مخاطر التدخل في سوريا تحد من الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة

خبير في الشأن السوري: إذا كنتم لا تنوون التدخل.. فامنحوا المعارضة القدرة على إنهاء الصراع بأنفسهم

TT

على الرغم من التحذير الذي وجهه الرئيس أوباما إلى النظام في سوريا بعدم استعمال ترسانته من الأسلحة الكيميائية أو السماح بأن تسقط في أيدي المتطرفين، فإن خيارات التدخل المتاحة أمام الإدارة الأميركية تظل مقيدة بما وصفه مسؤولوها بأنه عملية حسابية بسيطة، وهي أن هذا التدخل قد يؤدي إلى تفاقم الصراع أكثر.

وأكد المسؤولون مجددا يوم الثلاثاء الماضي أن شن عمليات عسكرية أميركية ضد سوريا قد ينطوي على مخاطرة بجر أنصار سوريا، وبالتحديد إيران وروسيا، إلى مستوى أعلى بكثير مما هم متورطون فيه بالفعل. كما أنه قد يسمح للرئيس السوري بشار الأسد بحشد المشاعر الشعبية ضد الغرب، ويشجع تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية التي تقاتل نظام الأسد حاليا على تحويل انتباهها إلى ما قد يبدو في نظرهم حملة صليبية أميركية أخرى على العالم العربي.

وقد أكد ذلك نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل يوم الثلاثاء الماضي في موسكو، حيث رفض تحذير أوباما وأكد أن أي تدخل عسكري أجنبي سوف يؤدي إلى «مواجهة تتجاوز حدود سوريا». وفي الوقت ذاته، شدد أوباما في تصريحاته على أنه ربما تكون هناك حدود للممانعة الأميركية للتدخل، لكن هذا التدخل قد يستلزم تهديدا للمصالح والقيم الأميركية، وهو ما لا يتوفر من مجرد نشوب حرب أهلية داخل سوريا، بل من هجوم كابوسي باستخدام الأسلحة الكيميائية أو نقل هذه الأسلحة إلى الأعداء المتمرسين للولايات المتحدة وحلفائها، مثل إسرائيل التي ذكرها الرئيس يوم الاثنين الماضي.

وقال مسؤول أميركي يوم الثلاثاء، مشترطا عدم ذكر اسمه من أجل مناقشة مداولات الاستراتيجية الداخلية للإدارة: «نحن نقول هذا بغرض الردع بالطبع، لكنها حقيقة أيضا. الولايات المتحدة لن يكون في مقدورها أن تقف ساكتة إذا بدأت سوريا في استعمال الأسلحة الكيميائية ضد شعبها».

وكانت وزارة الخارجية السورية قد تعهدت في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي بأن مخزونها من الأسلحة الكيميائية لن يستعمل إلا ضد التدخل الخارجي، وبأنه «لن يستعمل أبدا على الإطلاق ضد الشعب السوري أو المواطنين السوريين أثناء هذه الأزمة، تحت أي ظروف».

وقد حث بعض الخبراء والمشرعين الإدارة الأميركية على فعل المزيد، ومن بينهم أعضاء بارزون في الكونغرس مثل السيناتور جون ماكين، النائب عن ولاية أريزونا، الذي دعا الشهر الماضي إلى زيادة المعلومات الاستخباراتية والمساعدة على إقامة «مناطق آمنة» في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار. إلا أن البيت الأبيض لا يتعرض لضغوط شعبية أو سياسية حقيقية تذكر من أجل التدخل بالقوة، حتى مع تصاعد وتيرة إراقة الدماء.

وسبق أن انتقد ماكين مرارا ما اعتبره سياسة مفرطة في الحذر من إدارة الرئيس أوباما تجاه ليبيا، مما أدى إلى تدخل عسكري من حلف الناتو. إلا أن الصراع في سوريا من وجهة نظر المسؤولين صار أكثر تعقيدا إلى حد بعيد مما كان عليه الوضع في ليبيا، فزعيم ذلك البلد الذي لم يكن يحظى بشعبية عالمية، أي العقيد معمر القذافي، لم يكن يتمتع بدعم عسكري أو دولي فعال، كما أن التدخل في ليبيا كان ينطوي على مخاطرة أقل بكثير بإشعال صراع عرقي وطائفي، وهو ما قد يتدفق بسهولة على جيران سوريا مثل لبنان والأردن والعراق وتركيا وإسرائيل.

وفي اللحظة الراهنة، فإن العقبات القانونية والدبلوماسية أمام التدخل تظل عصية على التذليل، حيث تعهدت الصين وروسيا ويعود ذلك في المقام الأول إلى التدخل في ليبيا بمنع تفويض الأمم المتحدة الذي قد يقود إلى مشاركة عسكرية دولية، وهو أمر يصر الحلفاء الأوروبيون، من بريطانيا حتى تركيا، على أنه شرط أساسي لأي تدخل دولي.

وفي البنتاغون، يستمر القادة في رسم الخطط للعمليات المحتملة من إقامة منطقة «حظر جوي»، كما في ليبيا، إلى إرسال قوات خاصة لتحييد الأسلحة غير التقليدية التي تمتلكها سوريا، إذا ما تم استخدامها أو انتقلت خارج سيطرة الحكومة السورية. وقد أعلن مسؤولو البنتاغون أن أحد أسوأ السيناريوهات سوف يتطلب عشرات الآلاف من الجنود، وهو أمر يقول المسؤولون إنه سيشعل الأوضاع في منطقة ملتهبة بالفعل.

ولم يهدد أوباما صراحة باتخاذ رد فعل عسكري في حالة حدوث هجوم بالأسلحة الكيميائية، إلا أنه اعتبر ذلك «خطا أحمر» قد «يغير حساباتي» فيما يتعلق برد الفعل الأميركي حتى الآن. وأشار المسؤولون إلى أن هجوما كهذا سوف يغير أيضا من تفكير الدول الأخرى، مثل روسيا، ويزيد من فرص اتخاذ رد فعل دولي.

وتتضمن السياسة الحالية التي تنتهجها الإدارة الأميركية تكثيف الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على حكومة الأسد عن طريق العقوبات، وتوفير المساعدات الإنسانية للسوريين داخل البلاد وخارجها، وتقديم 25 مليون دولار في صورة مساعدات «غير قتالية» إلى خصوم الأسد، بما في ذلك أفراد الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة، وقد استخدم هذا المبلغ في شراء معدات اتصال من أجل تمكين المعارضة المسلحة وغير المسلحة من تنسيق هجماتها بصورة أفضل والتخطيط للوصول إلى السلطة.

كما استبعدت الإدارة الأميركية تزويد الثوار بالأسلحة للسبب نفسه على وجه العموم، إذ يقول المسؤولون إن تقديم المزيد من الأسلحة لن يؤدي في الغالب إلا إلى تفاقم الحرب أكثر فأكثر. وعلى سبيل المثال، فقد طلب بعض الثوار وحدات إطلاق الصواريخ المحمولة المعروفة باسم «مانباد»، وهو ما يرى الخبراء أنه قد يحدث فارقا ضخما في القتال من خلال التصدي للغارات التي تشنها مقاتلات ومروحيات النظام. إلا أن المسؤولين يستشهدون بتجربة أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين، حينما قامت «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية بتقديم صواريخ «ستينغر» إلى المجاهدين الذين يقاتلون ضد الاتحاد السوفياتي، لتعود وتنفق الملايين في محاولة تعقبها بعد أن رحل السوفيات وتمخضت جماعات المعارضة عن صعود حركة طالبان.

وذكر ميلتون بيردين، الذي كان يساعد في الإشراف على الدعم السري الذي قدمته «وكالة الاستخبارات المركزية» للمقاتلين الأفغان في الثمانينات، بما في ذلك صواريخ «ستينغر» وقال إن «تعقيد الوضع في سوريا اليوم يجعل أفغانستان عام 1985 تبدو في منتهى البساطة.. من هي المعارضة السورية؟ إلى من ستذهب هذه الأسلحة؟».

أما الخطر الذي قد ينجم عن عدم فعل المزيد، فهو أن الولايات المتحدة قد تفقد دعم من يأملون في إسقاط الأسد على العكس من قادة ليبيا الجدد، الذين ينظرون الآن إلى الأميركيين بنظرة إيجابية. وهناك أيضا جدل أخلاقي يقول إن الولايات المتحدة وحلف الناتو تدخلا في ليبيا لأن التدخل هناك كان سهلا؛ ولكن ليس في سوريا لأنه صعب. ورغم أن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية أعربوا سرا عن إحباطهم من اتساع دائرة الصراع بشكل يخرج عن السيطرة، فإنهم يقولون إن هذا يؤكد فقط على خطورة الانزلاق إلى صراع إقليمي أو حتى دولي أكبر.

وأوضح أندرو تابلر، وهو خبير في الشأن السوري لدى «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، في مقابلة هاتفية من بيروت: «المعارضة في أمس الحاجة إلى أسلحة إذا كنتم لا تريدون أن يتحول هذا الصراع إلى مفرمة، وهو المسار الذي يتخذ حاليا. إذا لم تكونوا ستتبنون خيار التدخل، فلا بد أن تمنحوهم القدرة على إنهاء هذا الصراع بأنفسهم».

وتقول الإدارة الأميركية إنها تفعل ما هو ملائم للتعجيل بنهاية حكم الأسد، في حين يعكف البنتاغون ووزارة الخارجية على التخطيط لعملية الانتقال السياسي الذي سيعقب ذلك، من خلال الاهتمام بأمور مثل تأمين الترسانة الكيميائية التي تمتلكها سوريا، كما يجري أيضا الإعداد لعمليات سرية أخرى، وإن ظل مداها غير معلوم. وقال أحد المسؤولين الأميركيين يوم الثلاثاء الماضي: «أرفض النظرية الحدية التي تقول إنك إما أن تتدخل عسكريا وإما أن تقف ساكتا دون فعل أي شيء».

* خدمة «نيويورك تايمز»