السماح لعشرات آلاف من الضفة بعبور الخط الأحمر يثير سخط الإسرائيليين

اليمين يطالب بإرسالهم إلى غزة.. والفلسطينيون يشككون في الأهداف

TT

استفحل العداء الإسرائيلي الفلسطيني والتشكيك بين الطرفين في كل شيء، لدرجة السخط العارم على تدفق عشرات آلاف الفلسطينيين بعد الحصول على تصاريح لدخول الأراضي الإسرائيلية خلال أيام عيد الفطر وما بعدها، فانتقد اليمين الإسرائيلي هذا الأمر بشكل صارخ، معتبرا أنه «تراخٍ أمني خطير»، وانتقده الرافضون الفلسطينيون معتبرين أنه «طريقة إسرائيلية لتجنيد العملاء».

وكانت السلطات الإسرائيلية قد منحت التصاريح، ولأول مرة منذ 12 عاما، لعشرات الآلاف من الضفة الغربية لعبور الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل والضفة، والاستجمام على شواطئ تل أبيب ويافا وحيفا خلال عطلة عيد الفطر وبعدها بثلاثة أيام. وحسب تقديرات أولية بلغ عدد التصاريح 150 ألفا، يضاف إليهم الأطفال ما دون 12 عاما الذين لا يحتاجون إلى تصاريح، مما يجعل الرقم يتراوح بين 200 و250 ألفا. واستغل قسم كبير من الفلسطينيين هذه الفرصة فتدفقوا برحلات منظمة في حافلات فلسطينية إلى إسرائيل، فعجت شواطئ تل أبيب ويافا بشكل خاص وأسواقهما الحديثة بالمستجمين من كل الأعمار، ونزلت النسوة إلى البحر وهن بملابسهن وأغطية الرأس، في مشهد لم تعهده تلك الشواطئ منذ زمن بعيد، بينما وقف الكثير لالتقاط الصور أمام المعالم الجميلة لهذه المدن. وانتشرت بعض العائلات الفلسطينية على العشب وأوقدت المناقل لشي اللحم، وحمل البعض النرجيلة.

وأثارت هذه الزيارات اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية، فنقلت وكالة الصحافة الفرنسية تصريحات الزوار السعداء بهذه المناسبة، فقالت فوزية فرارجة، 55 عاما، وهي تسير على شاطئ البحر، لمراسل الوكالة: «أنا سعيدة لأن أحفادي يرون البحر ويرون كم هي جميلة بلادنا». وأضافت: «نحن من سكان بيت ساحور شرق بيت لحم. لو نستطيع لجئنا إلى هنا كل يوم، لكن إسرائيل لم تكن تعطينا تصاريح. لقد فوجئنا بأننا حصلنا على تصاريح هذه المرة».

وقدر طلال التميمي، وهو صاحب مكتب سياحي من الخليل، عدد الذين وصلوا خلال أيام العيد إلى تل أبيب وحيفا وعكا بنحو 150 ألف فلسطيني. وأوضح: «هذه أول مرة يحصل الناس على هذا العدد الكبير من التصاريح، كان الأمر مفاجئا ولا نعرف السبب، ربما لتحسين الوضع الاقتصادي الإسرائيلي». وأضاف أن «مكاتب السياحة في الضفة استأجرت جميع حافلات القدس السياحية لنقل الناس من المعابر إلى يافا وتل أبيب وحيفا وعكا» داخل إسرائيل. وأوضح أن هذه الحافلات نقلت يوم الاثنين، أي ثاني أيام عيد الفطر، «أكثر من 25 ألف فلسطيني من معابر الضفة إلى شاطئ العجمي وحده في يافا».

وقالت جيهان زيد، 22 عاما، الآتية من بلدة دير عمار القريبة من رام الله: «لم أرَ البحر منذ كان عمري عشر سنوات. سمحوا لنا بإحضار كل شيء، الأكل والقهوة والكعك والمعجنات». وعبرت عن فرحتها لرؤية مدينة يافا بقولها: «أنا سعيدة جدا. حضر كل أفراد العائلة ونزلنا إلى البحر. لمياه البحر طعم وسحر خاص. ليتهم يسمحون لنا في المستقبل بأن نشم رائحة البحر».

وقالت حماتها عيشة زيد، 51 عاما: «قدمت للحصول على تصريح في رمضان فرفضوه. ثم سمعنا أن الناس يحصلون على تصاريح بسهولة فقدمنا مرة ثانية وقبل يومين فوجئت بالموافقة في المساء. لم نفكر مرتين وجئنا». وأضافت أن «بناتي ذهبن للتسوق في سوق الكرمل بتل أبيب».

وأكد محمد دعيس، 18 عاما، من بلدة يطا جنوب الخليل، وهو يتأمل الماء: «هذه المرة الأولى التي أرى فيها البحر في حياتي. منظر البحر رهيب. لم يسبق لنا في حياتنا أن زرنا مدينة مثل حيفا أو يافا أو عكا».

وقدر أحمد، 45 عاما، القادم من مدينة نابلس شمال الضفة، عدد الذين حصلوا على تصاريح من المدينة بنحو 25 ألفا. وأضاف: «على الأرجح هم يريدون أن ينفسوا عن أهالي الضفة الذين يعيشون في ضغط نفسي واقتصادي حتى لا ينفجروا بانتفاضة ضد إسرائيل. إنهم يريدوننا أن ننتفض بالماء، يريدون انتفاضة بحر».

ولكن شروق، 25 عاما، من نابلس، بدت غاضبة بقولها: «هذه أول مرة نحضر وآخر مرة، لن نعيدها. لقد أتعبونا على المعابر. لم يفتشونا لكنهم كانوا يصرخون في وجهنا، ويرسلوننا من مدخل إلى آخر، لقد أرهقونا». وتابعت: «والآن، وصلنا إلى هنا ولا توجد مظلات، معنا نساء كبيرات في السن لا يتحملن الشمس، الشاطئ مكتظ ولا يوجد مكان للسباحة حتى في الماء»، مشيرة إلى صفحة الماء التي عجت بالسابحين.

وكما هو معروف، فإنه لا توجد للضفة أية منافذ على البحر، ولا يستطيع سكانها البالغ عددهم نحو مليونين ونصف المليون نسمة الانتقال خارجها إلا بتصريح إسرائيلي. وأوقفت إسرائيل منح تصاريح دخول للفلسطينيين، بعد انطلاقة الانتفاضة الثانية في عام 2000، ولم تكن تصاريح الزيارة تعطى إلا لعدد محدود من الأفراد وللضرورة أو في مناسبات خاصة أو لرجال الأعمال. وقال مدير الارتباط المدني لمنطقة الخليل محمود المطور لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد حصلت منطقة الخليل على 26 ألف تصريح، ولا يحتاج الأطفال حتى 12 عاما إلى تصريح. ربما أعطت إسرائيل التصاريح بسبب الوضع الأمني المستقر»، في إشارة إلى عدم تنفيذ عمليات كبيرة ضد أهداف إسرائيلية منذ بضع سنوات. وأضاف: «برأيي إن الهدف هو إنعاش الاقتصاد، فكل فلسطيني يصل إلى تل أبيب سيصرف على الأقل نحو 50 دولارا في اليوم. وهذه الآلاف التي تذهب يوميا إلى هناك ستنشط الاقتصاد».

بيد أن هذه الزيارات أثارت موجة انتقادات في إسرائيل وتشكيك لدى الفلسطينيين، ففي أوساط اليمين الإسرائيلي اعتبروا المسألة «تراخيا خطيرا في الاعتبارات الأمنية سيفتح الباب أمام موجة إرهاب جديدة»، كما جاء في تعليق لإذاعة المستوطنين «القناة السابعة». وقالوا إن للفلسطينيين شاطئا طويلا في قطاع غزة فليذهبوا للاستجمام فيه. وتقدمت كتلة الليكود إلى رئيس بلدية تل أبيب يافا، رون خولدائي، بالاحتجاج على أنه لم يسمع صوته ضد هذه الظاهرة، فرد خولدائي ببيان صحافي قال فيه: «تل أبيب مدينة مفتوحة ترحب بزوارها، من جميع الشعوب والطوائف والملل، شرط أن يحترموا القوانين ولا يمسوا بأمن أهلها».

وعالجت الإذاعات الفلسطينية من مختلف الفصائل والانتماءات، أمس، هذه الظاهرة بتوجه سلبي تميز بالشكوك إزاء النيات الإسرائيلية. وأعرب الكثيرون عن الخوف من أن يكون الهدف الإسرائيلي هو تجنيد عملاء فلسطينيين جدد.