التنازع على الجزر يظهر قلق اليابان من الصعود الصيني

حرب كلامية قد تؤدي للانفجار.. والصيادون يخافون على عيشهم

نشطاء موالون لبكين تم ترحيلهم من الجزر المتنازع عليها مع اليابان (أ.ب)
TT

عندما وصلت قافلة يابانية مكونة من 21 قارب صيد إلى سلسلة جزر في وسط المنطقة المتنازع عليها مع الصين، قام قباطنة القافلة بتحذير العشرات من النشطاء والسياسيين على متن القوارب بألا يحاولوا النزول.

ومع ذلك، قفز عشرة من النشطاء في المياه المليئة بأسماك القرش، وقاموا بالسباحة حتى وصلوا للشاطئ يوم الأحد الماضي ووضعوا عليه العلم الياباني، ذا الشمس المشرقة، الذي يثير ذكريات مؤلمة عن مسيرة الإمبراطورية اليابانية في قارة آسيا خلال القرن العشرين.

وقال أحد القباطنة ويدعى ماسانوري تاماشيرو: «نشعر أنهم جعلونا ننجرف إلى مشكلة دولية».

وينتشر هذا الشعور على نطاق واسع في اليابان، التي يعمل فيها مجموعة صغيرة من القوميين على دفع البلاد إلى التعامل بجرأة أكبر لمواجهة الصعود الاقتصادي للصين وكوريا الجنوبية والطموحات الإقليمية للصين التي تتطور بسرعة كبيرة. وقد أثار الصراع مع الصين إمكانية انجراف الولايات المتحدة، التي تعد المدافع الأول عن اليابان منذ فترة طويلة، إلى التورط في تلك المعركة. وقد اكتسب القوميون زخما أكبر خلال الأشهر الأخيرة من خلال الاستفادة من الضعف السياسي للحكومة، مما اضطر الحزب الحاكم لاتخاذ موقف أكثر صرامة من الجزر التي تقع في الغرب من هنا، والمعروفة في اليابان باسم سينكاكوس وفي الصين باسم دياويو.

ومع ذلك، يعمل النشطاء على الاستفادة من القلق المتنامي على نطاق واسع من الصين، والذي زاد بصورة كبيرة منذ عامين بسبب الأزمة التي أثيرت مؤخرا حول جزر سينكاكوس. وردت الصين على قيام اليابان باعتقال قبطان صيد بحرمان اليابان من الأتربة النادرة اللازمة لصناعة الإلكترونيات اليابانية التي تعاني بشدة. وبات القلق أكثر وضوحا خلال الأشهر الأخيرة، بعدما قامت الصين بالتوسع في ادعاءاتها بوجود حق لها في بحر الصين الجنوبي القريب وتحديها لفيتنام والفلبين وغيرها من الدول الأخرى بشأن ملكية أكثر من 40 جزيرة، فضلا عن قيامها بتحركات عدوانية تضمنت إرسال زوارق أكبر إلى المياه المتنازع عليها.

ولا تريد اليابان الدخول في مواجهة شاملة مع الصين، لكن محللون يقولون إن الآراء المؤيدة لضرورة الوقوف في وجه الصين تزداد بمرور الوقت، ولا سيما بعدما بدأت قوة اليابان والولايات المتحدة تتلاشى نتيجة للمشكلات الاقتصادية.

وقال ناروشيغ ميتشيشيتا، وهو خبير في القضايا الأمنية بالمعهد العالي الوطني للدراسات السياسية في طوكيو: «نحن نستعد جميعا للعبة الشد والجذب في هذه المنطقة، فعندما يتغير ميزان القوى، تبدأ الناس في إعادة رسم الحدود».

وهذا هو بالضبط ما يحدث في بحر الصين الجنوبي، والذي يحظى باهتمام دولي أكبر من المعارك الإقليمية لليابان. ومع ذلك، يرى خبراء أن الحرب الكلامية بشأن الجزر المتنازع عليها بين اليابان وجيرانها في شرق آسيا، بما في ذلك الصين وكوريا الجنوبية، قد تؤدي إلى انفجار الوضع بصورة أكبر. وخلافا للوضع في بحر الصين الجنوبي الذي تدور معظم المشاحنات فيه حول التنافس على الموارد الطبيعية، فإن النزاعات حول الجزر في منطقة شرق آسيا تدور بصورة أكبر حول التاريخ المتأصل في حالة الغضب - التي يسهل إشعالها - من الهيمنة الوحشية لليابان على مدى عقود مضت.

وقد تجلت هذه المشاعر في عطلة نهاية الأسبوع عندما خرج المئات، وربما الآلاف، من الصينيين في الاحتجاجات - التي لم تعارضها الحكومة الصينية على الأقل - في عدة مدن للتنديد بمطالبة اليابان بأحقيتها في جزر سينكاكوس.

وقال كينت كالدر، وهو مدير مركز ادوين رايشاور لدراسات شرق آسيا بجامعة جونز هوبكنز: «المخاطر أعلى بكثير في شرق آسيا بسبب وجود دول كبرى بالقرب من بعضها البعض، علاوة على أن الصراعات تكون مباشرة وعاطفية بصورة أكبر». وقال محللون إن تداعيات هذا الصراع ستتسبب في كثير من المشكلات بالنسبة للولايات المتحدة، التي تحث اليابان وكوريا الجنوبية على تحمل عبء أكبر في الدفاع ضد الصين وكوريا الشمالية، ولكن المواجهة بين هذه الدول بشأن الجزر المعروفة باسم تاكيشيما في اليابان ودوكدو في كوريا، جعلت كوريا الجنوبية تتخذ قرارا بالتراجع عن اتفاق لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية مع اليابان.

ويرى بعض المحللين أن هناك خطرا أكبر، على الرغم من صعوبة حدوثه، يتمثل في انجراف الولايات المتحدة للدخول في نزاع مسلح بين الصين واليابان، نتيجة التزام الولايات المتحدة بمعاهدة للدفاع.

وقال كازوهيكو توغو، وهو دبلوماسي ياباني سابق يكتب في القضايا المتعلقة بالصراع على هذه الجزر: «ثمة احتمال حقيقي باندلاع حرب في حالة فشل الجهود الدبلوماسية».

وكان حاكم طوكيو، شينتارو ايشيهارا، الذي يدافع منذ فترة طويلة عن القضايا ذات الطابع المحافظ هو السبب الرئيسي في اندلاع الصراع الحالي بين اليابان والصين، حيث أعلن خلال الربيع الماضي أنه يريد أن تقوم طوكيو بشراء هذه الجزر من صاحبها الحالي، وهو مواطن ياباني، حتى يمكن الدفاع عنها بشكل أفضل ضد الصين. ونتيجة للضغوط التي تمارس عليه وحتى لا يبدو ضعيفا قبل الانتخابات، أسرع رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا بالإعلان عن أن الحكومة المركزية هي من ستشتري الجزر بدلا من ذلك.

وأدى ذلك إلى حدوث حالة من الشد والجذب بين النشطاء من كلا البلدين، ففي البداية، قام سبعة نشطاء من هونغ كونغ خلال الأسبوع الماضي بالهبوط على جزيرة أوتوري التي تعد أكبر الجزر المتنازع عليها، وكانوا ضمن 14 صينيا تم القبض عليهم من قبل اليابان وترحيلهم على الفور. ورد القوميون اليابانيون بالهبوط على نفس الجزيرة يوم الأحد (وفي مؤشر على مدى صغر دائرة النشطاء اليابانيين، كان واحد من النواب الثمانية الذين انضموا للقافلة، وهو إيريكو ياماتاني الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الليبرالي المعارض، أحد الأشخاص الذين ساعدوا على اندلاع المعركة الأخيرة بين كوريا الجنوبية واليابان على الجزر المتنازع عليها).

وقد انطلق الأسطول من هنا، من جزيرة إيشيجاكي، على الطرف الجنوبي من سلسلة أوكيناوا، على بعد نحو 80 ميلا من جزر سينكاكوس. وكان يوشيوكي تيوتا، وهو عضو في مجلس مدينة إشيكاجي ويبلغ من العمر 42 عاما، أحد السكان المحليين القلائل الذين انضموا إلى الحملة. وقال تيوتا: «وصلت اليابان إلى النقطة التي يتحتم عندها التغيير. لقد انتهى عصر الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها».

ومع ذلك، يتفق تيوتا مع الرأي السائد بأنه يتعين على اليابان العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات التي تظهر استعدادها للرد على الصين، ولعل أبرزها هو إعادة رسم استراتيجية الدفاع الوطني، التي كانت تركز على الاتحاد السوفياتي في الشمال، ولكنها ستركز الآن على الحماية ضد الصين في الجنوب. وأظهر استطلاع للرأي أجري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من قبل مكتب رئيس الوزراء وجود حالة من الحذر المتزايد، حيث أعرب أكثر من 70 في المائة من اليابانيين الذين شملهم الاستطلاع أنهم لا يكنون «مشاعر ودية» تجاه الصين.

ووصلت هذه المشاعر إلى هنا في إيشيجاكي، وهي جزء من أوكيناوا، التي كان يسودها حالة كبيرة من السلمية التي تولدت من الغضب من إجبار الجيش الإمبراطوري الياباني للمدنيين على الانتحار خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك من الوجود المكثف للقوات الأميركية بعد الحرب.

وبعدما أصبح رؤية السفن الحربية والزوارق الصينية مشهدا مألوفا بالقرب من هنا، بدأ بعض سكان الجزر يتحدثون عن دعمهم للجيشين الأميركي والياباني، على الرغم من أن المشاعر ضد القواعد الأميركية لا تزال قوية. ومنذ قيام الصين بوقف إمدادات الأتربة النادرة لليابان منذ عامين، يقوم رئيس بلدية إيشيجاكي، يوشيتاكا ناكاياما، برفع العلم الياباني أمام مجلس المدينة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي الوقت نفسه، قال ناكاياما (45 عاما) إنه يقدر التجارة المتنامية والسياحة مع المناطق الناطقة باللغة الصينية، ولا سيما تايوان، التي تدعي هي الأخرى حقها في حزر سينكاكوس.

ومن جهته، أعرب قبطان قارب الصيد تاماشيرو عن مشاعر مماثلة، حتى إنه بدأ اصطحاب مزيد من النشطاء لرؤية الجزر. وقال تاماشيرو: «لا يريد الصيادون أن تؤثر السياسة على سبل عيشهم». وأضاف تاماشيرو أن جزر سينكاكوس تحصل على 4500 دولار مقابل إيجار الزورق، وهو «مبلغ ليس سيئا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»