقيا، وهو هايلي مريام ديسالين، الذي شغل منصب وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، وكان مساعد ميليس. وعلى الرغم من انتمائه إلى جماعة عرقية مختلفة وهي «التجراي»، فإنه يعتقد أنه اختيار آمن يحمي مصالح الأقلية التي ينتمي إليها ميليس والتي هيمنت على الاقتصاد الإثيوبي والمشهد السياسي منذ عام 1991، مما أدى إلى شكوى الكثير من الأعراق الأخرى من تهميشها ودفع بعضها إلى حمل السلاح.

وقال دان كونيل، مؤلف وأستاذ أميركي أجرى مقابلة مع ميليس في يونيو (حزيران)، إن ميليس بدا وكأنه يستعد للموت. وأضاف: «لقد كان يركز على إتمام عدد من المشاريع الكبرى وكأنه كان يعلم أن نهايته وشيكة».

من بين هذه المشاريع تحديث شبكة الطرق بالبلاد وبناء سدود هائلة وزيادة الاستثمارات الأجنبية الضخمة في الزراعة، والتي تراها بعض منظمات حقوق الإنسان «تهديدا للسكان الأصليين الضعاف». وكان يحاول أيضا إنهاء الحرب مع إريتريا التي كانت يوما تابعة لإثيوبيا قبل أن تنفصل وتعلن استقلالها في التسعينات. وقال كونيل: «لقد كان ميليس يعرف أن أيامه في الحياة باتت معدودة».

ومن الصعب المبالغة في تصوير دور إثيوبيا في المنطقة، وهي الدولة التي لم تكن يوما مستعمرة على الرغم من احتلال الإيطاليين لها لفترة وجيزة، ولا في الاحترام الذي يحظى به ميليس في أنحاء القارة.

وقال جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية: «سواء كان المرء صديقا لميليس أو منتقدا له، فهناك إجماع على أن أفريقيا فقدت واحدا من أعظم قادة الفكر بها. ما من شك أن هناك حاجة إلى المزيد من الديمقراطية، حيث يجب القيام بما هو أكثر في تلك المنطقة».

لقد كان ميليس يدفع قادة السودان وجنوب السودان مؤخرا باتجاه تحقيق السلام. وأعلنت حكومة جنوب السودان الحداد يوم الثلاثاء لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام. وقال برنابا ماريال بنجامين، المتحدث باسم حكومة جنوب السودان: «سنفتقد ما كان يقوم به».

وتعد إثيوبيا هي الوحيدة تقريبا التي تثير أسئلة صعبة حول كيف ينبغي للولايات المتحدة الموازنة بين مصالحها ومبادئها. وتعد المملكة العربية السعودية مثالا واضحا لدولة تحرم النساء فيها من الكثير من الحقوق ولا يوجد بها حرية الاعتقاد الديني، ومع ذلك تظل واحدة من أقرب حلفاء أميركا في الشرق الأوسط لسبب بسيط هو النفط.

في أفريقيا تتعاون الولايات المتحدة مع عدة حكومات لدول يسيطر فيها حزب واحد ورجل واحد على مقاليد الأمور على الرغم من التزامها بنشر الديمقراطية. وقال جون برندرغاست، المؤسس المشارك في مشروع «إناف بروجيكت» المناهض للإبادة، إن وفاة ميليس تبرز معضلة السياسة المرتبكة التي تواجهها الولايات المتحدة في كل من رواندا وأوغندا وجنوب السودان. وأوضح قائلا: «إنهم جميعا يخدمون المصالح الأميركية أو تابعون للولايات المتحدة، لكنهم يواجهون مشاكل في أوضاع حقوق الإنسان». لم تكن إثيوبيا أبدا بلدا من السهل حكمه، فهو بلد فقير يعاني من مجاعة، ونصف عدد سكانه من المسيحيين والنصف الآخر من المسلمين، ويحيط به الأعداء ويعج بالجماعات الانفصالية المدججة بالسلاح. ويعد المسلمون الذي يعبرون عن أنفسهم بوضوح في إثيوبيا من أسباب توافق ميليس مع الولايات المتحدة في المواقف تجاه دولة الجوار الصومال.

مع ذلك عندما بدأت الولايات المتحدة اللعب كفريق مع إثيوبيا في نهاية عام 2006 وبداية عام 2007 من أجل مقاومة الحركة الإسلامية التي بسطت نفوذها على أغلب أنحاء الصومال، تشكل الإسلاميون في جماعة تمثل خطورة أكبر هي جماعة شباب المجاهدين التي تحظى بدعم من الصوماليين، الذين كانوا غاضبين من تدخل إثيوبيا في بلادهم. وانتهى الأمر بالدول المتبرعة، ومنها الولايات المتحدة، بالعمل مع عدد من قادة الإسلاميين الذين كانوا يحاولون في السابق قتلهم أو القبض عليهم، بعد أن بات من الواضح أن الدعم الأكبر الذي يحظى به الإسلاميون في الصومال.

وقال سيي أبرهة هاغوس، الزميل السابق لميليس في كلية الطب ورفيقه في الثورة الذي قاطعه بعد ذلك وقضى في السجن ست سنوات: «لقد كان القانون، وكان المحكمة، ولم يكن هناك أي رقابة أو توازن في الحكومة».

وقال هاغوس إنه لم يكن من الواضح ماذا سيحدث في المستقبل. وأضاف: «في مقدورهم استغلال هذه الفرصة لتحقيق المصالحة من خلال تحسين المناخ القمعي، أو يمكنهم محاولة الإبقاء على الوضع كما هو عليه، مما قد يعرض البلاد للمشكلات».

يذكر أن هايلي مريم ديسالجن القائم بأعمال رئيس الوزراء سيظل على رأس الحكومة حتى الانتخابات المقررة في 2015 بعد وفاة زيناوي.

* خدمة «نيويورك تايمز»