السوريات يحولن المال إلى حلي للنجاة من الأسوأ

العرض والطلب على الذهب مرتبطان بالوضع الأمني دون أن يؤثر ذلك على الأسعار

TT

«الحفاظ على المدخرات» هو الهاجس الأول لغالبية السوريين، سواء الذين يفكرون في مغادرة البلد أو البقاء فيه. وخلال الشهور الأولى من بدء الأزمة سارعت الغالبية إلى سحب مدخراتها من البنوك وحولتها إلى مصاغ ذهبي أو إلى دولارات، ما جعل حركة بيع وشراء الذهب غير متوازنة، وذلك تبعا للوضع الأمني في البلاد.

ويقول جوزيف، وهو صائغ يعمل في دمشق: «إن حركة البيع والشراء في الفترة الأخيرة، العرض فيها أكثر من الطلب بعدة أضعاف».. مع الإشارة إلى أن سعر الغرام يناهز خمسين دولارا. ويوضح جوزيف سبب ذلك بأن «غالبية الناس حولوا مدخراتهم إلى مصاغ، ومع تراجع العمل لم تبقَ هناك سيولة تغطي المصاريف الحياتية اليومية».. أما الطلب فهو أقل بكثير من البيع.

وبحسب أرقام من الجمعية الحرفية للصاغة والمجوهرات في دمشق فإن «ما يقارب 90% من حركة الذهب وتداولاته في أسواق دمشق ناجمة عن بيع المواطنين لمدخراتهم الذهبية، في حين تقتصر حركة الشراء على نسبة قليلة لا تتجاوز 10%». ويرد ذلك إلى أن من يمتلك كتلة نقدية بادر إلى ادخارها على شكل ذهب من مشغولات وليرات وأونصات ذهبية، ما أدى إلى شح السيولة.. وهذا ما اضطر لاحقا كثيرا من الناس إلى البيع لتغطية الحاجات الحياتية اليومية.‏ ويلاحظ جوزيف أن «من يشتري الذهب حاليا هم من المغادرين للبلاد، وذلك لسهولة نقله على شكل مصاغ تلبسه النساء»، ويتابع أنه يوميا يأتي «زبائن يستبدلون بمدخراتهم من الليرات أساور سحب وحليا بتصميمات بسيطة، لا تخسر كثيرا لدى بيعها مجددا».

أم ماجد، وهي سيدة حموية (60 عاما)، تفكر وزوجها في الالتحاق بأبنائها في دولة مجاورة.. ولديها بضع ليرات ذهبية. تقول إنها ذهبت إلى الصائغ وطلبت منه حشو سوارها القديم، من طراز يسمى «مبرومة نفخ»، ذهبا بقيمة الليرات، وهي عملية تدعى «تتقيل»، أي زيادة وزن «المبرومة».. فهي لا تريد أن تحمل معها أي مبالغ مالية أو مصاغ غير القطع المعدودة التي تلبسها عادة، والمكون من «زوج مباريم وعقد مخمس وخاتمين وثلاث سحبات». وتقول: «هذا أضمن للسفر والتنقل والعبور على الحدود»، وهذه القطع تقدر قيمتها بأكثر من 12 ألف دولار.

وتحكي أم ماجد عن عادات النساء السوريات، وبالأخص الحمويات، في الادخار. وتقول: «اقتناء الحلي الذهبية إحدى العادات الأصيلة في المجتمع السوري، وما من سيدة إلا ولديها قطعة ذهب إما من مهر عرسها وإما من مدخراتها الخاصة. فالذهب يعتبر ضمانة للمرأة تخبئه للأيام القادمة، على مبدأ (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود). والسوريون والحموية مرت عليهم أيام سوداء كثيرة علمتهم طرق وأساليب الادخار».

أما سهير ذات الأربعين عاما، التي تفكر في السفر إلى تركيا، فتقول إنها منذ بداية الأحداث في البلاد حولت وزوجها الأموال التي يدخرونها إلى عقارات وذهب مصاغ وحلي نسائية. وعن نقله معها تقول إنها متخوفة من ذلك، مع أنه يمكن توزيعها على بناتها الأربع.

ومع أن سهير تخشى من لصوص الطرق فإنها ترى أن هذه هي «الطريقة الوحيدة للنجاة بممتلكاتها الشخصية»، وتقول إن أختها غادرت منذ فترة قصيرة بعد أن حولت كل ما لديها من مال إلى ذهب وخرجت من البلد بحقيبة يد واحدة، وأنها هي التي نصحتها باتباع الطريقة ذاتها لأن التحرك بمبالغ مالية كبيرة خطير جدا.. فعدا أنه ممنوع ويعتبر تهريب أموال، فإن حمل كميات من النقود يثير الشبهات وقد يتهم حامله بتمويل المسلحين.

لكن الذين يشترون الآن الذهب هم قلة، قياسا إلى الذين يبيعونه. ومع أن حركة السوق غير مستقرة، فإن ذلك لا يؤثر على سعر الذهب بحسب ما يؤكده جورج.. الذي يشير إلى ارتباط «سعر غرام الذهب في سوريا بسعر أونصة الذهب عالميا في بورصتي نيويورك ولندن».

ويقول إن هذه المعادلة تحققت منذ بضعة أشهر عندما استقر سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية - إلى حد ما - عند سعر سبعين ليرة للدولار، بعد أن ارتفع بشكل مخيف ومفاجئ ليتجاوز المائة ليرة.. ثم عاد وانخفض إلى 68 ليرة، ليستقر عند حدود السبعين ليرة.‏ ويضيف جورج أن تذبذب السوق مرتبط بالوضع الأمني، ففي حلب حركة البيع والشراء شبه متوقفة.. كما أن ذلك أثر على أرباح الصاغة، التي تراجعت كثيرا.