بعد ترحيل رئيس تحرير «الدستور» للسجن: مرسي يلغي «الحبس الاحتياطي بجرائم النشر»

حبس أول صحافي في عهد الرئيس الجديد يثير قلقا على الحريات في مصر

إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة «الدستور» المصرية يرفع يده لدى محاكمته أمس (إ.ب.أ)
TT

أصدر الرئيس المصري محمد مرسي مرسوما بقانون ألغى فيه «الحبس الاحتياطي» في جرائم النشر التي تقع بواسطة الصحف، ومنها جريمة «إهانة رئيس الجمهورية»، وذلك عقب قرار قضائي أمس بحبس الصحافي إسلام عفيفي رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الخاصة، المتهم بإهانة «مرسي»، لكن صحافيين قالوا إن المطلوب من الرئيس «الإسلامي»، وهو يملك سلطة التشريع، إلغاء سجن الصحافيين نهائيا، تدعيما لحرية الرأي والتعبير، التي يعلن تمسكه بها. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن «هذا القرار بقانون يعد أول استخدام لسلطة التشريعات المخولة لرئيس الجمهورية وأنه سيتم بمقتضى هذا القانون الإفراج عن إسلام عفيفي رئيس تحرير صحيفة الدستور المستقلة الذي وضع قيد الحبس الاحتياطي مع بدء محاكمته أمس بتهمة نشر معلومات كاذبة والتحريض على زعزعة استقرار البلاد».

ويواجه عفيفي، الذي تم ترحيله إلى سجن طرة أمس بعد قرار بحبسه احتياطيا 15 يوما على ذمة القضية، عقوبة تصل إلى السجن ثلاث سنوات، إذا ما أدين بتهمة «إهانة الرئيس»، وهي العقوبة التي لم يقدم على تنفيذها الرئيس السابق حسني مبارك، بحسب حقوقيين، كما لم يتم حبس أي صحافي احتياطيا خلال عهد النظام السابق، الذي أسقطته ثورة 25 يناير.

وكانت محكمة جنايات الجيزة أصدرت أمس قرارا مفاجئا بحبس رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الخاصة، بصفة احتياطية على ذمة محاكمته في قضية اتهامه بإهانة الرئيس ونشر أخبار كاذبة تتعلق به، كما قررت المحكمة تأجيل محاكمته إلى 16 سبتمبر (أيلول) المقبل.

وقال الدكتور ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة إنه بمقتضى قرار الرئيس مرسي، سيتم الإفراج عن عفيفي، دون سقوط التهمة عنه.

وأثار قرار حبس الصحافي المعارض قلقا على مستقبل الحريات في مصر، واعتبر ناشطون وسياسيون الحكم، الذي يعد الأول من نوعه في عهد الرئيس «الإخواني» مرسي، يشكل خطورة كبيرة على سير العملية الديمقراطية في البلاد بعد الثورة، كما أقاموا وقفة احتجاجية وسط القاهرة تحت شعار «لا لقمع الحريات ومنع الأصوات».

وسبق وأن أحال النائب العام المصري الإعلامي توفيق عكاشة رئيس قناة «الفراعين» الخاصة، إلى محكمة جنايات القاهرة بتهمة التحريض على قتل الرئيس، كما تقرر غلق القناة.

وشهدت جلسة المحكمة أمس احتجاجات واسعة من قبل الصحافيين عقب القرار، وردد الصحافيون هتافات ضد مرسي، معتبرين أن القرار يأتي في إطار حملة تشنها جماعة الإخوان المسلمين لقمع حرية الرأي.

وتعد جلسة أمس هي الأولى في القضية، واتهم ممثل النيابة عفيفي بصفته بأنه «قام خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من العام الحالي، بإهانة الرئيس بطريق النشر في 10 أعداد متتالية، وتهديده لأمن وسلامة البلاد بادعاء حشد (الرئيس) لميليشيات وبلطجية للاعتداء على معارضيه».

واعتبر ممثل النيابة أن عفيفي «أذاع بيانات وأخبار وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام وإلقاء الرعب بين الناس والإضرار بالمصلحة العامة بأن ادعى أن أراضي العريش يتم بيعها للفلسطينيين تمهيدا لتوطينهم فيها، وأن الرئيس مرسي قد انتزع كرسي الرئاسة بالتزوير الفاضح».

وفي رده على المحكمة أنكر عفيفي كل هذه الاتهامات، معتبرا أن «ما نشره وكتبه يأتي في إطار حرية الرأي والتعبير والنقد المباح الذي أجازه القانون».

وقال دفاع المتهم إن «هيئة الدفاع جميعها تكن كل الاحترام والتقدير لشخص رئيس الجمهورية»، مؤكدين عدم توافر النية على ارتكاب الاتهامات، وطلب الدفاع بالتصريح له بالحصول على نسخة رسمية كاملة من التحقيقات، واستدعاء شهود الإثبات والمبلغين لمناقشتهم في أقوالهم، وانتداب أحد أعضاء مجمع اللغة العربية لبيان ما إذا كانت الألفاظ والعبارات المستخدمة في جريدة «الدستور» تحمل إهانة من عدمه في حق رئيس الجمهورية.

ووصف سياسيون الحكم بأنه «نقطة سوداء» في بداية عهد مرسي، الذي لم يمر على تنصيبه سوى 53 يوما، كما اعتبروها امتدادا لسياسية «تكميم الأفواه» و«أخونة الدولة»، بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة.

ويتولى القيادي الإخواني صلاح عبد المقصود وزارة الإعلام، كما أُجريت تغيرات واسعة في قيادات الصحف القومية، من قبل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) مؤخرا، الذي يسيطر عليه الإخوان المسلمون. وُوصف رؤساء التحرير الجدد بأنهم «تابعون للجماعة أو يدينون بالولاء لها».

وطالب حزب الجبهة الديمقراطية بإقالة وزير الإعلام فورا بعد تكرار مصادرة الصحف أثناء طباعتها، كصحف «الدستور» و«الشعب» و«صوت الأمة» المعارضة، دون إبداء أسباب للرأي العام. وأكد الحزب في بيان له أمس: «مثل تلك الممارسات توحي بعودة جهاز مباحث أمن الدولة للعمل داخل مطابع الصحف القومية، وكذلك تكرار امتناع بعض الصحف مثل الأخبار والجمهورية عن نشر مقالات بعض القراء والكتاب».

وقال السعيد كامل، رئيس الحزب: «هذه الإجراءات تعد انتكاسة كبرى لثورة 25 يناير، وتكرارا لممارسات النظام السابق في تكميم الأفواه».

وبينما وجه اتحاد شباب الثورة، رسالة تحذيرية لجماعة الإخوان على خلفية ما وصفه بيان له بـ«انتهاج الجماعة وحزبها سياسة ترهيب وتخوين وقمع المعارضة». أعلن عدد من الكتاب والصحافيين عن تنظيم وقفة احتجاجية بميدان «طلعت حرب» وسط القاهرة تحت شعار «لا لقمع الحريات ومنع الأصوات»، ضد قرارات حجب بعض المقالات ومحاولات السيطرة على وسائل الإعلام.

وعلى مواقع «فيس بوك» وتويتر»، تبارى الناشطون والسياسيون في توجيه انتقادات للرئيس وللحكم، ودشن ناشطون صفحات خاصة للرد على قرار المحكمة بحبس صحافي احتياطيا كان أبرزها «هين الرئيس»، عمد أصحابها إلى توجيه إهانات متعددة للرئيس، وأخرى «لا لحبس الصحافيين». كما تداولوا مقطعا تسجيلي للرئيس مرسي أثناء حملته الانتخابية قال فيه «لن تُغلق قناة أو صحيفة في عهدي».

وقال المتحدث الرسمي لحزب المصريين الأحرار أحمد خيري: «حبس عفيفي مؤشر خطير على انتهاك حرية الإعلام»، فيما شدد الصحافي السابق بالجريدة محمد الجارحي: «نحن ندافع عن مبدأ.. عن حرية وطن.. ليس فيكم من هو أكثر رفضا لما يحدث في (الدستور) من أبناء (الدستور الأصلي)».

وأكد الناشط وائل غنيم أن «تهمة إهانة الرئيس فضفاضة ويمكن استخدامها سياسيا في أي توقيت ضد من يعارض رئيس الجمهورية»، وذكر «ممكن حد يكتب رأيه إن الرئيس شخص ضعيف وغير قادر على اتخاذ القرارات فيُحاكم لأنه أهانه».

ووصف جمال فهمي، وكيل أول نقابة الصحافيين، القرار بـ«الكارثي»، مشيرا إلى أن هذا لم يحدث أثناء حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي وصفه بـ«الاستبدادي».

وأكد الإعلامي حمدي قنديل «حبس الصحافي سوف يشجع الجريدة على التضحية بآخرين طمعا في الإثارة والانتشار، معتبرا أن الحكم بالحبس على عفيفي «بداية لتكميم الأفواه».

في المقابل، قال المستشار محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانوني لمرسي، إن الرئيس لا يملك التنازل عن قضية عفيفي لأنه لم يرفع القضية ضده. وأضاف أن «الرئاسة مهتمة بقضية عفيفي وتسعى إلى البحث عن مخرج للأزمة، بعيدا عن التدخل في عمل القضاء».

إلى ذلك، كشف وزير الاستثمار أسامة صالح، عن مشروع قانون لإنشاء جهاز مستقل لمراجعة محتوى برامج ومضمون القنوات الفضائية، لكنه نفى أن يكون للتضييق على حرية الإعلام في الفترة المقبلة.