قلق إسرائيلي من مستقبل العلاقات مع مصر بسبب إيران وسيناء

نبيل فهمي: الشكاوى الإسرائيلية هزلية.. واتفاق السلام صمم للتعامل مع أوضاع ثابتة وليست متقلبة

TT

بعد الإعلان عن زيارة الرئيس الإسلامي الجديد في مصر لإيران الأسبوع المقبل، وقيام الجيش المصري بنشر دباباته في شبه جزيرة سيناء، يزداد قلق المسؤولين الإسرائيليين من علاقتهم مع مصر، التي كانت يوما أهم علاقاتهم الإقليمية.

وقال مسؤول حكومي إسرائيلي بارز يوم الأربعاء الماضي إن وزارة الدفاع والجيش الإسرائيليين قد قاما بإرسال رسائل إلى القاهرة في الأيام القليلة الماضية للتعبير عن مخاوفهم بشأن الوضع في سيناء، ولكنهما لم يتلقيا أي رد بهذا الصدد. يأتي هذا الانقطاع في قنوات الاتصال بين البلدين، الذي حدث بعد أسبوعين فقط على وقوع حادث إرهابي دام على الحدود المصرية - الإسرائيلية وبالتزامن مع إعلان الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي عن تحديه للغرب وحضوره قمة عدم الانحياز التي ستقام في طهران في سابقة مصرية لم تحدث من قبل، ليضيف مزيدا من التعقيدات على الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لتعريف إيران على أنها دولة مارقة بسبب برنامجها النووي.

وعندما تمت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، الذي حكم مصر لقرابة 30 عاما، أعربت إسرائيل عن قلقها من خسارة رجل قوي يمكن الاعتماد عليه ساعد في المحافظة على سلام دائم، وإن كان باردا، مع إسرائيل. ازدادت وتيرة المخاوف الإسرائيلية مع انتخاب رئيس جديد في مصر ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن تدهور الحالة الأمنية في شبه جزيرة سيناء التي تربط بين البلدين. ولكن المخاوف الإسرائيلية تنامت مؤخرا بصورة كبيرة، بعدما طالب المصريون من مختلف ألوان الطيف السياسي في الأسابيع الأخيرة بإعادة النظر في اتفاقية السلام بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بالقيود التي تفرضها على الوجود العسكري المصري في سيناء.

وبينما أعلن مرسي يوم الأربعاء الماضي أنه سيقوم بزيارة إلى الولايات المتحدة في الشهر المقبل، شابت حالة من الضبابية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نتيجة قراره بالذهاب أولا إلى إيران، على الرغم من مناشدة إسرائيل العديد من الدول مقاطعة الاجتماع تضامنا مع بواعث قلقها من البرنامج النووي الإيراني. وبينما لا تمثل الدبابات الموجودة في سيناء تهديدا حقيقيا لإسرائيل، يمثل عدم وجود تنسيق بشأن نشر هذه الدبابات تقويضا محتملا لاتفاقية السلام، التي كانت حجر الزاوية في أمن إسرائيل على مدار العقود الماضية.

صرح المسؤول الإسرائيلي البارز نفسه، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته حتى لا يغضب المسؤولون المصريون في مثل هذه الظروف الصعبة: «ينبغي لنا أن نكون صارمين للغاية في ما يتعلق بالالتزام بروح ونص اتفاقية السلام، وإلا سنجد أنفسنا على شفا منحدر زلق، ولا أحد سيعلم إلى أن سيقودنا هذا الوضع»، وأضاف المسؤول الإسرائيلي: «إذا كنا نتحدث بصورة غير رسمية، أو اتفاق (جنتلمان)، فمتى سيتوقف الجنتلمان عن التعامل بهذه الطريقة ويبدأ في التعامل بصورة أكثر صرامة؟ يجب علينا عدم دق ناقوس الخطر أو مراجعة الاتفاقية بأكملها، وإنما يتوجب علينا أن نكون متيقظين تجاه بعض الأمور التي تحدث على الأرض».

وأكد الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر، في إحدى المقابلات هذا الأسبوع الماضي، أن «مصر تحترم اتفاقياتها» و«تلتزم بكل الأمور المتعلقة بها»، مضيفا أن أية جهود لتعديل تفاصيل الاتفاقية «ستأتي من خلال الطرق القانونية والمشروعة».

وبينما كانت الأوضاع الداخلية هي المحرك الرئيسي لاندلاع ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» عام 2011 التي أطاحت بمبارك، كان المتظاهرون يطالبون أيضا بمزيد من الاستقلالية في سياسة مصر الخارجية، منتقدين بشدة دخول مصر في تحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يشكل ضغوطا كبيرة على الرئيس المصري الجديد، الحريص بشدة على توطيد سلطته وتعزيز شرعيته، لتلبية هذه المطالب.

تبعث زيارة الرئيس المصري إلى إيران برسالة واضحة مفادها أن مصر تنتهج مسارا جديدا عن طريق فتح قنوات اتصال مع أحد أكثر اللاعبين الإقليميين نفوذا، على الرغم من أنها لا تشير صراحة إلى نية مصر إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وبغض النظر عن النوايا، تعد هذه الخطوة من دون شك بمثابة استعداء لإسرائيل، التي ترى أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدا لوجودها وتتعرض لضغوط كبيرة من جانب واشنطن وأوروبا للامتناع عن القيام بأي عمل عسكري ضد إيران حتى يتسنى إعطاء المزيد من الوقت أمام العقوبات الاقتصادية.

طالب كثير من المصريين مرسي بسيادة مصرية كاملة على سيناء، التي ظلت منزوعة السلاح بموجب بنود معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979. ويتساءل كثيرون في إسرائيل عما إذا كانت الحكومة المصرية الجديدة تستغل الهجمات التي حدثت في 5 أغسطس (آب) الحالي، والتي قام فيها مسلحون ملثمون بقتل 16 جنديا مصريا ثم العبور إلى داخل الحدود الإسرائيلية في سيارة مدرعة محملة بالمتفجرات قبل أن يلقوا حتفهم، ذريعة لتعديل الاتفاقية من دون المرور بالقنوات الشرعية.

قال الدكتور ياسر علي: «حتى الوقت الراهن، لم نتلق أية مذكرة احتجاج رسمية بشأن العمليات العسكرية الدائرة في سيناء»، مما يثير كثيرا من التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تعاني من مشكلات في السيطرة على قنوات الاتصال مع الحكومة المصرية الجديدة. واعترف المسؤول الإسرائيلي البارز أن عدم وجود رد من جانب الحكومة المصرية قد يعزى إلى التغييرات الحديثة في أجهزة الأمن المصرية أو حتى لإجازة عيد الفطر المبارك.

وأكد أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي أنه على الرغم من إبداء بعض المسؤولين قلقهم الواضح من تدهور التنسيق مع مصر، فإن «ثمة اتصالات مستمرة وغير منقطعة تجري بين الأجهزة الأمنية في كلا البلدين».

ولكن العديد من المحللين المقربين من رئيس الوزراء والمؤسسة العسكرية في إسرائيل يؤكدون وجود مخاوف عميقة ومتزايدة حول هذا الموضوع.

وأوضح دوري غولد، رئيس «مركز القدس للشؤون العامة»: «إن تحدي الحكومة المصرية بنود معاهدة السلام مع إسرائيل يمثل تقويضا لعملية السلام من المنطقة برمتها.. إنه حقا خطب جلل. إذا لم نعبر بوضوح عن مخاوفنا في الوقت الذي يقوم فيه المصريون بزيادة عدد قواتهم في سيناء، فقد ينتهي بنا المطاف بمواجهة أمر واقع يؤدي إلى تقويض أكثر مصالحنا الأمنية حيوية».

وفي الوقت الذي تتصارع فيه مصر وإسرائيل حول سيناء، تحاول حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، إقحام نفسها في الأمر، حيث عرضت تشكيل لجنة أمنية مشتركة مع مصر. ولكن قادة حماس أكدوا يوم الأربعاء الماضي أنهم لم يتلقوا أي رد من القاهرة على مقترحهم حتى الآن، حيث صرح يوسف رزقة، المستشار السياسي لرئيس وزراء حكومة حماس: «لم تتطور العلاقة بين حكومة غزة والحكومة المصرية إلى ما نصبو إليه بعد».

وفي مقابلة أجريت معه، وصف نبيل فهمي، سفير مصر السابق لدى الولايات المتحدة، الشكاوى الإسرائيلية من وجود الدبابات المصرية في سيناء بـ«الهزلية»، حيث إنها تأتي عقب شكاوى إسرائيلية سابقة من أن مصر لا تقوم بما يكفي لتأمين شبه جزيرة سيناء، وأضاف فهمي أنه بالنظر إلى بشاعة هجوم 5 أغسطس الحالي، فإن هذا الرد العسكري يعتبر «طبيعيا للغاية»، مؤكدا أن بنود معاهدة السلام التي تتحكم في نشر مصر قوات عسكرية في سيناء تحتاج إلى تعديل.

ويقول فهمي: «على المرء أن يأخذ في الاعتبار أن هذه الاتفاقية كانت مصممة للتعامل مع أوضاع ثابتة عند بداية تطبيقها، وليس مع أوضاع متقلبة كما هي الحال الآن، لذا ينبغي تطبيقها بعقول متفتحة من كلا الجانبين».

وفي مقابلة مثيرة للجدل مع «راديو إسرائيل» يوم الأربعاء الماضي، أصر عاموس جلعاد، مدير الشؤون السياسية والسياسة العسكرية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، على أن «معاهدة السلام لا يمكن أن تتغير من دون موافقة كلا الجانبين».

* ساهم في كتابة هذا التقرير كريم فهمي من القاهرة وفارس أكرم من غزة

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»