تحركات دولية للتنسيق بشأن سوريا.. وإيران تلوح باتفاقية الدفاع المشترك

موسكو تؤكد صعوبة لجوء دمشق للأسلحة الكيماوية.. وتنفي ترحيل خبرائها من طرطوس

مجموعة من سكان حلب يتجمعون حول دبابة نظامية محطمة أمام أنقاض أحد المساجد (أ.ف.ب)
TT

قبل أقل من أسبوع على اجتماع مجلس الأمن المقرر في 30 الجاري حول سوريا على المستوى الوزاري، أعلنت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة عن بحثهم سبل تعزيز المعارضة السورية، فيما بدأ مسؤولون أتراك وأميركيون أول اجتماع «لتخطيط العمليات» يهدف إلى إنهاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد.. في الوقت الذي لوحت فيه طهران إلى أن الاتفاقيات الدفاعية المعقودة بين إيران وسوريا ما زالت قائمة، لكن سوريا لم تطلب أي مساعدة حتى الآن. بينما أبدت موسكو اقتناعها بأن «السلطات السورية لا تعتزم استخدام الأسلحة الكيماوية، وأنها قادرة أن تبقيها بنفسها تحت السيطرة».

وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بحثت مساء يوم الأربعاء سبل تعزيز المعارضة السورية التي تقاتل القوات الحكومية. وأضاف أن كاميرون والرئيس الأميركي باراك أوباما اتفقا على أن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية أو التهديد باستخدامها أمر «غير مقبول على الإطلاق»، وسيجبرهما على إعادة النظر في أسلوب تعاملهما مع الصراع.

وقال المكتب في بيان «ومع (الرئيس الفرنسي فرنسوا) هولاند بحث رئيس الوزراء وأوباما كيفية البناء على الدعم الممنوح بالفعل للمعارضة لإنهاء العنف المروع في سوريا وتحقيق الاستقرار». مؤكدا «الحاجة إلى معارضة ذات صدقية» وأملا في أن يكون اجتماع القاهرة المقبل فرصة لها «لإظهار وحدة حقيقية حول الأهداف التي تسعى إليها وتجانس في عملها بهدف (إنجاز) مرحلة انتقالية».

ولفتت رئاسة الوزراء البريطانية إلى أن هولاند وكاميرون كانا «متفقين مائة في المائة» حول مجمل القضايا السياسية والإنسانية والعسكرية المرتبطة بالأزمة في سوريا. واعتبر الجانبان أنه على البلدين «تعزيز» تعاونهما بهدف «تحديد كيفية دعم المعارضة ومساعدة الحكومة السورية التي قد تتشكل بعد سقوط (بشار) الأسد الحتمي». وشددا على «ضرورة تشجيع القادة الدوليين الآخرين على مواصلة الضغط الدولي على النظام السوري»، وتطرقا إلى وضع اللاجئين الذي يثير «قلقا كبيرا». كما رحبا بتعيين الأخضر الإبراهيمي موفدا دوليا جديدا إلى سوريا.

وبحسب الجانب الفرنسي، فإن باريس «تدرس اقتراح مع إقامة منطقة حظر طيران» الأمر الذي أكده أيضا وزير الدفاع جان إيف لودريان، في حديث أمس إلى تلفزيون «فرانس 24».. وكان الاقتراح موضع تشاور خلال الحوار البريطاني الفرنسي.

وفي هذا السياق، شرح لودريان أن إقامة منطقة حظر جوي جزئي «مسألة تستحق الدرس»، بينما استبعد تماما إنشاء منطقة حظر على كامل الأجواء السورية. وبحسب لودريان، فإن ذلك يفترض «منع الطيران السوري (الحربي) من الإقلاع، ما يعني الدخول عمليا في الحرب. وهو ما لا يمكن تحقيقه من غير تحالف دولي قادر على القيام به. وحتى الآن، هذا التحالف غير موجود».

ولكن بالمقابل، كشف لودريان أن الوزيرة كلينتون «اقترحت إقامة منطقة حظر طيران خاصة، وهو أمر تجدر دراسته» مضيفا أنها «المرة الأولى» التي يقدم فيها الأميركيون مثل هذا الطرح. وبحسب هذا التصور، فإن هذه المنطقة يمكن أن تمتد من الحدود التركية إلى مدينة حلب أو أبعد منها. ووفق مصدر عسكري، فإن منطقة كهذه يمكن الدفاع عنها من داخل الأراضي التركية ومن غير حاجة للتحليق في الأجواء السورية.

ورجحت مصادر فرنسية أن يبحث الموضوع بشكل تفصيلي خلال اللقاءات التي تجريها مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية في تركيا في الوقت الراهن. وفي أي حال، كرر لودريان الموقف الفرنسي الرسمي القائل إن أي تدخل عسكري في سوريا «غير ممكن من غير وجود انتداب من الأمم المتحدة وفي ظل الشرعية الدولية التي من دونها لا نستطيع القيام بشيء».

وبدأ مسؤولون أتراك وأميركيون أمس أول اجتماع «لتخطيط العمليات» يهدف إلى إنهاء نظام الرئيس الأسد، ويتوقع أن يجري خلال الاجتماع تنسيق الردود العسكرية والاستخباراتية والسياسية على أعمال العنف.

وكان من المقرر أن يناقش المسؤولون في الاجتماع، الذي يعقد في أنقرة، خطط الطوارئ التي يمكن تطبيقها في حال ظهور تهديدات مثل قيام النظام السوري بشن هجوم كيميائي.

ويقود الوفد التركي نائب وزير الخارجية التركي هاليت جيفيك بينما تقود الوفد الأميركي السفيرة الأميركية إليزابيث جونز. ويتألف الوفدان من رجال استخبارات ومسؤولين عسكريين ودبلوماسيين، بحسب ما أفاد مصدر في وزارة الخارجية لوكالة الصحافة الفرنسية.

ومن المتوقع أن يكون قد تم مناقشة احتمال استغلال عناصر حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا وتنظيم القاعدة أي فراغ للسلطة في سوريا. وكانت كلينتون أعلنت في إسطنبول أنها «تشاطر تركيا تصميمها على ألا تتحول سوريا إلى ملجأ لإرهابيي حزب العمال الكردستاني سواء الآن أو بعد غياب نظام الأسد».

من جهته، قال البيت الأبيض إن المحادثة الهاتفية تناولت «مجموعة واسعة من القضايا العالمية»، ومنها الصراع في سوريا وضرورة زيادة مشاركة بلدان أخرى في مساندة المعارضة لحكومة الأسد. وأضاف أن أوباما عبر عن مخاوفه «للوضع الإنساني الحرج والمتفاقم في سوريا»، والحاجة إلى مساهمات في تلبية النداءات الإنسانية في المنطقة.

وبالتوازي مع تلك التحركات، تكثف باريس اتصالاتها الدبلوماسية لبلورة أهداف الاجتماع اجتماع مجلس الأمن المقرر في 30 الجاري حول سوريا على المستوى الوزاري بدعوة ورئاسة فرنسيتين، وفحص ما يمكن أن ينتج عنه في ظل استمرار الانقسامات العميقة داخل المجلس ما يمنع حتما التوصل إلى نتائج سياسية ذات معنى. وبسبب هذا الأمر، فإن باريس تعمل على تغليب الجانب الإنساني المترتب على الحرب في سوريا وعلى الحاجة للتعامل مع ملف المهجرين واللاجئين داخل سوريا وخارجها.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس لتقديم الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا في العالم الذي يلتئم لثلاثة أيام الأسبوع المقبل، قال وزير الخارجية لوران فابيوس، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع المذكور «يجب أن يركز على الوضع الإنساني في سوريا و(وضع السوريين اللاجئين) في بلدان الجوار». وبحسب الأرقام التي عرضها، فإن هناك ما بين 2.5 إلى 3.5 مليون لاجئ داخل سوريا ونحو 300 ألف خارجها موزعين على الأردن وتركيا ولبنان والعراق. وبسبب هذا الوضع، فقد دعا فابيوس وزراء خارجية الدول المعنية للمشاركة في اجتماع نيويورك الوزاري. ووفق ما قاله، ثمة أهداف ثلاثة ستسعى باريس لتحقيقها في نيويورك وهي: جذب اهتمام الأسرة الدولية على حقيق مأساة اللاجئين وتحسيس الرأي العام وأخيرا توفير الوسائل المادية لترجمة هذا الاهتمام إلى واقع.

لكن الوزير الفرنسي أشار إلى الحاجة «للوصول الإنساني إلى اللاجئين داخل سوريا». لكنه لم يفسر كيفية تحقيق هذا الهدف في ظل انقسامات مجلس الأمن، خصوصا إذا كان الغرض فرض مناطق أو ممرات إنسانية آمنة ما يعني الحاجة إلى قرار في مجلس الأمن. وحتى الآن، أبدت موسكو معارضتها الشديدة لإجراء من هذا النوع بسبب تخوفها من أن يتحول إلى منطلق لعمل عسكري ضد النظام السوري.

وحتى اليوم، لم يعرف من هم الوزراء الذين سيذهبون إلى نيويورك، علما أن وكالة رويترز نقلت خبرا مفاده أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لن تحضر. وقال فابيوس أمس إنه لم يتلق ردا من نظيريه الروسي والصيني على الدعوة التي يوجهها إليهما. لكن مصادر دبلوماسية غربية في باريس رجحت تغيبهما. ورفض الوزير الفرنسي توضيح ما إذا كان الاجتماع سيخرج بطرح مشروع قرار على التصويت أم سيكتفي ببيان يصدر عن الرئاسة الحالية للمجلس أي فرنسا نفسها.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن الاثنين أن موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية يشكل «خطا أحمر» بالنسبة إلى الإدارة الأميركية.. لكن مصادر في الخارجية الروسية قالت إن موسكو تبدو على يقين من عدم وجود نوايا لدي سوريا لاستخدام الأسلحة الكيماوية. ونقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية نقلا عن هذه المصادر ما قالته حول أن «حوارا سريا» جرى مع الحكومة السورية بشأن سلامة ترسانة أسلحتها أقنع روسيا بأن «السلطات السورية لا تعتزم استخدام تلك الأسلحة وأنها قادرة أن تبقيها بنفسها تحت السيطرة».

وأشارت إلى أن الخارجية الروسية رفضت التعليق على ما قيل حول أن موسكو ترى أنه من الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري في حال رأت تهديدا من جانب سوريا باستخدام الأسلحة الكيماوية، ونقلت «كوميرسانت» ما قاله مسؤول الخارجية الروسية حول أن واشنطن حذرت المعارضة من مغبة مجرد الاقتراب من مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية ومصانع إنتاجها، وأن مجموعات المعارضة تلتزم بما قالته، ما يعني ضمنا وجود وسائل التأثير على المعارضة وأن الغرب يملك النفوذ والقدرة على إلزام معارضي الأسد بما يريد.

وكانت وزارة الخارجية الروسية أصدرت بيانا تقول فيه إن «شركاء روسيا الغربيين لم يفعلوا شيئا حتى الآن للتأثير على جماعات المعارضة وحثها على الدخول في حوار مع الحكومة السورية»، وأضافت أنه «وبدلا من ذلك، فإنهم يشجعونهم على الاستمرار في القتال المسلح».

وأشار البيان إلى أنه صار «من الواضح استحالة التوصل إلى حل سياسي للأزمة من خلال هذه الأساليب»، كما أشار إلى أن الدول الغربية رفضت الأسبوع الماضي حتى مناقشة اقتراح روسي قدم لأعضاء مجلس الأمن الدولي وللدول المجاورة لسوريا بإصدار إعلان يطالب الحكومة ومعارضيها بوقف القتال وبدء المحادثات.

وقالت وكالة «ريا نوفوستي» إن «كلا من روسيا والصين أعربتا عن مخاوفهما من أن التدخل الخارجي في الأزمة السورية سيزيد من تفاقم النزاع المسلح»، واتهمت الصين واشنطن باتخاذ قضية الأسلحة الكيماوية ذريعة للتدخل العسكري في سوريا، واعتبرت أن تصريحات أوباما بشأن الأسلحة الكيماوية «غير مسؤولة بشكل خطير»، ومن شأنها تأجيج الصراع في سوريا.

وفي سياق ذي صلة، لوحت إيران أمس باتفاقيات الدفاع المشترك مع سوريا، وقال وزير الدفاع أحمد وحيدي أمس للصحافيين على هامش الاجتماع الحكومي الأسبوعي، وفي إجابة عن سؤال بشأن الاتفاقيات الدفاعية المعقودة بين إيران وسوريا، إنها «ما زالت قائمة.. لكن سوريا لم تطلب منا أي مساعدة حتى الآن». موضحا أن سوريا تواجه تهديدات إرهابية، لكنها تعمل على مواجهة هذه التحديات بشكل جيد.

كما نفت قيادة البحرية الروسية ما تردد حول اعتزام موسكو ترحيل خبرائها العسكريين الموجودين في «مركز الإمداد والصيانة التقنية للبحرية الروسية» في طرطوس السورية. ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» عن مصادر في هيئة قيادة أسطول البحر الأسود ما قالته حول أن سفينة «بي إم - 138»، التي تقوم بمهمة في طرطوس، ستعود إلى ميناء سيفاستوبول وفق برنامجها في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، لتحل مكانها سفينة أخرى. وكانت مصادر إعلامية سبق وأعلنت عن نقل جميع أفراد القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس والبالغ عددهم 78 شخصا إلى السفينة «بي إم - 138»، في إشارة غير مباشرة إلى احتمالات جلاء هذه القاعدة.