الخطر يلاحق العراقيين بعد فشل جهاز لكشف المتفجرات كلف الخزينة 120 مليون دولار

البريطانيون والحكومة العراقية أثبتوا فشل الجهاز وعدم فاعليته

TT

يتندر العراقيون عند نقاط التفتيش عن جهاز فحص المتفجرات، الذي يصر رجال الأمن الذين يستخدمونه على أنه يتأثر بالعطور التي يضعها أي شخص، ويسأل رجال الأمن المستخدمون للجهاز ركاب أي سيارة فيما إذا كان أحدهم قد وضع عطرا ما أم لا، حتى لا يشوش على الجهاز الذي أثبتت التحريات والتجارب والممارسة فشله. يراقب جندي عراقي وهو يسير بخطوات ثابتة، دون جدوى، مؤشرا فضيا لجهاز لكشف المتفجرات، على أمل أن يقوده إلى واحدة من السيارات التي تقف في طابور عند أحد مداخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد. ويسير الجندي بخطوات بطيئة بموازاة السيارات وهو يركز على الجهاز الذي لا يكشف وجود متفجرات أو أسلحة إلا بالصدفة.

ومع أن هذا الجهاز أثبت فشله على مدى الأعوام الماضية، ما زال العراقيون يستخدمونه عند نقاط التفتيش في عموم البلاد، وبينها نقاط دخول إلى مناطق شديدة الأهمية مثل المنطقة الخضراء حيث مقرات الحكومة وسفارات أجنبية مثل الأميركية والبريطانية، وسط بغداد. ورغم انخفاض معدلات العنف مقارنة بالموجة التي اجتاحت العراق بين عامي 2006 و2008، ما زالت الانفجارات والهجمات المسلحة حدثا يوميا في البلاد. وقد قتل 325 شخصا خلال يوليو (تموز) الماضي، الذي اعتبر الأكثر دموية منذ عامين. كما قتل 409 أشخاص على الأقل خلال رمضان الذي بدأ في يوليو الماضي، وانتهى مطلع الأسبوع الحالي. ورغم ضرورة الاعتماد على أجهزة فاعلة في هذه الظروف، ما زالت قوات الأمن تستخدم جهاز الكشف «إيه دي آي 651» ذاته لتحديد السيارات التي يجب فحصها بشكل دقيق عند نقاط التفتيش. وجهاز الكشف هذا الذي يستخدم في العراق مصنوع في بريطانيا من قبل شركة للمعدات الأمنية والاتصالات المحدودة.

وعندما عرضت هذه الشركة جهازها كان وفقا لمواصفات عالية الدقة، بينها قدرته على الكشف على المتفجرات على بعد يصل إلى ألف متر وعلى ارتفاع ثلاثة كيلومترات من خلال استخدام بطاقات إلكترونية حساسة. لكن الواقع أثبت خلاف ذلك إلى حد ما، مما أدى إلى اعتقال مدير الشركة مطلع 2010، في بريطانيا لتصديرها جهاز الكشف «إيه دي آي 651» إلى العراق وأفغانستان.

وأوضحت الشرطة البريطانية آنذاك، أنها أوقفت جيم ماكورنيك، (53 عاما)، مدير شركة «إيه تي إس سي» البريطانية بشبهة الاحتيال خصوصا، قبل أن تطلق سراحه بكفالة بانتظار اكتمال التحقيقات.

من جانبها، أعلنت وزارة العمل البريطانية في العام ذاته، أن «الاختبارات كشفت عن أن التكنولوجيا المستخدمة في الجهاز (إي دي آي 651) والأجهزة المماثلة غير مناسبة للكشف عن القنابل». وفي أعقاب ذلك، أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الأمر. وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية بعد شهر من ذلك، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن بغداد ستطالب بتعويضات مادية من الشركة البريطانية مقابل تلك الأجهزة التي استخدمتها قوات الأمن في معظم الحواجز الأمنية في البلاد لكشف المتفجرات. وأضاف أن التحقيق كشف أن «أكثر من خمسين في المائة من تلك الأجهزة أصلية وصالحة للاستعمال وفاعلة، وجزء منها مقلد وغير فاعل وغير صالح للاستخدام». وتابع: «لذلك، تم سحب الأجهزة المقلدة وغير الصالحة واستبدالها أجهزة فاعلة وأصلية بها» لمواصلة استخدامها. وفي الوقت نفسه، وجهت النيابة العامة البريطانية تهما إلى ماكورنيك وخمسة أشخاص آخرين بالتورط في أجهزة كشف مغشوشة.

وقال المفتش العام لوزارة الداخلية العراقية، عقيل الطريحي، خلال لقاء قبل أيام قليلة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعتقد أن هذا الجهاز ساهم في هدر وسفك دم عراقي، لأنه لم يكن فعالا بالدرجة المطلوبة كما هي المواصفات المطلوبة لهذه الأجهزة».

وأضاف أن «تقريرا صدر عن قيادة عمليات بغداد أشار إلى أنه في منطقة واحدة استخدم فيها جهاز الكشف (إيه دي آي 651) إضافة إلى وسائل أخرى، تم كشف 19 في المائة فقط من الهجمات بالقنابل».

وأشار إلى أن وزارة الداخلية أنفقت أكثر من 143.5 مليار دينار عراقي (نحو 119.5 مليون دولار) لشراء أجهزة الكشف من هذا النوع في عام 2007، عندما «كانت البلاد في شبه حرب أهلية، والإرهابيون يمارسون التفجيرات على نطاق واسع، وكانت هناك محاولة للحصول على أجهزة تمنع هذه التفجيرات وكان هذا الجهاز معروضا»، مشيرا إلى أن «القوات الأميركية قدمت تقارير تشير إلى أن هذا الجهاز غير فعال». وتابع أن «وزارة النفط والعلوم والتكنولوجيا أيضا أشارت إلى أن جهاز الكشف ذاته غير صالح للكشف».

وتحدث الطريحي عن قيام مكتب المفتش العام لوزارة الداخلية بإجراء تحقيق طويل بسبب العقبات التي اعترضنه، من دون ذكر تفاصيل.

وتابع أن العراق دفع مبالغ كبيرة تتراوح بين 45 و65 مليون دينار عراقي (نحو 37.5 إلى 54.100 ألف دولار) لكل جهاز من هذا النوع «بينما كان يباع في مناطق أخرى بثلاثة آلاف دولار»، على حد قوله، مشيرا بذلك إلى عمليات فساد.

ويرى الطريحي أن «هذا الجهاز مثل أي جهاز عسكري يستخدم في عمليات قتالية، لا بد أن يكون معروفا ومن شركة معروفة».

وأكد أن «المبالغة في الأسعار والإجراءات التي تم بموجبها العقد تشيران إلى وجود فساد كبير، والتحقيقات التي أجريناها أثبتت بعض هذا الفساد في ما يتعلق بوزارة الداخلية». وأضاف أن «بعض من كان وراء هذه الصفقة أحيلوا إلى المحاكم وتمت محاسبتهم، لكن في تصوري الموضوع لم يحسم حتى الآن»، منبها إلى وجود «اتفاق مع الجانب البريطاني بالقيام بتحقيق مشترك». لكن الأهم هو أن هذه الأجهزة ما زالت تستخدم رغم كل ذلك.

وتخضع السيارة عند توجه مؤشر الجهاز إليها، لفحص يقتصر أحيانا على النظر في داخلها والسؤال في ما كانت هناك أسلحة.

لكن المتمردين لديهم خبرة تمتد لسنوات طويلة في إخفاء الأسلحة والمتفجرات في أماكن عميقة أبعد بكثير عن صندوق السيارة.

وأثبتت الأيام الماضية التي شهدت أعمال عنف، بينها انفجار سيارات مفخخة وعبوات ناسفة، فشل جهاز الكشف الذي يستخدم عند نقاط التفتيش، والذي يسبب غالبا زحاما شديدا دون أن يكشف متفجرات أو أسلحة بقدر ما يزرع نقمة شديدة أو يبعد الخطر عن العراقيين.